العدسة _ جلال إدريس

منذ يومين والشائعات تدور حول صحة القائد العسكري المشير خليفة حفرت؛ وذلك بعد أن أفادت تقارير إعلامية وشخصيات ليبية عن إصابته بجلطة دماغية ودخوله في غيبوبة، ما استدعى نقله إلى أحد المستشفيات في باريس، في حين أفادت مصادر أخرى بأن القائد الليبي يعاني من مرض السرطان.

الأنباء المتعلقة بمرض حفتر، أثارت الجدل عبر المنصات الإعلامية المختلفة في العالم العربي، خصوصًا وأن “حفتر” هو أحد أبرز أطراف الصراع الليبي، والذي يمكن بغيابه أن تتحلل الأزمة الليبية بشكل كبير، وربما تزيد تعقيدًا، وفقا لمراقبين.

“العدسة” ومن خلال التقرير، تستعرض أبرز السيناريوهات المتوقعة حال غياب “حفتر” فعليًا عن الشأن الليبي، والمسارات الليبية المرتقبة، والاتجاهات المختلفة التي يمكن  أن تسير فيها الدول الإقليمية المتصارعة على النفوذ فى ليبيا كـ”مصر والإمارات، وغيرها”.

أولًا: حقيقة مرض حفتر

ربما يتوجب بداية معرفة أولًا مدى صحة الأنباء المتعلقة بمرض العسكري “حفتر”؛ حيث لاتزال حتى الآن الأنباء متضاربة بشأن مرضه، بين تأكيد مصادر ليبية متنوعة، ونفي مسؤولين مقربين من حفتر.

وكان الجيش الوطني الليبي الموالي لـ”حفتر”  قد نفى “الأربعاء” بشكل رسمي ما أشيع عن تعرض قائده العام المشير خليفة حفتر لوعكة صحية مفاجئة، ونقله إلى أوروبا للعلاج.

وأكد العميد أحمد المسماري، المتحدث الرسمي باسم الجيش، ومدير مكتب إعلام حفتر، في بيانين مقتضبين في وقت متأخر مساءً، أنه «لا صحة للأخبار المتداولة حول الوضع الصحي للمشير حفتر وهو بحالة صحية ممتازة»، مؤكدًا أنه يتابع عمله في القيادة العامة وغرف العمليات، والمناطق العسكرية، وخاصة المستجدات في غرفة عمليات عمر المختار بشأن تحرير مدينة درنة، معقل الجماعات المتطرفة في شرق البلاد.

في المقابل، امتنع متحدث عسكري ليبي، يوم الأربعاء، عن الرد مباشرة على تقارير أفادت بأن القائد خليفة حفتر موجود في العاصمة الفرنسية باريس للعلاج، ما زاد “الطين بلة”، ورجّح صحة تلك الشائعات.

كما أكد مصدر مصدر عسكري رفيع لـ”رويترز” “أن حفتر نُقِل جوًا إلى الأردن وتوجه من هناك إلى دولة ثالثة للعلاج من مشكلة صحية خطيرة”.

فيما ذكر مصدر ثانٍ في مقر القيادة العسكرية في شرق ليبيا يوم الأربعاء أن حفتر في فرنسا لكنه لم يذكر تفاصيل عن حالته. وطلب المصدران عدم نشر اسميهما لحساسية الموضوع.

وفي هذا السياق، أيضًا، أشارت صحيفة “لوموند” الفرنسية إلى موضوع إدخال حفتر إلى أحد مستشفيات العاصمة الفرنسية ولا يزال الأمر طي الكتمان، لحساسيته، وإمكانية تأثير الموضوع على الساحة السياسية والعسكرية في ليبيا.

إذًا فإن تعدد المصادر التي تؤكدت تدهور صحة حفتر، ربما تكشف عن أن أنباء مرضه حقيقية، وأنه بالفعل يعاني من مشاكل صحية قد تصل إلى الجلطة أو السرطان أو السكتة الدماغية.

بن زايد وزيارة السيسي المفاجئة

مراقبون وخبراء سياسيون اعتبروا أيضًا أن الزيارة المفاجئة التي قام بها ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد إلى القاهرة الثلاثاء 11 أبريل 2018، ترتبط ارتباطًا وثيقًا بمرض “حفتر”؛ حيث إن كلا من مصر والإمارات يعولان على “حفتر” بصورة كبيرة، ويُعدّانه لقيادة البلاد، أو على الأقل جعله الرجل العسكري الأقوى في الدولة المتصارع عليها.

ووصل ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد آل نهيان،  الثلاثاء، إلى القاهرة، وكان في استقباله السيسي بالمطار؛ حيث استغرقت زيارته يومين اصطحبه السيسي لزيارة مشروعات ميدانية مشتركة بين البلدين.

الزيارة، وإن حملت في ظاهرها الشكل الدبلوماسي العادي، والترتيب للقمة العربية المقررة في الرياض، إلا أن مراقبين أكدوا أنها زيارة طارئة استهدفت التباحث حول الأوضاع الليبية إن غيّب الموت حفتر في باريس، خصوصا وأن هناك توافقًا تامًا بين مصر والإمارات في الشأن الليبي.

كما تنسق الدولتان للسيطرة على ليبيا والقضاء على تيارات الإسلام السياسي فيها، من خلال شيطنتها عبر وسائل الإعلام المختلفة، ودعم المشير خليفة حفتر سياسيًا وماليًا وعسكريًا، للسيطرة على كامل الأراضي الليبية، والاستيلاء على مقاليد السلطة فيها.

ماذا قدم حفتر لليبيين؟

منذ إعلان اللواء خليفة حفتر عن نفسه في 14 فبراير 2014، عن عملية “الكرامة” وقدم نفسه كقائد للجيش الوطني، ومنقذا لليبيا من الجماعات الإسلامية التي يتهما بـ”الإرهاب” وزرع الفوضى، وهو لا يقوم “حفتر” إلا بتصرفات تعمّق الأزمة في ليبيا، وتزيد حدة الخلاف بين الأطراف المتصارعة.

وكان حفتر قد أعلن في 2014 ما أسماه بالاستجابة “لنداء الشعب”، وأعلن التمرد مع قوات تابعة له على مواقع عسكرية وحيوية في البلاد، وأعلن في بيان “تجميد عمل المؤتمر الوطني (البرلمان المؤقت) والحكومة، متبنيًا ما أسماه “خارطة طريق” لمستقبل ليبيا السياسي في تماهٍ مكشوف مع ما قاله عبد الفتاح السيسي، حين انقلب على حكم الرئيس محمد مرسي في يوليو 2013.

ومنذ ذلك الحين، وأصبح الجميع يدرك أن المشروع السياسي لحفتر، يقوم على فرض نفسه كحاكم للبلاد من خلال القوة العسكرية، التي يحافظ عليها من دعم “مصري– إماراتي” متزايد.

وعلى مدار السنوات الماضية ظل حفتر غير عابئ بالأجسام السيادية التشريعية والتنفيذية حتى تلك التي شرعنت وجوده ومنحته منصب قائد الجيش ورتبة مشير.

ويعد انقلاب “حفتر” على اتفاق “الصخيرات” هو أخطر ما أقدم عليه حفتر منذ ظهوره على الساحة الليبية؛ إذ إن “اتفاق الصخيرات بالمغرب” كان بادرة أمل حقيقة لتوحيد الأطراف السياسية والعسكرية المختلفة في ليبيا، وعول الكثيرون عليه ليكون بمثابة نواه حقيقية لليبيا الجديدة بعد الإطاحة بالقذافي.

لكن إعلان “حفتر” العام الماضي عن نهاية اتفاق الصخيرات، وتأكيده أنه بحلول 17/12/2017، قد انتهت تلك الاتفاقية، بدد تلك الأحلام، وأعادد المشهد الليبي للصراع من جديد، وذلك بالرغم من إعلان مجلس الأمن الدولي استمرار العمل بتلك الاتفاقية، حتى إجراء الانتخابات العام المقبل.

المثير للجدل وقتها، أن إعلان حفتر انتهاء اتفاقية “الصخيرات” تضمن أيضا إعلانه رفض الخضوع للمؤسسات المنبثقة عن اتفاق الصخيرات، في إشارة للمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني برئاسة فائز السراج، وتضمن أيضًا إشارة منه إلى اعتزامه ترشيح نفسه لرئاسة ليبيا العام الجاري، الأمر الذي زاد الأمور تعقيدًا.

عمالة واضحة

مراقبون أكدوا أن انقلابات حفتر المتكررة، ووقوفه عقبة في أي خطوات تقاربية في الملف الليبي، يعود إلى ولاء الرجل الشديد لكل من “الإمارات ومصر” وهما الدولتان اللتان لا ترغبان أبدا أن تستقر الأوضاع في ليبيا وتهدأ على اتفاق دولي يضم القوى الإسلامية في طرابلس ويعتبرها شريكا في حكم ليبيا.

وتسعى “القاهرة ومعها أبو ظبي” إلى إقصاء الإسلاميين بكل قوة من ليبيا، كما يسعيان للسيطرة على ثروات البلاد النفطية من خلال بسط أجندتهم السياسية والعسكرية بالقوة عن طريق الجنرال خليفة حفتر الذي يسيطر على شرق ليبيا.

وفي هذا الشأن نفذت القاهرة والإمارات عمليات عسكرية في الداخل الليبي، لدعم نفوذ حفتر، بحجة “محاربة الإرهاب والتطرف” كما تقوم الإمارات ومصر بتلميع الرجل سياسيًا وعسكريًا في جميع المحافل الدولية.

وإلى جانب ذلك أيضًا كشفت مصادر مطلعة عن  اتخاذ أبو ظبي قرارا بإقامة قاعدة عسكرية في ليبيا، تبعد 100 كيلومتر جنوب غربي حقل السرير النفطي، تحديدًا في مطار “الخروبة” العسكري في ليبيا، في الأراضي الواقعة تحت سيطرة خليفة حفتر قائد القوات التابعة لمجلس النواب المنعقد في طبرق، وفقًا لموقع “الإمارات 71”.

ونقل الموقع عن مصادر قبلية قريبة الصلة بمعسكر حفتر، قولها: إن “أبو ظبي أعادت بناء مطار”الخروبة “العسكري، الواقع على بُعد نحو 1300 كيلومتر جنوب شرقي العاصمة طرابلس”.

وقالت المصادر إنه “فور الانتهاء من بناء المطار من جديد، ودعم البنية التحتية الخاصة به، ليتناسب مع استخدامه الجديد كقاعدة عسكرية مزودة بمعدات حديثة، يفترض أن تبدأ الإمارات في عمليات عسكرية لدعم حفتر على الأرض”، وكشفت أن “من بين هذه المعدات طائرات شيبيل كامكوبتر أس 100، وهي طائرات من دون طيار توجه قذائفها بالليزر، وكان لها دور كبير في معارك بنغازي”.

وأشارت مصادر عسكرية أن “أبو ظبي تُخالف على مرأى ومسمع من مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة القرار الصادر بحظر التسليح، وتقوم بنشر معدات عسكرية في تلك القاعدة، وغيرها من المناطق، بخلاف الأسلحة المتطورة التي تزوّد بها قوات حفتر”.

ماذا لو غاب حفتر عن ليبيا؟

أتسأل: ماذا لو حانت ساعة موت خليفة حفتر من رب العباد مثله مثل خلق الله؟، سؤال طرحه سياسيون ومراقبون ليبيون مع اشتداد المرض على الجنرال خليفة حفتر، وهو السؤال الذي يتبعه بطبيعة الحال أسئلة أخرى من بينها:

من سيخلف حفتر أو من الرجل الثاني لمعسكر حرب الكرامة القادمة من بعد وفاة الفريق خليفة حفتر؟ وماذا عن التدخل الخارجي هل سيتوقف في ليبيا؟ وإلى أين سيتجه الدعم المصري الإماراتي؟ وهل يمكن أن تتصالح الفصائل الليبية المختلفة بعد رحيل حفتر؟

وتتلخص الإجابة على تلك الأسئلة في سيناريوهين متوقعين، أولهما: هو أن الصراع الليبي سيظل قائما، وسيخلف حفتر في عملية الكرامة من هو أشد منه، وستزيد الإمارات ومصر دعمهما العسكري والسياسي لخليفته الذي ربما قامتا بتجهيزه وستقومان بتلميعه في وسائل الإعلام قريبا، وربما يكون “سيف الإسلام القذافي” هو الحليف الجديد لمعسكر “مصر الإمارات” عوضا عن حفتر، وبالتالي فلن يحل الصراع الليبي بل سيزيد وسيستمر بصورة أبشع مما كانت عليه.

فيما يرى آخرون أن “رحيل حفتر” يعني تهدئة فعلية للأوضاع الملتهبة في ليبيا؛ حيث يمكن العودة لاتفاق الصخيرات الذي تم توقيعه في المغرب بين كافة القوى والفصائل الليبية، كما أن غياب حفتر يعني وقف التدخل الإماراتي المصري في الشأن الليبي، أيضا غيابه ربما يخفف من حدة الصراع العسكري القائم في البلاد.