العدسة – بشير أبو معلا
لا يتردد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في فعل أي شيء من أجل السلطة التي يلبسها الثوب الديمقراطي، لكن من المعلوم أن سيد الكرملين لا يتهاون أبدا مع خصومه؛ حيث ألقى القبض على أكثر من 1500 منهم، يوم 12 يونيو، على هامش احتجاجات نظمتها المعارضة ضد الفساد، بل إن نظام “بوتين” لا يتردد في تزييف أشرطة الفيديو أو الصور أو حتى القتل للقضاء على المعارضين.
يوان باربيرو دبلوماسي فرنسي من بين الذين دفعوا ثمن معارضتهم للقيصر، حيث سلطت صحيفة “لونوفيل أوبسيرفاتور” الضوء مرة أخرى على سلاح الجنس، من خلال قضية هذا المواطن التي أحرجت وزارة الخارجية الفرنسية أو الـ “كاي دورسيه”.
عشرة ملايين دولار للفيديو، هذا هو المبلغ الذي عرضه لاري فلينت، الذي كان أحد الداعمين البارزين لهيلاري كلينتون في انتخابات الرئاسة، الذي يحلم بـ “إسقاط”ما يسميه “الخطر على الديمقراطية”أو “المعتوه”.
ما هو الفيديو؟ إنه ذلك الشريط الذي التقطه الكرملين لدونالد ترامب، مع بغايا روس حيث أقام لهن حفلة شاذة تضمنت تبوّل البغايا على الفراش، وأفادت التقارير أن ذلك كان من خلال “أف أس بي”، جهاز الأمن الروسي، في فندق ريتز كارلتون.
كومبرومات
في روسيا، هذه التقنية التقليدية تستخدم كثيرا، لإخراس المعارضين السياسيين والدبلوماسيين والصحفيين، معروفة باسم “كومبرومات” وهو تكتيك استخدم لعقود من قبل الاستخبارات السوفييتية، ويستخدم الآن من قبل خدمة الأمن الاتحادية لروسيا، يتضمن تجميع معلومات عن أشخاص قد تنفع في ابتزازهم مستقبلا، وفي كثير من الأحيان أثناء ممارستهم الجنس.
بدءا من شريط فيديو الرئيس الأمريكي، أجرى تريستان واليكس وغيوم بوفيلز وميكايل بوزو، تحقيقا صحفيا، فيما بات إستراتيجية سياسية حقيقية، مثلما هو الحال بالنسبة للرياضة الوطنية، في ظل فلاديمير بوتين، وفي الوقت الراهن، لا يتردد النظام في بث أشرطة الفيديو هذه، التي يحاصر بها الضحايا، من خلال تسجيلها أو حتى عن طريق تزييفها، على التليفزيون العام أو مواقع مخصصة.
دفعت ناتاليا بيليفين الثمن ومعها كل المعارضة، يشرح لنا التحقيق، اكتشفت الناشطة التي كانت تجمعها علاقة مع ميخائيل كاسيانوف، رئيس الوزراء السابق، وهو رجل يمين سابق أصبح منافسا لبوتين، أن لقاءاتهم الحميمية تم تصويرها، بعدما بثت في وقت مبكر على قناة “إن تي في”، التابعة لـ”جازبروم”، وهي شركة مملوكة للدولة، في وقت وصل فيه عدد المشاهدين إلى 10 ملايين.
في الفيديو ظهر كاسينانوف شبه عارٍ مع بيليفين، في شقة بموسكو، وأظهرت اللقطات بوضوح وجه كاسيانوف والناشطة البريطانية من أصول روسية، وبالرغم من مشاهد العري الواضحة، إلا أنها لا تظهر أفعالا جنسية صريحة.
ويبدو من الفيديو أنه تم تصويرها بواسطة كاميرا مخفية في غرفة خلع الملابس في شقة بموسكو، تستخدم على ما يبدو لعلاقتهما السرية، وقد دمر هذا الفيديو الحياة المهنية لاثنين من المعارضين البارزين، وقبل كل شيء ساعد على تحطيم تحالف المعارضة الديمقراطية، قبل 6 أشهر من الانتخابات.
الساحرة “Moomoo”
في تحقيقهم (تريستان واليكس، غيوم بوفيلز وميكائيل بوزو) يثبتون أيضا كيف تصور أجهزة المساومة السرية هذه اللقاءات الحميمية من جميع الجهات، وكذلك الصور المزورة، لخلق أخبار وهمية كي تبدو حقيقية عن المعارضين.
للقيام بذلك، أوقعت هذه الجهات العديد من الضحايا عن طريق “Moomoo” وهي امرأة شابة تلعب إلى حد كبير نفس دور ماتا هاري، وهو الاسم الفني الذي اشتهرت به مارجاريتا جِرترودا، أشهر جاسوسة في التاريخ الحديث، كانت راقصة هولندية-ألمانية، وأيضاً مومساً لدى رجال الطبقة العليا من المجتمع، وأعدمها الفرنسيون رميا بالرصاص، بتهمة التجسس خلال الحرب العالمية الأولى.
استطاعت “Moomoo” جلب العشرات من الشخصيات المعارضة من جميع الطوائف (الكوميديين والسياسيين والصحفيين) وغيرهم إلى سريرها، وهذه الشابة تعيش الآن في بلد أوروبي، وقد خضعت لعدة عمليات تجميلية لتغيير شكلها تماما حتى لا يعرفها أحد.
بيد أن التحقيق الصحفي يكشف قبل كل شيء، عن قضية دبلوماسية خطيرة تخص مواطنا فرنسيا، هو يوان باربيرو، نائب المدير السابق للتحالف الفرنسي في إيركوتسك، وملحق الشؤون الثقافية الفرنسي السابق، الذي كان ضحية أيضا للـ”كومبرومات”.
في فبراير 2015، اتهم بالاعتداء الجنسي على ابنته البالغة من العمر 5 سنوات، وإنتاج وتوزيع صور وفيديوهات، ونشر ثلاث صور إباحية على الإنترنت، وذلك بعد اختراق جهاز الكمبيوتر الخاص به، وحكم عليه غيابيا بالسجن 15 عاما.
وألقي القبض على “يوان” وأفرج عنه بعد شهرين، ليكون تحت الإقامة الجبرية، وبعدها اختفى في سبتمبر عام 2016، واستطاع الهروب من خلال عبور الحدود الروسية بشكل غير قانوني مع دولة البلطيق.
ضحية للحسابات السياسية
نائب المدير السابق للتحالف الفرنسي في إيركوتسك، أنكر التهم الموجهة إليه باغتصاب ابنته والغِلْمانية (الولع الجنسي بالأطفال)، ويقول “باربيرو” إن القضية لفقت له بغرض القضاء عليه محليا، بسبب نفوذه المتزايد في المنطقة، وكذلك كي تستطيع روسيا الضغط على فرنسا، وهي قضية يبدو أنها أحرجت “كاي دورسيه”، ويعتبر الفرنسيون أنه ضحية للحسابات السياسية المحلية في روسيا، بسبب وظائفه المتعلقة بالدبلوماسية الثقافية.
في الوقت نفسه، وبعد وصوله فرنسا، ردت موسكو بالإعلان عن دعاوى قضائية جديدة ضد الفرنسيين، بعد أن ظهر يوان باربيرو وأعلن أنه غادر البلاد بشكل غير قانوني، وهي أيضا جريمة جنائية، وأشارت وزارة الخارجية الروسية إلى أنها تعتزم اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لضمان تحمل “باربيرو” المسؤولية عن تصرفاته.
ويؤكد “باربيرو” أنه تعرض للضرب وسجن لمدة 71 يوما، ووضع في مستشفى للأمراض النفسية لمدة عشرين يوما، ثم تحت الإقامة الجبرية في انتظار المحاكمة، مع سوار إلكتروني لم يتم العثور عليه فيما بعد، وقد تم تعطيله.
وفي عهد “بوتين” قتل أكثر من 32 صحفياً ومعارضاً، في ظروف غامضة دون أن يتم تسجيل أي حالة قبض على الجناة، أبرزهم المعارض الروسي ألكسندر ليتفيننكو، الذي توفي في 23 أكتوبر 2006 عن 43 عاما، بعد ثلاثة أسابيع على تناوله الشاي في حانة فندق ميلينيوم بوسط لندن، برفقة أندريه لوجوفوي، العميل السابق في جهاز الاستخبارات الروسي.
وقد أعلنت المحاكم البريطانية في 2016، أنه وبحسب ما توفر لديها من أدلة، فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين “وافق على الأرجح” على قتل ليتفيننكو.
ومؤخرا أعلن “بوتين” ترشحه لولاية رئاسية رابعة في انتخابات مارس 2018، ما يعني أنه سيظل على رأس السلطة حتى 2024، في إعلان طال انتظاره، ووضع حدًّا لشهور من التشويق ومماطلة الكرملين، حول نوايا الرئيس الذي يسيطر على البلاد منذ أكثر من 17 عامًا، ويسعى للفوز بولاية جديدة مدتها ستّ سنوات.
وقد ردّ الخصم الرئيسي لسيد الكرملين، أليكسي نافالني، على تويتر بسخرية حول طول العمر السياسي للرئيس الروسي قائلًا: “في رأيي، هذا كثير”، واقترح معارضته.
ونافالني الخصم رقم واحد للرجل القوي في الكرملين، حيث حكم عليه بالسجن لمدة ثلاثين يومًا، وذلك بعدما أدانت المحكمة المعارض البالغ من العمر 41 عامًا، بسبب تنظيمه مظاهرات غير مرخص لها، ورفضه الانصياع لأوامر قوات الأمن.
ولا يمكن له الترشح للرئاسة؛ بسبب الحكم عليه، في 8 فبراير الماضي، بالسجن خمس سنوات مع وقف التنفيذ، بتهمة اختلاس أموال شركة “كيروفليس” للأخشاب المسجلة في مدينة كيروف.
اضف تعليقا