جلال إدريس
(أسد عليَّ وفي الحروب نعامة).. ربما يكون هذا الشطر من قصيدة “غزالة الشيبانية” هو التعبير الأنسب لواقع النظام السوري مع شعبه المستضعف، وجيش الاحتلال الإسرائيلي؛ حيث تترجم تلك الكلمات بشكل عملي كلما تعرَّضت سوريا في عهد بشار لقصف إسرائيلي فيكون ردّ النظام السوري “نحتفظ بحق الرد”.
وفي الوقت الذي يحتفظ فيه النظام بحق الرد على غارات إسرائيل وانتهاكاتها المستمرة للسيادة السورية، يواصل نظام بشار الأسد منذ سبع سنوات الاستقواء على شعبه المستضعف، وقصفه بكل أنواع الأسلحة بداية من طلقات الرصاص، ومرورًا بالقذائف الصاروخية والبراميل المتفجرة، ووصولًا للقصف بالأسلحة الكيماوية والقنابل المحرمة دوليًا.
وعلى مدار الـ 24 ساعة الماضية، شهدت الأراضي السورية تلك المفارقة المثيرة للجدل؛ حيث استهدفت غارة جوية منسوبة لإسرائيل منطقة قرب مطار دمشق الدولي، بحسب ما أوردت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) الثلاثاء، ليكون حال النظام كعادته هو الاحتفاظ بحق الرد.
وفي نفس اللحظة التي يصمت فيها بشار الأسد على القصف الإسرائيلي، تواصل قوات النظام وحلفاؤها القصف الصاروخي على درعا جنوبي سوريا، لتسقط أكثر من 29 قتيلًا من بناء الشعب السوري على مدار اليومين الماضيين.
فمتى يردّ بشار الأسد على الانتهاكات الإسرائيلية لبلادة؟ وكم مرة استهدفت إسرائيل سوريا؟ وما الذي تستهدفه إسرائيل من قصف بشار؟ وهل سيرد بشار يومًا على إسرائيل أم أنه سيظل أسد على شعبه ونعامة على إسرائيل.
ضربات إسرائيلية دون رد
الغارات والضربات الإسرائيلية على سوريا لم تتوقف على مدار عشرات السنوات، وتحديدًا منذ احتلال إسرائيل لهضبة الجولان السورية عام 1967، وبالرغم من كل تلك الفترة لم ترد سوريا على أي قصف إسرائيلي وتدَّعي أنها تحتفظ لنفسها بحق الرد.
غير أنَّ الضربات والغارات الإسرائيلية على سوريا زادت حدتها مؤخرًا وتحديدًا منذ عام 2013، لتسجِّل خلال السنوات الخمس الماضية أكثر من 20 غارة في أوقات ومواقع مختلفة، نستعرض أبرزها كالآتي:
في 30 يناير 2013 قصف الطيران الإسرائيلي موقعًا لصواريخ أرض جو قرب دمشق ومجمعًا عسكريًا.
وفى 3 و 5 مايو من نفس العام شنّ الاحتلال غارتين قرب دمشق استهدفتا مركز الأبحاث العلمية في جمرايا، بالإضافة إلى مستودع للذخيرة وبطارية للدفاع الجوي.
7 ديسمبر 2014: اتهمت سوريا إسرائيل بشنّ غارتين على مواقع قرب دمشق، في الديماس والمطار الدولي.
19 ديسمبر2015 قتل سمير القنطار الذى سجن لفترة طويلة في إسرائيل، في غارة على ضواحي دمشق.
7 ديسمبر 2016، ضربت عدة صواريخ إسرائيلية المنطقة المحيطة بقاعدة المزة العسكرية بضواحي دمشق والتي تضم مقر المخابرات الجوية.
17 مارس من عام 2017 أعلن الاحتلال الإسرائيلي استهداف أسلحة “متطورة” قالت إنها كانت في طريقها لحزب الله قرب تدمر في وسط سوريا.
27 أبريل2017 اتهمت سوريا الاحتلال الإسرائيلي بإطلاق صواريخ على موقع عسكري قرب مطار دمشق.
7 سبتمبر 2017 أسفرت غارات جوية عن مقتل اثنين في موقع عسكري غرب سوريا.
22 سبتمبر 2017 أغارت طائرات الاحتلال الإسرائيلي على مستودع لحزب الله قرب مطار دمشق.
16 أكتوبر دمر جيش الاحتلال الإسرائيلي بطارية صواريخ شرق دمشق؛ ردًّا على إطلاق صاروخ سوري استهدف طائرات تجسس إسرائيلية فوق لبنان.
2 ديسمبر 2017 أغارت طائرات الاحتلال الإسرائيلي على مواقع قرب الكسوة جنوب دمشق.
لماذا تهاجم إسرائيل سوريا؟
تختلف وجهات النظر المتعلقة بأسباب القصف الإسرائيلي المتكرر لـ”سوريا”، ما بين من يؤكّد أن إسرائيل إنما تستهدف بالأساس حزب الله اللبناني والقوات الإيرانية المنتشرة في سوريا، وبين من يقول إن إسرائيل تستعرض قواها عالميًا بقصفها سوريا، خصوصًا وأن روسيا باتت حليفة للنظام السوري، ومن ثمَّ فإن الضربات الإسرائيلية تعد أيضًا رسالة غير مباشرة لـ”موسكو”.
فيما يؤكّد آخرون أن إسرائيل عندما تقصف موقعًا “سوريًا” فهي تستهدف ما يمكن أن يكون بذرة ينطلق منها مؤشر قوة عسكرية أو بحثية في سوريا،، خصوصًا وأنها تعلم جيدًا أن أدمغة غير صغيرة تعمل فيها من كوريا الشمالية وإيران وربما روسيا.
وبرغم أنَّ الأسدين؛ الأب والابن لم يُشعِرا الكيان الصهيوني بالخوف يومًا، ولن يحمل الخليفة القادم لبشار، إن جاء بتنسيق دولي، غير ما كان في جعبة الاثنين، إلا أنه ممنوع على الجميع امتلاك عناصر قوة تفاوضية أو تهدّد الأمن الإسرائيلي فيما لو تجرأ أحد على شدّ ظهره بها.
وبالرغم من تحالف نظام بشار الأسد المعلن والمبطن مع الكيان الصهيوني، إلا أنَّ إسرائيل تضمن أمنها بنفسها ولا تعتمد على الآخرين أو تمنحهم ثقتها، هذا خط أحمر.
ولماذا يصمت بشار؟
ولأن جملة النظام الشهيرة (نحتفظ بحقّ الرد)، كلما شنَّت إسرائيل غارات على سوريا، باتت جملة مثيرةً للسخرية والجدل فإنَّ الإعلام السوري ومؤيدي النظام من وسائل الإعلام المختلفة يحاولون دائمًا تبرير احتفاظ النظام بحقّه في الرد، إلا أن كل المبررات باتت غير مقنعة تمامًا، ولا يوجد سوى سبب واحد مقنع وهو عجز نظام بشار الأسد عن مواجهة إسرائيل.
وفي تقرير سابق لصحيفة “كومسمولسكيا برافدا” الروسية، فإنَّ السؤال عن “لماذا لا تقف الدفاعات الروسية بوجه الخروقات الإسرائيلية لمناطق عسكرية للنظام؟”، بات سؤالًا مشروعًا للموالين للنظام السوري وللساسة الذين يقفون إلى جانبه قبل الذين يعارضونه، خصوصًا بعد أن تكرر القصف السوري.
وفي جوابها على هذا السؤال ادَّعت الصحيفة أن “نظام الدفاع الجوي الروسي، بالاتفاق مع دمشق، يحمي قاعدة حميميم وقاعدة طرطوس البحرية من الضربات الجوية، والطائرات الإسرائيلية، أساسًا، لا تطير في هذه المناطق، أما بالنسبة لبقية المجال الجوي السوري، فالدفاعات الجوية التابعة للنظام هي المسؤولة عن حمايته، وهي قديمة، وليست دائمًا جاهزة للقتال”.
وألمحت الصحيفة بالقول: “يبدو أنَّ الوقت قد حان لقيام دمشق وموسكو بتغيير الاتفاق الثنائي بشأن ترتيب قوات الدفاع الجوي الروسية التي نشرت في سوريا والسماح لها بتغطية كل المجال الجوي لهذا البلد وحمايته”. ما يدلّ على توريط النظام بصفقة سلاح جديدة، مقابل تمدُّد عسكري في البلاد.
ولفتت الصحيفة إلى أنَّ “نظام بشار الأسد” اقترح منذ فترة طويلة مثل هذا الحل لهذه القضية، لكن موسكو لم توافق بعد.
فيما يرى آخرون أن نظام بشار بالأساس عاجز عن حماية نفسه، وكل الأسلحة التي يقصف بها شعبه يتحصل عليها من الحليف الإيراني أو الروسي، لكن شريطة الحصول على هذه الأسلحة أن لا توجه طلقة واحدة منه تجاه إسرائيل، وإنما فقط توجّه كل الأسلحة للداخل السوري بحجة مكافحة الإرهاب، وعلى هذا لايزال المجتمع الدوي مبقيًا على “بشار على رأس النظام”.
ترامب والضوء الأخضر لإسرائيل
وخلال العام الجاري، كثّفت إسرائيل من غاراتها الإسرائيلية على “سوريا”، خصوصًا بعد تكثيف إيران لقواعدها العسكرية في سوريا، وتوتر العلاقات بين أمريكا وإيران عقب وصول الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” على رأس السلطة” وانسحابه من الاتفاق النووي الإيراني.
وخلال النصف الأول من العام الجاري شنَّت إسرائيل غارت عدة، في سوريا، استهدفت في أغلبها مواقع إيرانية وعسكريين إيرانيين، لتكون رسالتها واضحة لـ”طهران”.
ففي ليل 8-9 يناير، أطلق الاحتلال الإسرائيلي عدة غارات جوية وصواريخ قرب دمشق على مستودعات أسلحة لجيش النظام السوري وحزب الله.
وفي العاشر من نفس الشهر أعلن الاحتلال الإسرائيلي، عن غارات “واسعة النطاق” في سوريا، ضد 12 هدفًا بعد اعتراض طائرة بدون طيار انطلقت في سوريا، استهدفت مواقع إيرانية.
وفى 9 أبريل، أطلقت صواريخ ضد قاعدة التيفور العسكرية في محافظة حمص وسط سوريا وقتل 14 عسكريًا بينهم 7 إيرانيين، وحمَّلت إيران وسوريا وروسيا الاحتلال الإسرائيلي مسئولية الغارة.
وفى 26 أبريل، هدّد وزير الدفاع الإسرائيلي أفيجدور ليبرمان بتصدّي إسرائيل لأي محاولة لترسيخ الوجود العسكري الإيراني في سوريا.
وفي 29 أبريل، قتل 26 مقاتلًا على الأقل “غالبيتهم” إيرانيين في ضربات إسرائيلية على مواقع عسكرية للجيش السوري، وفق المرصد الذي قال إن هذا القصف “الإسرائيلي على الأرجح” استهدف مطارًا عسكريًا في حلب شمال، واللواء 47 في حماة في الوسط، حيث تتمركز قوات إيرانية.
وفي 8 مايو من نفس العام قتل 15 مقاتلًا أجنبيًا يقاتلون مع القوات السورية وبينهم 8 إيرانيين في ضربة ليلية نُسِبت إلى إسرائيل وفق المرصد واستهدفت مستودع أسلحة للحرس الثوري الإيراني في منطقة الكسوة جنوب دمشق، وأكدت وكالة الأنباء السورية “سانا” أن الجيش السوري اعترض صاروخين إسرائيليين.
وفى 9 و10 مايو، أطلق عشرات الصواريخ ليلًا من سوريا على القسم المحتل من هضبة الجولان السورية وفق المرصد، وأكّد جيش الاحتلال الإسرائيلي أنّه نفّذ سلسلة غارات ضد عشرات الأهداف الإيرانية وأنّه استهدف “كل البنية التحتية الإيرانية في سوريا”.
اضف تعليقا