العدسة – منصور عطية

قالت البعثة الفنية للمفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، إن الأثر الاقتصادي الذي خلفته الأزمة الخليجية الراهنة يماثل ما تخلفه الحروب الاقتصادية، حيث جاءت مصحوبة بخسائر مالية كبيرة لحقت بدولة قطر وبالشركات وكذلك الأفراد، بالإضافة إلى تآكل وضياع ثقة المستثمرين.

وأوضحت في تقريرها حول تأثير الأزمة الخليجية على حقوق الإنسان، أن معظم الحالات المتضررة من الوضع الحالي تبقى دون حل، ومن المرجح أن يظل تأثير الأزمة مستمرًّا بالنسبة لهؤلاء الضحايا، وعلى وجه الخصوص أولئك الذين عانوا من الانفصال والفُرقة الأسرية، أو الذين خسروا وظائفهم، أو أولئك الذين لا يستطيعون الوصول إلى أصولهم وممتلكاتهم.

وخلص الفريق الأممي في التقرير الذي تضمن 7 عناصر شملت التأثيرات المتنوعة لحصار قطر على مختلف القضايا الأساسية المتعلقة بحقوق الإنسان، إلى أن التدابير التعسفية المنفردة التي تتألف من قيود شديدة على حركة التجارة، وفسخ وتعطيل المعاملات والتبادلات التجارية والتدفقات المالية والاستثمارية، فضلا عن تعليق التبادلات الاجتماعية والثقافية، من شأنها أن تخلف أثارا وخيمة على تمتع الأشخاص المتضررين بحقوق الإنسان وبالحريات الأساسية.

وجاءت غالبية تلك التدابير بشكل مُوسع وعلى نحو غير موجه بحيث إنها لم تفرق بين حكومة قطر وشعبها، وفق التقرير، فضلا عن أن تلك التدابير التي تستهدف الأفراد على أساس جنسيتهم القطرية أو علاقتهم وصلتهم مع قطر، تعد غير متكافئة، وتتسم بالتمييز.

وفيما يلي عرض موجز لأبرز ما تناوله تقرير البعثة الأممية بشأن التأثيرات السلبية لحصار قطر، على القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان.

الإعلام وحرية التعبير

كان الاستغلال الإعلامي الذي مارسته المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة على الخصوص، بالغ الأثر على الأزمة، وبحسب التقرير، تزامنت الإجراءات التي اتخذتها الدول الأربعة مع إطلاق العديد من وسائل الإعلام التابعة لتلك الدول حملة كراهية وتشويه موسعة وممنهجة ضد كل ما هو قطري، وقد امتدت تلك الحملة لتشمل مواقع التواصل الاجتماعي وشبكة الإعلام الخارجية، كما عمدت حكومات السعودية والإمارات والبحرين لفرض عقوبات على كل من يبدي ولو مع قطر أو مع القطريين أي تعاطف.

وبين يونيو وأكتوبر الماضيين، وثق العاملون في مجال الإعلام واللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في قطر، أكثر من 1120 مقالة، وما يقارب 600 كاريكاتير ضد قطر، في السعودية والإمارات والبحرين، تضمنت اتهامات صريحة بضلوع الدوحة في دعم الإرهاب، ودعوات للانقلاب على الحكم والنيل من الرموز القيادية في قطر، هذا بالإضافة إلى التحريض على الاعتداء على القطريين أو قتلهم.

كما جرى استغلال البرامج الترفيهية أيضا لإثارة الشحناء ضد قطر، مثل إنتاج شركتي روتانا وإم بي سي لأغانٍ مثل: “قولوا لقطر”، و”سنعلم قطر”، ومسلسلات مثل “سيلفي” و”غرابيب سود” لتوجيه رسائل سلبية ضد قطر.

وسعت حكومات السعودية والإمارات والبحرين إلى ايقاف بث وإذاعة كافة وسائل الإعلام القطرية أو المرتبطة بقطر، وحيث لا يمكن السيطرة على بث الأقمار الصناعية، فقد عمدت تلك الدول إلى منع المنشآت التجارية كالفنادق من عرض وسائل الإعلام القطرية، كالجزيرة وقنوات “بي ان سبورت”، وجعلت الدول الأربع إغلاق الجزيرة والقنوات التابعة لها شرطا لعودة العلاقات الدبلوماسية.

حرية التنقل والاتصال

وعدّ التقرير غياب حرية التنقل بين قطر والدول الأخرى بمثابة عقاب للمواطنين القطريين والمقيمين في دولة قطر، وكذلك للمقيمين في السعودية والإمارات والبحرين؛ مشيرا إلى أن تلك الآثار المترتبة على القيود المفروضة على الحق في حرية التنقل كان لها أثار عديدة تباينت فيما بينها، بين ما هو مؤقت، وما هو دائم.

فالأثر المؤقت، بحسب التقرير، تمثل في التعدي على حرية ممارسة الشعائر الدينية، خاصة في خضم شهر رمضان وموسم الحج، فضلا عن الانفصال الأسري، نظرا للروابط بين شعوب البلدان المعنية، وكذلك اضطرار الكثير من الشباب إلى قطع دراستهم أو عدم قدرتهم على خوض الامتحانات المقررة لهم.

أما بالنسبة للآثار والعواقب الدائمة، فقد تمثلت في الحرمان من الحق في العمل والحق في الوصول إلى الممتلكات والأصول الشخصية لأولئك المقيمين أو العاملين في قطر، أو الذين لديهم مصالح تجارية بها.

وعلى نطاق أوسع، كان لتعليق حركة الركاب والبضائع بين قطر ودول الخليج الثلاث في المجموعة الرباعية آثار كبيرة على الاقتصاد القطري، مما أعاق حركة التجارة والتدفقات المالية، وزاد بشكل كبير من تكاليف النقل والسلع، حيث إن الحكومة والأفراد اضطروا إلى اللجوء لخيارات بديلة.

التشتيت الأسري وقضايا الجنسية والإقامة

قرارات الحصار أدت، بحسب التقرير الأممي، إلى ظهور حالات “انفصال مؤقت يُحتمل أن يكون دائما” بين الأسر، في جميع البلدان المعنية، وهو الأمر الذي تسبب في ضائقة نفسية فضلا عن بعض الصعوبات التي يواجهها بعض الأفراد في تقديم الدعم الاقتصادي لأقاربهم وذويهم المقيمين في قطر أو في البلدان الأخرى.

وتلقت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان عددا كبيرا من المكالمات، لا سيما في شهر يونيو، جاءت معظمها من النساء اللاتي خشين عدم القدرة على التقدم بطلب تجديد جواز سفرهن الوطني ورقم الإقامة في قطر، ويخشين طردهن من قطر، أو أن يجبرن على العودة إلى بلادهن الأصلية، ومن ثم فصلهن عن أزواجهن وأطفالهن.

وفقا للبيانات الرسمية، هناك حوالي 6474 حالة زواج مختلط، تشمل مواطنين من قطر والسعودية والإمارات والبحرين، 5137 من الرجال القطريين، و1337 من النساء القطريات.

ولعل الاحتمال القائم بإسقاط الجنسية عن الذين رفضوا مغادرة قطر من مواطني ومواطنات كل من السعودية والإمارات والبحرين، يجعلهم عرضة لخطر أن يصبحوا عديمي الجنسية، وفي نفس الوقت، تخشى النساء السعوديات والإماراتيات والبحرينيات اللاتي لديهن أزواج وأطفال قطريون، أن تجبرهن بلادهن وتضغط عليهن لمغادرة الدوحة.

الاقتصاد والحق في الملكية

وبناءً على المعلومات التي وردت إلى الفريق الأممي، فإن المواطنين القطريين العاملين في السعودية والإمارات والبحرين أو أولئك الذين لهم مصالح تجارية في أي من الدول سالفة البيان، قد أجبروا على العودة إلى دولتهم قطر، ولم يتمكنوا من الوصول إلى شراكاتهم وأنشطتهم المختلفة منذ ذلك الحين.

ورصدت لجنة التعويضات الوطنية ما لا يقل عن 1900 حالة تتعلق بالحق في الملكية بنهاية 2017، وتفرقت تلك الحالات بين المطالبات المتعلقة بالمساكن الخاصة والحصص والأسهم التجارية والأصول المالية والحيوانية.

وتلقت غرفة قطر التجاية 700 شكوى بشأن الأضرار التي لحقت بأصحاب المشاريع والمصالح التجارية، شرعت على إثرها الحكومة القطرية في اتخاذ الوسائل والإجراءات الضرورية لدعم أصحاب المشاريع، فضلا عن العمل على التنسيق والتعاون اللوجيستي، كما أنها قامت بإعطاء الأولوية للشركات العاملة في إنتاج الأغذية والأدوية ومعدات البناء؛ وتواصلت مع الدائنين لتطالب بأجل لسداد المبالغ المستحقة، والتنازل عن الغرامات والتعويضات التي قد تنشأ عن التأخير في سداد تلك المستحقات.

وفي حين بلغت قيمة إجمالي الواردات القطرية من السعودية والإمارات والبحرين في مايو 2017، أي قبل الأزمة بشهر، 11.9 مليار ريال قطري، تراجعت على نحو مخيف لتصل إلى 392 مليون ريال قطري فقط.

الحق في الصحة

ومنذ بدء الأزمة وحتى نوفنبر الماضي، تلقت وزارة الصحة القطرية 130 شكوى طبية ذات صلة بالأزمة سالفة الذكر؛ من بينها اضطرار أحد المواطنين القطريين، الذي كان قد تلقى العلاج سابقا في السعوديةن إلى السفر لألمانيا لاستكمال العلاج، كما تم نقل مريضين من قطر، كانا يقيمان في السعودية قبل الأزمة، إلى تركيا والكويت لإجراء عملية جراحية.

كما أثر توقف التبادل التجاري على حصول قطر على الأدوية، بما في ذلك المواد المتعلقة بإنقاذ الحياة والإمدادات الطبية، وعلى الرغم من أن نقص الدواء في الأسواق القطرية استمر ليوم واحد فقط، وهو الوقت الذي استغرقته الحكومة القطرية لتحديد واختيار الموردين الجدد، إلا أن الوزارة أفادت بأنها لا زالت تسعى للحصول على البدائل الخاصة بعدد 276 صنفا من الأدوية.

الحق في التعليم

وكان لطرد الطلاب القطريين الذين يدرسون في السعودية والإمارات والبحرين ومصر أثر سلبي على حقهم في التعليم، حيث تلقت جامعة قطر 171 طلب قيد مقدم من الطلاب القطريين الذين أجبروا على مغادرة الدول الأربع.

وقدرت وزارة التربية والتعليم القطرية أنه يوجد على الأقل 201 طالب قطري لم يتمكنوا من مواصلة دراستهم، ويرجع ذلك بشكل رئيسي إلى عدم تمكنهم من الحصول على ملفاتهم وأوراقهم أو للأنظمة المختلفة الخاصة بالساعات المعتمدة.

وبحسب بيانات الوزارة بلغ إجمالي عدد الطلاب القطريين المتضررين من الحصار 3251 طالبا في الدول الأربع على النحو التالي: (3004 مصر، 157 الإمارات، 62 السعودية، 28 البحرين).

الأزمة تتحول لفرصة!

وأثار الفريق الأممي، خلال عمله بالبعثة، عددا من قضايا حقوق الإنسان التي طال أمدها مع السلطات القطرية، وعلى وجه التحديد، القضايا المتعلقة بحقوق العمال الوافدين ومسألة المواطنة.

وأشار إلى قضية أولئك الذين تم تجريدهم من جنسيتهم القطرية في عام 2004، حيث قالت السلطات إن معظمهم قد استعادوا جنسيتهم القطرية في عام 2005، كما لا يزال هناك نحو 100 قضية معلقة دول حل.

وكشف العديد ممن أجروا مقابلات مع فريق الأمم المتحدة، كيف قامت قطر بإدارة الأزمة لتتمكن في نهاية الأمر من تحويلها إلى فرصة، وخاصة للإسراع من جدول الإصلاحات الذي وضعه الأمير تميم بن حمد، بما يشمل المسائل المتعلقة بحقوق الإنسان.

وتبذل الجهود الآن، بغية وضع خارطة طريق تهدف إلى تنفيذ القوانين المحلية والقوانين المعنية بشؤون المهاجرين تنفيذا فعالا، بالإضافة إلى إعداد قانون جديد بشأن حق اللجوء السياسي، وربما التصديق على اتفاقية اللاجئين المبرمة في 1951، وكذلك مراجعة قانون الجنسية، والعمل على زيادة المشاركة مع الآليات الدولية لحقوق الإنسان، وفق التقرير.