شكل الخروج الإماراتي من اليمن ضربة قاسية لمحور الرياض – أبو ظبي الذي تحكم في المنطقة لسنوات الأمر الذي يثير تساؤلا ملحاً حول كيف سيؤثر انسحاب القوات الإماراتية على وضع السعودية باليمن؟ 

 

تحالف نشأ مع انطلاق الربيع العربي 

فمنذ بداية الربيع العربي في الفترة ما بين عامي 2010 و2011، وتزايد مطالب التغيير الديمقراطي في العالم العربي، تطوَّرت علاقةٌ خاصة بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لتخدم العديد من القضايا المشتركة.

وساهم البلدان في عودة الاستبداد إلى مصر، من خلال تمويل نظام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، بعد أن أطاح بالرئيس الأسبق الراحل محمد مرسي في عام 2013، حسبما ورد في تقرير لموقع Lobe Log الأمريكي.

بدأ السعوديون والإماراتيون تدخلاً في اليمن يُزعم أنه يهدف لإعادة الرئيس الشرعي، عبدربه منصور هادي، إلى العاصمة صنعاء.

 ثم فرضوا مقاطعةً، يبقون عليها إلى الآن، في حصارهم لجارتهم قطر على خلفية اتهامات لها تزعم بالتآمر ضدهم وإضعاف العمل المشترك لمجلس التعاون الخليجي.

فضلاً عن تأييدهم، وتمويلهم الآن، للجنرال خليفة حفتر خلال تحديه للإجراءات السياسية التي تقودها الأمم المتحدة في ليبيا. بالإضافة لزعمهم أنهم هم من يفرضون الوضع الراهن للسياسة العربية، في مواجهة الدعوات لإجراء تغييرات سياسية وغير سياسية داخل البلدان العربية.

 

ولكنه يواجه أكبر نكساته 

غير أن هذا التحالف يواجه الآن بعض التحديات، إذ قررت الإمارات سحب جزءٍ على الأقل من قواتها العسكرية في اليمن خارج البلاد.

ومن ناحية، تُسلِّط الخطوة الإماراتية تلك الضوء على المشكلات الخطيرة في التدخل المستمر هناك، وهو التدخل الذي انتهجته الإمارات والسعودية منذ مارس/آذار عام 2015. 

ومن ناحيةٍ أخرى، تُشير تلك الخطوة إلى اختلافاتٍ حول الكيفية التي ينظر بها كلا البلدان لمساعيهما المشتركة على مدار السنوات الأربع الماضية، وهي المساعي التي اعتبرها البلدان ضروريةً لمنع مجال النفوذ الإيراني المستقبلي في شبه الجزيرة العربية. 

ويأخذ هذان الاعتباران أهميةً خاصة اليوم، مع وصول الحرب في اليمن إلى طريقٍ مسدود، وإصرار الحوثيين الواضح على الوصول بها إلى أهداف عسكرية ومدنية داخل السعودية نفسها، وفي الإمارات العربية المتحدة أحياناً.

وفي الثامن من يوليو/تموز الماضي، أعلنت الإمارات انتقالها من استراتيجية «القوة العسكرية أولاً» التي تتبعها في اليمن، إلى انتهاج موقفٍ دبلوماسي. فضلاً عن إعادة توزيع وتقليص عدد القوات هناك.

 وأكد مسؤولٌ يمني الخبر، قائلاً إنَّ الجنود الإماراتيين الذين يقاتلون المعارضين الحوثيين في الجزء الغربي من البلاد «أخلوا تماماً» قاعدةً عسكرية في محافظة الخوخة، التي تبعد حوالي 130 كيلومتراً عن جنوب مدينة الحُديدة الواقعة على البحر الأحمر.

 ونفى المسؤولون الإماراتيون أن يكون الانسحاب مفاجئاً، مؤكدين أن الخطوة نفسها نُوقشت مع السعودية خلال العام الماضي. 

وقال مسؤولٌ إماراتي إنَّ هذا الإجراء لا يُفترض أن يُخلِّف فراغاً، لأن الإمارات درَّبت 90 ألف من رجال القبائل اليمنيين وأفراد الأمن السابقين ورجال الميليشيات من الجنوب ليُصبحوا قادرين على تولي العمل الضروري.

 

والسعوديون حاولوا إثناءهم عن الانسحاب 

وبالنظر إلى التحدي الحوثي الخطير على الحدود مع السعودية، فلا يمكن أن يُعَدَّ تحرك الإمارات هذا تطوراً إيجابياً بالنسبة للمملكة. 

وفي الواقع، يُقال إن المسؤولين السعوديين خاب أملهم، وأنهم «توسطوا لدى الزعماء الإماراتيين في محاولةٍ لإثنائهم عن الانسحاب».

ومع فشل ذلك، تولت القوات السعودية القيادة في مدينة الخوخة ومدينة المُخا المرفئية إلى الجنوب منها، وبعثوا بقواتٍ إلى مدينة عدن الجنوبية، وجزيرة بريم المجاورة في مضيق باب المندب الاستراتيجي. 

كيف سيؤثر انسحاب القوات الإماراتية على وضع السعودية باليمن؟

ولعبت الإمارات دوراً محورياً عام 2015 في استعادة عدن من المعارضين الحوثيين،الذين احتلوها خلال اجتياحهم للجنوب عام 2014، فضلاً عن دورها في تحرير المناطق الساحلية وصولاً لمحافظة الحُدَيدة. 

ومن الناحية الاستراتيجية، فإن الاستبدال والاستحواذ السعودي على هذه المواقع العسكرية المهمة، يعني أن الانسحاب الإماراتي أشد خطورةً مما أُعلِنَ عنه بالأساس. 

علاوةً على ذلك، ربما يتسبب الإجراء السعودي أيضاً في منع خسارة الأرض المحررة من الحوثيين منذ بداية تدخل عام 2015 العسكري في اليمن. 

إذ يهدد إخلاء الإماراتيين للقواعد العسكرية، الموجودة على شاطئ البحر اليمني، بفتح المنطقة لعمليات التسلل والتخريب، بغض النظر عن تأثير الحصار البحري الحالي الذي فرضته قوات التحالف بقيادة السعودية على الجزء الغربي من البلاد.

 

الإمارات شجعت الانفصاليين، فماذا سيفعلون بعد انسحابها؟

علاوةً على ذلك، سيؤدي الانسحاب من جنوب اليمن إلى كشف الغطاء الذي تمتَّعت به العديد من الميليشيات التي رعتها الإمارات، فضلاً عن فتحِه إمكانية التنافس والصراع فيما بينها. إذ أدَّى التدخل الإماراتي، وغزو عدن وغيرها من المناطق، إلى تحفيز الانفصاليين الجنوبيين الذين تعثرت جهودهم في السابق. إذ استولى «المجلس الانتقالي الجنوبي» الحالي، بقيادة عيدروس الزبيدي -حاكم عدن السابق الذي أقيل من منصبه بواسطة الرئيس منصور هادي عام 2017-، على مهام الحكومة في عدن لأسباب عملية. ويُخطط المجلس الآن لتطبيق حق تقرير المصير. ودعمت الإمارات مليشيات مثل قوات «الحزام الأمني»، ​​وقوات «النخبة الشبوانية»، و»النخبة الحضرمية»، التي تُعَدُّ جميعها جزءاً من الجيش اليمني صورياً، إلى جانب كتائب «ألوية العمالقة» و»أبو العباس» السلفية، بالإضافة إلى عناصر سابقة من قوات «جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية» التي زالت من الوجود عام 1990. 

هذا بالإضافة لمحاولتها مرتين، في عام 2018 وعام 2019، السيطرة على جزيرة سقطرى اليمنية النائية في المحيط الهندي، حيث تحتفظ بقاعدةٍ عسكرية داخلها.

وأحدث دور الإمارات في اليمن، ودعمها للميليشيات، الكثير من الذعر بين أعضاء حكومة الرئيس هادي التي اعتبرت تصرفات الإمارات بمثابة انتهاكاً للسيادة اليمنية وتحدياً لشرعية الرئيس.

 وفي مايو/أيار 2017، اشتبك الرئيس اليمني بذاته مع رجل الإمارات القوي، الأمير محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي، متهماً بلاده بالتصرف وكأنَّها محتل. يُذكر أن الرئيس هادي حاول إصلاح العلاقات بين البلدين في عام 2018، حين زار دولة الإمارات قبل هجومها على محافظة الحديدة في يونيو/حزيران من نفس العام.

 وجاء هذا الدور الموسع بشكل رئيسي نتيجة رغبة الإمارات في ممارسة نفوذٍ يتجاوز حجمها الضئيل. إذ نجحت علاقاتها العسكرية والاقتصادية مع البلدان الساحلية التي تملأ الامتداد الجغرافي، بدايةً من بحر العرب ووصولاً إلى ليبيا، في إتاحة الفرصة أمام إمارة أبوظبي لإظهار قوتها. إذ كان اليمن، ولا يزال، نقطة وصلٍ محورية في هذا المشهد الاستراتيجي.

 

لماذا أقدم الإماراتيون على الانسحاب من اليمن؟

المستوى الذي وصل إليه نفوذ الإمارات في اليمن، يجعل من قرار أبو ظبي بالانسحاب تطوراً مثيراً للاهتمام. ولا بد أن تكون هناك أسبابٌ مهمة وراء ذلك القرار، مع الأخذ في الاعتبار أهمية العلاقات السعودية-الإماراتية، ومستوى الاستثمار الذي قامت به الإمارات في المجهود الحربي. وتتضمن هذه الأسباب ما يلي:

 الدافع الأكثر منطقية هو الابتعاد عن معركةٍ تبدو مسدودة الأفق، ضد خصمٍ عازمٍ على الحرب. ومع ذلك، يرى صناع القرار الإماراتيون أن هذه الحرب التي يصعب الفوز بها  تقل وطأتها بالمغانم، التي تحقَّقت في صورة تكوين أصدقاء في جنوب اليمن، فضلاً عن حقيقة أنه من غير المرجح أن تحرم السعودية حلفاءها الإماراتيين من الوصول إلى المرافق البحرية في المنطقة. علاوةً على ذلك، وقد يكون لتباطؤ الاقتصاد الإماراتي الحالي تأثيره الخاص على القرار.

المصالح العامة للإمارات في اليمن يسهل حمايتها أيضاً، في حال أدَّى الجمود الحالي داخل ساحة المعركة إلى تسريع عملية انزلاق البلاد نحو الانقسام. وفي حال كان الحوثيون أصلب بالفعل من أن يُهزموا في تلك المعركة؛ فربما تسعد القيادة الإماراتية المتشائمة حينها بقبول هدف أصدقائها اليمنيين الجنوبيين لإعلان دولتهم الخاصة جنوب خطوط القتال الحالية. وربما لا يضمن هذا الأمر سيطرتهم على جميع الأراضي التي شكلت الديمقراطية الشعبية السابقة، لكنه قد يصبح كافياً لإشباع رغبتهم في الاستقلال عن الشمال.

يدخل قرار الانسحاب في سياقٍ إقليمي أوسع، نتيجةً لدواعي القلق المهمة بشأن التحدي الإيراني في الخليج العربي. لذا، قد يرغب قادة الإمارات في ضمان حماية الجبهة الداخلية مع زيادة التوترات في الخليج. وربما أُثيرت حتمية تبني هذا المنطق الآن نتيجة الصدمة الناجمة عن تراجع دونالد ترامب، الرئيس الأميركي، عن قرار توجيه ضربة عسكرية لإيران في أعقاب إسقاط الأخيرة لطائرة تجسس أمريكية. وتُعَدُّ «خيبة الأمل» كلمةً هينة لوصف مشاعر القيادة الإماراتية جراء تخلي ترامب عن مواجهته، نظراً لأن الإمارات والسعودية تتقاسمان قضيةً مشتركةً مع الرئيس الأميركي، وهي قضية إيران.

ربما انزعج قادة الإمارات للغاية من مستوى النقد الموجه ضد الإمارات والسعودية داخل قاعات الكونغرس الأمريكي، بشأن الاعتداءات الوحشية المرتكبة ضد المدنيين في اليمن. إذ أصدر مجلسا النواب والشيوخ تشريعاً يحُدُّ من إمداد الدولتين بالأسلحة. وحتى الآن، نجح اعتراض الرئيس الأميركي على تشريع الكونغرس وحده في الإبقاء على مبيعات الأسلحة لأبو ظبي والرياض.

 

الموقف السعودي بعد أن فقد أقوى حلفائه.. هل اقتربت نهاية الحرب؟

هناك شيءٌ واحد مؤكد بعد قرار الإمارات: وهو أنَّ السعودية في مأزق.

إذ لا يمكنها أن تواصل تدخلها في اليمن إلى الأبد دون شركاء يُعتمد عليهم، ومسلحين بالمعدات العسكرية اللازمة، مثل الإمارات.

 ولا يمكنها أن تجمع قواتها وترحل ببساطة، لأن ذلك سيكون بمثابة هزيمة استراتيجية من شأنها أن تُمكِّن الحوثيين من بسط نفوذهم بالكامل على شمال اليمن، دون خطرٍ يهددهم.

 

وهل تعيد المملكة النظر في علاقتها بأبوظبي؟ 

الأمر باختصار هو أن السعودية ربما تعيد التفكير اليوم في العلاقة التي نشأت بين ولي عهدها الأمير محمد بن سلمان ونظيره الإماراتي محمد بن زايد، باعتباره القوة المؤثرة والداعمة. إذ ستُثار أسئلةٌ صعبة حول هذه العلاقة، وقيمة التحالف السعودي الإماراتي في اليمن، وقدرة السعودية على التعاون مع أصدقاء الإمارات في جنوب اليمن، والعديد من القضايا الأخرى التي تعاونت فيها الدولتان من قبل.

ومهما يكن، فإن إعادة الانتشار السعودي في المناطق التي أخلتها الإمارات في الجنوب قد تحدث تطورات عسكرية أو دبلوماسية أخرى. 

والأمر الأهم من منظور الأمن القومي السعودي هو ضمان تأمين جنوب السعودية ضد التوغلات الحوثية، وحمايته من الضربات الجوية الحوثية المتكررة المحرجة على المنشآت السعودية. بالإضافة إلى ذلك، لا يمكن أن تظهر السعودية بمظهر من تخلى عنها حلفاؤها في هذا المنعطف الحرج، حين تحتاج إلى مواجهة إيران -في ما يعلن الرئيس ترامب رغبته في التفاوض معها-، وتظل عاجزة عن ضم شركاء آخرين إلى حرب اليمن ليحلوا محل الإماراتيين الأقوياء.

المشكلة أن الانسحاب الإماراتي جاء في ظل ظروف سيئة للسعوديين في اليمن.

إذ شن الحوثيون هجمات عديدة على أهداف سعودية عسكرية وأهداف غير محصنة على حدٍ سواء هذا العام. 

ووقعت أحدث هذه الهجمات في الأول من يوليو/تموز، حين داهمت الطائرات بدون طيار مطار أبها في جنوب غرب السعودية، بالقرب من الحدود. وسبقتها هجمات أخرى كانت محرجة بالقدر نفسه، بالنظر إلى الأسلحة ونُظُم الدفاع الحديثة التي تنشرها القوات السعودية. 

واستهدفت هجمات الطائرات المسيرة أيضاً منشآت النفط السعودية في مايو/أيار الماضي، مما جعل من الحوثيين تهديداً مستمراً ليس فقط للمدنيين والعسكريين السعوديين، وإنما لشرعية الحكم في المملكة وسمعة القوات المسلحة السعودية أيضاً. 

وتعد التوغلات الحوثية البرية مصدر إهانة أيضاً. إذ زعمت جماعة الحوثيين في يونيو/حزيران الماضي أن قواتها سيطرت على 20 موقعاً عسكرياً سعودياً على الحدود. 

وليزيد الطين بلة، استعرض الحوثيون معدات عسكرية في صنعاء، والتي يمكن -في حال استخدامها- أن تجعل كل مناطق المملكة هدفاً لهجماتهم.

 

الإماراتيون كانوا يتحملون العبء الأكبر من القتال

إنَّ خطوة الإمارات في اليمن ستشتت تركيز القوات السعودية، وستستنفذ طاقتها عن آخرها. وقبل هذا القرار، كانت القوات البرية السعودية تنتشر بصفة أساسية على الحدود السعودية اليمنية، فيما سخرت الإمارات جنودها للمساعدة في تحرير بعض المناطق في جنوب اليمن من قبضة الحوثيين.

والآن، قد تكون هناك حاجة إلى حراسة إضافية من القوات البحرية السعودية في خليج عدن، ومضيق باب المندب، والبحر الأحمر، لاستمرار الحصار القائم حول الحوثيين في حال قررت الإمارات إنهاء مشاركتها بالكامل. 

ويتعين على السعودية في هذا الوضع أن تُبقي على دعم القوات السودانية المنتشرة ميدانياً في اليمن، وتضمن استمرار مساعدة القوات البحرية المصرية في ساحة باب المندب، وهما مهمتان تتطلبان المزيد من الحوافز النقدية في الوقت الذي تظهر فيه علامات الضعف على الاقتصاد السعودي.

 

الدرس المصري باليمن الذي لم يستوعبه أحد

قد يُتهم الزعماء السعوديون بالتقصير في أداء واجبهم المتعلق بحماية مصالح بلدهم الوطنية، في حال لم يبدأوا سريعاً في البحث عن طرق بديلة للتعامل مع الحرب في اليمن، وذلك على خلفية قرار الإمارات بتقليص مشاركتها هناك على أقل تقدير. ومن الجليّ أن ما يقرب من أربع سنوات ونصف من التدخل القسري في صراع سياسي واقتصادي واجتماعي داخلي يمني، لم تُثمر عن النصر المنشود على قوات المعارضة الحوثية في اليمن وعودة الرئيس الشرعي عبدربه منصور هادي إلى العاصمة صنعاء. 

ومن المستبعد أن يؤدي تعميق المشاركة السعودية إلى تغيير الوضع أو الظروف للخروج بنتائج مختلفة. وفي الواقع، قدم الحوثيون مثالًا آخر- بعد التجربة المصرية مع البلاد في الستينيات- على أنَّ اليمن لا يجتذب المحبين للتدخل في شؤونه الداخلية، إلا من أجل إثبات أنهم مخطئون وغير أكفاء، وطموحون أكثر من اللازم.

 

وليس أمام السعوديين سوى خيار واحد مع الحوثيين 

وسيُحسن القادة السعوديون صُنعاً إذا أحجموا عن تطبيق سياسات الماضي المتهورة، في ما يتعلق بالتدخل في شؤون اليمن، حتى لو كانت تمثل تهديداً خطيراً للأمن القومي.

 وفي حين أنه لا ينبغي السماح للحوثيين بأخذ أكثر من نصيبهم من القوة السياسية والاقتصادية في نظام فيدرالي عادل، لا ينبغي تجاهلهم باعتبارهم عنصراً أساسياً في السياسة والمجتمع اليمني. إذ أثبتوا على الأقل خلال السنوات القليلة الماضية أنهم قادرون على الصمود أمام مجموعةٍ من القوى الفاعلة والقوية محلياً، ونجحوا بالفعل في «تحويل دفة القتال» لصالحهم. 

وأقل ما يجب السماح لهم به هو تمثيلهم بصورةٍ مساوية في مؤتمرٍ وطني جديد تحت إشراف الأمم المتحدة، وهو المؤتمر الذي من شأنه أن يُعيد مناقشة مبادئ المصالحة المنصوص عليها في مبادرة الخليج لعام 2011، والتي وضعت نهايةً لسيناريو الربيع العربي في البلاد.

ويمكن للسعودية أيضاً أن تدعم موقفها في اليمن والخليج في حال وافقت على المشاركة في مبادرةٍ على مستوى المنطقة للسلام والأمن، تشمل جميع أعضاء مجلس التعاون الخليجي واليمن والعراق وإيران، حسب الموقع الأمريكي.

 وفي حين أن القادة السعوديين قد يعتقدون أن إدارة ترامب يمكن أن تعود في أي وقت إلى خطابها وسلوكها العدوانيين تجاه إيران، ولكن من الضروري أن يفهموا من عدم لجوء ترامب إلى حلٍ عسكري لمواجهة التحديات الإيرانية المستمرة -بما في ذلك إسقاط طائرة تجسس أمريكية- أن الرئيس الأمريكي لن يفعل ما يريدونه منه. 

ويُمكن للسعودية بدلاً من ذلك أن تُساعد في اتخاذ الخطوات الأولى نحو صياغة نهجٍ جديد للعلاقات بين الدول في الخليج وشبه الجزيرة العربية، وهو نهجٌ من شأنه أن يُعزِّز السلام والرخاء للجميع.