انقشعت الغيوم من سماء الأزمة الخليجية، بعد حدوث انفراجة كبيرة يوم أمس الإثنين، في الخلاف المستمر منذ 3 أعوام بين قطر وكل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر. ومن المقرر توقيع اتفاق في المملكة لإنهاء النزاع اليوم الثلاثاء.

وأعلن وزير الخارجية الكويتي الشيخ أحمد الناصر، أنه تم الاتفاق على فتح الأجواء والحدود البرية والبحرية بين السعودية وقطر اعتبارا من مساء الإثنين.

وأشار الناصر إلى أن أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد أجرى اتصالا بأمير قطر الشيخ تميم بن حمد وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وتم التأكيد خلال الاتصال على لم الشمل والبدء بصفحة مشرقة.

كما أعلنت الكويت عن الاتفاق على التوقيع على “بيان العلا”، مؤكدة أنه سيكون صفحة جديدة في العلاقات الأخوية. وتستضيف السعودية القمة الخليجية الـ41 لقادة دول مجلس التعاون الخليجي الثلاثاء في مدينة العلا.

من جانبها، أوضحت المملكة العربية السعودية أنها تعتزم رفع الحصار، فيما لم يصدر عن الدول الثلاث الأخرى تصريح مماثل، لكن مسؤولا أمريكيا قال إن إدارة الرئيس ترامب “تتوقع” انضمام أطراف الحصار الأخرى للاتفاق، وأضاف أنه بموجب الاتفاق الوشيك ستتخلى الدوحة عن الدعاوى القضائية المتعلقة بالحصار.

وأضاف المسؤول أن جاريد كوشنر، مستشار الرئيس دونالد ترامب، ساعد في المفاوضات، وسيحضر مراسم توقيع الاتفاق مع مسؤولين أمريكيين آخرين، من بينهم أمير الكويت الذي كان لبلاده دور كبير في تحقيق التقارب بين أطراف الخلاف.

فيما أعلن الديوان الأميري القطري أن الشيخ تميم بن حمد آل ثاني يترأس وفد دولة قطر للمشاركة في اجتماع دول مجلس التعاون الخليجي في مدينة العلا السعودية.

ونقلت وكالة الأبناء الكويتية، كونا، عن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قوله إن قمة مجلس التعاون لدول الخليج العربية ستكون “قمة جامعة للكلمة موحدة للصف ومعززة لمسيرة الخير والازدهار”.

ومع التوصل إلى حل الأزمة الخليجية التي ظلت مستعصية منذ عام 2017، قبل أن تتكلل مساعي الكويت والولايات المتحدة الأمريكية بالنجاح، طفى على السطح تساؤل عن مدى إمكانية تجاوز الشعوب لهذه الأزمة، لاسيما وأنها كانت المتضرر الأكبر من الخلاف بين القادة.

الشعوب الخاسر الأكبر

وتركت الأزمة الخليجية أثرا واضحا على الجانب الاجتماعي، لاسيما وأن “الفجور في الخصومة”، ارتباطا عضويا بالأزمة، إذ شهدنا سيلا من الخطابات المليئة بالكراهية والمحرضة على الحقد والعُنف التي مست وجدان الشعوب الخليجية وأخلَّ بالنسيج الاجتماعي الذي لطالما ظل مميزا ومضربا للمثل، طيلة الفترة السابقة.

ويرى مراقبون أن رداءة الطرح السياسي لدول الحصار، على مستوى المسؤولين ومستشاريهم، إضافة إلى المؤسسات والقنوات الرسمية الحكومية، ومن ورائهم الجيوش الإلكترونية، أو ما يسمّى بـ”الذباب الإلكتروني”، والسلوكيات “المنحدرة” أوغلت في تمزيق أواصر الأخوّة التي تجمع الشعوب الخليجية، ولم تسلم منها حتى الأعراض، بشكل عزز من انحطاط أخلاقيات السياسة.

وأقحم في الأزمة، لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد أقحمت دول الحصار الدين والرياضة والفن والثقافة والتعليم، في هذه الأزمة، بشكل اعتبره مراقبون “متهورا ومنحطا وبعيدا كل البعد عن أخلاق الإسلام ومروءة العرب”.

وفي هذا السياق، أكد الشيخ حمد بن ثامر آل ثاني، رئيس مجلس إدارة شبكة «الجزيرة» الإعلامية، أن “حصار قطر شل فاعلية مجلس التعاون وفرّق كلمته”. مشيرا إلى أن الأزمة كانت استثنائية وانعكست على الشعوب أكثر من الأنظمة”.

ولفت حمد إلى أن “المواطن الخليجي قبل هذه الأزمة كان يطمح إلى مزيد من الخطوات العملية نحو التلاقي والتقارب الخليجي، كتوحيد العملة وتوحيد جواز السفر؛ لكن الحصار أدى إلى فقدان هذه الثقة بين دول المجلس».

تصحيح المسار

وسائل الإعلام في الخليج لعبت دور المحرض في الأزمة التي عصفت بالكيان الخليجي طيلة الفترة الماضية، وسيتوجب عليها حمل لواء التقريب بين وجهات النظر في الفترة المقبلة، لكن هذا الأمر سيطرح تساؤلا عن مصداقيتها ومهنيتها، لاسيما وأنها عملت على تكوين رأي عام مناهض لقطر، عبر اتباع أساليب “رخيصة”، كما يؤكد متابعون.

ويرى أستاذ الإعلام المساعد في جامعة قطر، الدكتور خالد آل شافي، أن تغير الخطاب الإعلامي بالتزامن مع الأزمة الخليجية ستظل له تأثيرات جمة على المنطقة برمتها.

وأشار “آل شافي” إلى أن وسائل إعلام دول الحصار ارتكبت أخطاء مهنية، أبرزها حالة الارتباك والتبعية وضعف الإنتاج الإعلامي الخاص والاعتماد على إعادة نشر المعلومات ذات المصادر المجهولة.

من جانبه لفت الكاتب “هادي شلوف” إلى أن بعض الكتاب والصحفيين وحتى القانونيين وغيرهم “كانوا يبحثون من خلال الخلاف الخليجي عن مصالح شخصية بل البعض منهم كان يهدف إلى تعميق الخلاف وتصعيد النزاع إلى درجة خطيرة قد تكون الحرب”.

ويتابع: “نحن في حاجة إلى وعي عام جماعي يكون هدفه عدم تأجيج وتصعيد الخلافات العربية بل يجب أن يكون لدينا وعي جماعي يدعو إلى المصالحة والحوار والبحث عن حلول سلمية لأي نزاع عربي-عربي”.

وعلى صعيد متصل، اعتبرت المتحدثة باسم وزارة الخارجية القطرية، لولوة الخاطر، أن حل الأزمة الخليجية سيكون “ربحا للجميع”، وسيضمن وحدة الشعوب الخليجية وأمن المنطقة واستقلالية وسيادة كل دولة.  

وأضافت الخاطر، في تصريحات لوكالة “الأناضول”، إن “الخاسر الأكبر من هذه الأزمة، كانت مسيرة مجلس التعاون الخليجي وشعوب الخليج والمنطقة”، مؤكدة أن حل الأزمة يعني أن جميع الأطراف رابحة.

وكانت الرياض وأبوظبي والمنامة والقاهرة قطعت علاقاتها مع الدوحة وفرضت عليها حصار بحريا وبريا وجويا منذ منتصف العام 2017، متهمة إياها بدعم الإرهاب. ونفت قطر ذلك قائلة إن الحصار يهدف لتقويض سيادتها.

وطالبت الدول الأربع؛ الدوحة، بتلبية 13 شرطا لإعادة العلاقات معها، وشملت قائمة المطالب إغلاق قناة الجزيرة، وتحجيم العلاقات العسكرية مع تركيا وإغلاق قاعدة عسكرية تركية في قطر، وقطع العلاقات مع حركة الإخوان المسلمين، وتقليص الروابط مع إيران.

لكن الدوحة رفضت الشروط 13 قائلة إنها “تمس سيادتها واستقلال قرارها الوطني”، مؤكدة في الوقت ذاته استعدادها للحوار على أساس الندية واحترام السيادة.