العدسة – ياسين وجدي

لم يشهد ملف أممي حقوقي إجماعا منقطع النظير مثلما حظي ملف اليمن وجرائم السعودية والامارات تحت لافتة التحالف ضد اليمنيين، حتى وصل الأمر إلى إصدار فريق خبراء تابع للأمم المتحدة إدانة رسمية للتحالف تضمنت ارتكاب جرائم حرب.

“العدسة” يسلط الضوء على أبرز ما جاء في بعض التقارير الحقوقية الموثقة، والتي خلصت إلى ضرورة المحاكمة الدولية لإبرز اثنين مسئولين عن الجرائم وهما الأميرين محمد بن سلمان ومحمد بن زايد وليي عهد السعودية وأبوظبي والمسئولين عن إدارة التحالف العربي في اليمن بالتزامن مع حراك قانوني لتفعيل تلك التقارير المأساوية.

بن سلمان متهم

منظمة “هيومن رايتس ووتش”، بذلت جهودا واضحة في توثيق الجرائم وطالبت غير مرة بإحالة ملف اليمن إلى المحكمة الجنائية الدولية متهمة السعودية بارتكاب جرائم حرب وانتهاك للقانون الإنساني الدولي في اليمن، وقالت سارة ليا ويتسون المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في هيومن رايتس ووتش : إن صورة محمد بن سلمان كرجل إصلاحي، تتأثر بشكل كبير بسبب الأزمة في اليمن”.

وفي تقريرها العالمي لعام 2018 قالت المنظمة إنها وثقت 87 هجوما غير قانوني من التحالف السعودي الإماراتي في اليمن ، كما أقرت في وقت سابق خلال العام الجاري بأن قوات التحالف فشلت في إجراء تحقيقات مناسبة حول الاتهامات الموجهة لها بارتكاب جرائم حرب في اليمن.

وجاء في التقرير أن عمل هيئة التحقيق التابعة للتحالف “لم يرق إلى المقاييس الدولية فيما يتعلق بالشفافية والنزاهة والاستقلالية”، كما أن التحقيقات “فشلت في توفير سبل الإنصاف للضحايا المدنيين”، مؤكدة أن “المحققين كانوا يتسترون على جرائم الحرب بشكل أو بآخر” فيما طالبت الدول التي تزود التحالف بالأسلحة أن تعلق فورا مبيعات الأسلحة إلى السعودية ، ودعم التحقيق المستقل للأمم المتحدة في الانتهاكات التي ترتكبها جميع أطراف النزاع المسلح في اليمن.

الإمارات متورطة !

منظمة العفو الدولية بدورها ، اتهمت في يوليو الماضي الإمارات وقوات يمنية متحالفة معها بتعذيب محتجزين في شبكة من السجون السرية بجنوب اليمن، داعية إلى ضرورة فتح تحقيق في هذه الانتهاكات باعتبارها جرائم حرب.

وأوضحت المنظمة أن تحقيقا أجري بين مارس 2016 ومايو 2018 في محافظات عدن، ولحج، وأبين، وشبوه، وحضرموت بجنوب اليمن، وثق استخداما واسع النطاق للتعذيب وغيره من أساليب المعاملة السيئة في منشآت يمنية وإماراتية، بما في ذلك الضرب والصدمات الكهربائية والعنف الجنسي، كما اتهمت مديرة برنامج الاستجابة للأزمات في منظمة العفو، تيرانا حسن، الإمارات بتشكيل “هيكل أمني مواز خارج إطار القانون”، وبأن “انتهاكات صارخة دون قيد” تتواصل داخل هذا الهيكل.

وتتهم المنظمة  جميع الأطراف في النزاع المسلح المستمر في اليمن بما فيهم الامارات والسعودية على ارتكاب جرائم حرب وغيرها من الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي، دون أن تتوفر إجراءات كافية للمحاسبة بما يكفل تحقيق العدالة والإنصاف للضحايا.

ومن أبرز الانتهاكات التي وثقتها المنظمة للتحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية، قصف مرافق البنية الأساسية المدنية، وشن هجمات دون تمييز، مما أسفر عن مقتل وإصابة مدنيين، فضلا عن قيام دولة الإمارات العربية المتحدة في ممارسات احتجاز غير قانونية، بما في ذلك حوادث إخفاء قسري وتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة.

وفي السياق ذاته أفاد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان “أن المئات من المعتقلين في اليمن، تعرضوا للتعذيب، في سجون تديرها تشكيلات مسلحة تتبع لدولة الإمارات العربية المتحدة”.

شهادة أممية!

وكانت من أقوى الضربات للتحالف السعودي الاماراتي ، تقرير لجنة التحقيق في اليمن الذي اعده فريق من خبراء الأمم المتحدة ، ففي أغسطس الماضي ذكر فريق الخبراء الدوليين والإقليميين المعني باليمن أن أفرادا في الحكومة اليمنية والتحالف، بما في ذلك السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، وفي السلطات الفعلية ارتكبوا أفعالا قد تصل إلى الجرائم الدولية.

وأوضح تقرير مفصل أصدره فريق الخبراء المستقلين، الذي شكله مجلس حقوق الإنسان، والذي يشمل الفترة بين سبتمبر 2014 ويونيو 2018 ، معلومات هي الأخطر من نوعها والتي قد تؤدي بحسب مراقبين إلى اقامة محاكمة جنائية دولية بتحرك أممي ، حيث أفادت المعلومات التي وثقها فريق الخبراء بأن أطراف الصراع ارتكبت وما زالت ترتكب جرائم وانتهاكات للقانون الدولي.

وأشار التقرير إلى أن القصف الجوي من قبل التحالف أسفر عن وقوع أكثر الضحايا المدنيين، بشكل مباشر، وقال إن القصف الجوي ضرب مناطق سكنية، وأسواقا وتجمعات عزاء وأفراح، ومنشآت اعتقال، وقوارب مدنية، وحتى منشآت صحية.

وبناء على الحوادث التي تمت دراستها، فإن الخبراء المستقلين لديهم أسباب معقولة تدعوهم للاعتقاد باحتمال أن أفرادا في الحكومة اليمنية والتحالف قد نفذوا هجمات تنتهك مبادئ التمييز والتناسب واتخاذ التدابير الوقائية، بما قد يصنفها بأنها جرائم حرب.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، فقد قتل 6600 مدني وأصيب أكثر من 10,500 منذ مارس 2015 وحتى الثالث والعشرين من أغسطس 2018،  ومن المرجح أن تكون الأرقام الحقيقية أعلى من ذلك بكثير.

شكاوي دولية

لم يكتف الحقوقيون بالتوثيق في مواجهة جرائم السعودية والامارات ، بل تقدموا بالعديد من الشكاوي الدولية ، متهمين الأميرين محمد بن زايد ومحمد بن سلمان بارتكاب جرائم حرب ، وفي أبريل الماضي  تقدمت جمعية يمنية بشكوى قضائية ضد ولي العهد السعودي بباريس خلال الزيارة التي كان يقوم بها إلى فرنسا.

الشكوى القضائية أودعتها الرابطة اليمنية لحقوق الانسان لدى قضاة مختصون في جرائم الحرب في المحكمة العليا في باريس ، تتهم فيها الرجل الأول في النظام السعودي “بالتواطؤ في التعذيب” لدوره في الحرب في اليمن منذ بداية هذا النزاع في العام 2015.

 

وفي نوفمبر 2017 ، تقدمت منظمة غير حكومية بشكوى إلى المحكمة الجنائية الدولية ضد الإمارات بتهمة “ارتكاب جرائم حرب” في اليمن، وقال جوزيف بريهام، محامي المنظمة العربية لحقوق الإنسان، ومقرها لندن، إن الشكوى تتعلق “باستخدام أسلحة محظورة”، و”هجمات عشوائية ضد مدنيين”، و”أعمال تعذيب بالسجون اليمنية يرتكبها مرتزقة توظفهم الإمارات”، والمشارِكة في التحالف بقيادة السعودية باليمن.

وتعهدت الحائزة على جائزة نوبل للسلام اليمنية الحقوقية والناشطة توكل كرمان، بمحاكمة محمد بن سلمان، ، ومحمد بن زايد، في المحكمة الجنائية الدولية لما وصفته بـ”المجازر” التي ترتكب في اليمن.

وطالب عدد من الحقوقيين ومنظمات المجتمع المدني  في وقفة احتجاجية في فبراير 2018 أمام مقر الأمم المتحدة بالعاصمة صنعاء تحت شعار محمد بن سلمان مجرم حرب ،  الأمم المتحدة بوقف العدوان السعودي ورفع الحصار المفروض على اليمن وتقديم محمد بن سلمان لمحكمة الجنايات الدولية كمجرم حرب .

 

وفي 18 سبتمبر الجاري طالبت المرصد  الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، و مؤسسة الثقافة الأفريقية الدولية مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، بمراقبة انتهاكات التحالف السعودي الاماراتي وباقي اطراف الصراع في اليمن، ومحاسبة الأطراف التي تمارس انتهاكاتٍ ممنهجة لحقوق الإنسان.