منصور عطية
لم تكن التصريحات والمواقف الأمريكية الصادرة بالتزامن مع نقل سفارة واشنطن إلى القدس واستشهاد عشرات الفلسطينيين على حدود قطاع غزة، أقل إثارة للجدل من هذين الحدثين اللذين شغلا العالم على مدار الساعات الماضية.
فما بين تصريحات جاريد كوشنر مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وصهره، ومؤتمر البيت الأبيض بشأن مجزرة غزة، كشفت الولايات المتحدة عن جانب آخر من وجهها القبيح.
كوشنر و”بلفور جديد”!
وخلال كلمته بحفل افتتاح السفارة الأمريكية في القدس، قال “كوشنر”، إن القدس هي “القلب الأبدي للشعب اليهودي”، مشددًا على أن “إسرائيل هي الوصي المسؤول عن القدس وكل ما فيها”.
وأضاف أن ترامب وعد منذ خمسة أشهر بنقل سفارة واشنطن إلى القدس، واليوم هو “يوم الوفاء بالعهد”، متابعًا: “أشعر بشرف كوني في القدس، تلك المدينة التاريخية التي باتت تضم كافة الأديان، ويمارس فيها أتباعها عباداتهم بسلام”.
وأكد “كوشنر” أن “ما فعلته أمريكا حيال إسرائيل خلال الأشهر الماضية، ووصولا إلى اليوم، أثبت للعالم أن أمريكا دولة يمكن الوثوق بها، وأنها تقف بجانب حلفائها وتدعمهم، وأنها تقوم دوما بما هو صحيح وواجب”.
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو انتشى كثيرًا لتصريحات كوشنر، فأعقبها بكلمات أشد خطورة، قائلًا: “القدس تبقى وإلى الأبد عاصمة الشعب اليهودي والدولة اليهودية التي لا تقبل التقسيم”.
وأضاف أنّ “هذا يوم كبير للقدس ولدولة إسرائيل وسيكتب في ذاكرتنا القومية لأجيال قادمة”، مشيرًا إلى أن الرئيس ترامب “صنع التاريخ” بقراره نقل السفارة الأمريكية للقدس”.
وعلى طريقة وعد من لا يملك لمن لا يستحق بشأن وعد بلفور الشهير الذي كان نواة دولة الاحتلال، جاءت كلمات كوشنر، التي عدها مراقبون بأنها بمثابة وعد بلفور جديد، خاصة حين قال: إن إسرائيل هي الوصي على القدس وإن ترامب أوفى بعهده.
فرغم أن إسرائيل هي دولة احتلال ليس عند العرب والمسلمين فقط، بل في أدبيات وتقارير الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، إلا أن صهر ترامب نصّبها مالكة للأرض واعتبر مدينة القدس المحتلة قلبًا أبديًا للشعب اليهودي، في تعبير بالغ الرمزية عن نظرة أمريكا للقضية.
لم تجعل تصريحات كوشنر القدس ملكًا للمحتل فقط، بل منحت الحق للولايات المتحدة في تقرير مصير الشعب الفلسطيني وقضيته، متحدية بذلك موقفًا دوليًا مجمعًا على رفض تلك الخطوة.
ويبدو أن التاريخ يعيد نفسه بعد مرور أكثر من مائة عام على وعد بلفور 1917 والذي تعهّدت فيه بريطانيا (المحتل حينها)، بمنح اليهود وطنًا قوميًا في فلسطين، لكن هذه المرة على يد الولايات المتحدة.
وعد بلفور الأول أسفرت تداعياته عن مواجهات عسكرية قادها الفلسطينيون والكتائب العربية ضد العصابات الصهيونية على مدار سنوات، إلى أن اندلعت حرب فلسطين عام 1948، لكن الآن العرب يواجهون الموقف بالتآمر على القضية الفلسطينية والتنسيق مع العدو الإسرائيلي الذي أصبح الآن أكثر من صديق.
وربما لا يُستغرب موقف كوشنر وتصريحاته، وهو الذي ولد عام 1981 لعائلة يهودية من نيوجيرسي، لها علاقات جيدة مع المسؤولين السياسيين في إسرائيل ومع اللجنة الأمريكية للشؤون العامة الإسرائيلية المعروفة اختصارًا بـإيباك.
تزوج كوشنر بابنة ترامب “إيفانكا” عام 2009 بعد أن اعتنقت الديانة اليهودية، كما تلقى تعليمه في مدرسة يهودية خاصة.
مجزرة برعاية أمريكية
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة هي الداعم الأول والأكبر للاحتلال الإسرائيلي، إلا أنها ألقت بالمسؤولية على حركة حماس الفلسطينية، في استشهاد العشرات على حدود قطاع غزة برصاص الاحتلال، بل ومنعت صدور مشروع بيان كويتي بمجلس الأمن حول التطورات في فلسطين.
وحمّل البيت الأبيض حركة “حماس” كامل المسؤولية عن أعمال العنف التي اندلعت على الشريط الحدودي احتجاجًا على افتتاح السفارة الأمريكية في القدس.
وقال المتحدث باسم الرئاسة الأمريكية، راج شاه، في مؤتمر صحفي: “نحن على علم بتقارير عن الحصول العنف في غزة اليوم.. وتقع مسؤولية هذه الوفيات المأساوية على عاتق حماس. إن حماس تثير هذا التصرف بشكل متعمد وفج”.
وأضاف أن العنف في غزة “هجوم دعائي بغيض” ولن يؤثر على خطة السلام، مشيرا إلى أن حركة حماس تشعل الأوضاع عبر القيام بعمليات “تستفز” الجيش الإسرائيلي، وأن “من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها”، على حد تعبيره.
اللافت أن الموقف الأمريكي ليس فقط تبرئة لساحة الاحتلال من دماء الشهداء، لكن تنصلًا من مسؤولية الولايات المتحدة عن تلك المجزرة البشعة، على اعتبار أنها وقعت لقمع الاحتجاجات الفلسطينية على قرار نقل السفارة الأمريكية.
المتحدث باسم الحكومة التركية “بكر بوزداغ” عبر عن ذلك بقوله، إن الإدارة الأمريكية “تتحمل إلى جانب الحكومة الإسرائيلية مسؤولية المجزرة التي طالت الفلسطينيين اليوم”.
بدورها حملت حركة حماس عبر عضو مكتبها السياسي خليل الحية الإدارة الأمريكية كل التبعات المترتبة على قرار نقل السفارة، ومن بينها مجزرة غزة.
الجريمة التي أنكرتها أمريكا كعادتها مع جرائم الاحتلال أقرتها الأمم المتحدة، ودعت إلى التحقيق فيها وتقديم مرتكبيها إلى العدالة.
مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان الأمير زيد بن رعد الحسين كتب في رسالة عبر حساب المنظمة الدولية على تويتر قائلا: “عمليات القتل الصادمة للعشرات وإصابة المئات بالذخيرة الحية الإسرائيلية في غزة يجب أن تتوقف الآن. يجب احترام الحق في الحياة. ينبغي محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات الشائنة لحقوق الإنسان. يتعين على المجتمع الدولي أن يضمن العدالة للضحايا”.
اضف تعليقا