بات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تحت مطرقة الديمقراطيين بشكل غير مسبوق ، ويبدو أن في جبهة الديمقراطيين الكثير لمحاصرة ترامب أكثر وفق رصد “العدسة”.

“ترامب ” يعيش في مأزق كبير ، بحسب رصدنا ، فقد باتت قراراته في مهب الريح ، كما دارت عجلة التحقيق والسعي للعزل بصورة كثيفة وإذا أفلت من هذا فقد يتضرر موقفه الانتخابي تحت وطأة ما جاء في التحقيقات ، وبين هذا وذاك فإن موقفه مع حلفائه بات أقرب للعجز بعد قصف ديمقراطي شديد لجرائم خصومه وخاصة السعودية.

ضربة قوية

لم يكن إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنه سيستخدم الفيتو لإحباط قرار الكونجرس بمجلسيه إلغاء حالة الطوارئ التي أعلنها ترامب قبل شهر، إلا محاولة يائسة وفق المراقبين بعد ضربة مزدوجة له.

المشهد يبدو صعبا أمام “ترامب “ فقد انضم مجلس الشيوخ إلى مجلس النواب في تأييد إلغاء حالة الطوارئ القومية، وسارع ترامب إلى نشر تغريدة في حسابه على تويتر تضمنت كلمة واحدة هي “فيتو”  حيث خسر 12 عضوا من كتلته دفعة واحدة في معركة تقدم فيها الديمقراطيون.

وانضم 12 من الأعضاء الجمهوريين إلى الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ مما سمح بإقرار مشروع قرار يؤيد إلغاء حالة الطوارئ بأغلبية 59 صوتا مقابل 41، فيما كان لا بد من تمرير القرار بأغلبية الثلثين (67 من مجموع 100 عضو بمجلس الشيوخ) لتفادي الفيتو الرئاسي، ليعزز ذلك من قرار مجلس النواب الأميركي، الذين يسيطر عليه الديمقراطيون منذ مطلع العام الحالي، حيث صوت قبل أسبوعين بأغلبية 245 صوتا مقابل 182 لصالح إلغاء حالة الطوارئ.

وقالت وكالة “أسوشيتد برس”، إنه رغم كون عدد الأصوات غير كاف لتخطي “الفيتو” ، إلا أنه يظهر الخلاف الملحوظ بين ترامب وجمهوريين في المجلس، صوتوا ضد قرار الرئيس  في دلالة لا تخفى على أحد.

قصة الهزيمة بدأت قبل نحو شهر ، حيث وقع الرئيس الأميركي إعلان حالة طوارئ وطنية من أجل الحصول على تمويل بأكثر من ثمانية مليارات دولار لبناء جدار حدودي مع المكسيك، في خطوة وصفها نواب ديمقراطيون بالانقلاب على الدستور، ورفضوا على هذا الأساس تمرير تمويل لترامب بقيمة 5.6 مليارات دولار ، ليرد بإغلاق جزئي لمؤسسات الحكومة الفيدرالية استمر أسابيع، يعتبر هو الأطول في تاريخ الولايات المتحدة، لتنتهي القصة بتوجد الكونجرس بمجلسيه ضده.

ورقة العزل!

إفشال الطوارئ ، يتزامن معه تحريك الديمقراطيين لورقة العزل والتي تعتبر في مقدمة الأوراق الموجودة في يدي الديمقراطيين لمحاصرة “ترامب” بصورة أكبر، وفق المراقبين.

وتقدم الديمقراطيين رسميا عبر الكونغرس بطلب تحقيقات تستهدف الدائرة المقربة من الرئيس دونالد ترامب، وهي خطوة بحسب المراقبين قد تمهد لإجراءات لعزل الرئيس الذي يتعرض لاتهامات بعرقلة العدالة وبالتعامل مع روسيا بصورة مريبة وهو ما جعل رد فعل البيت الأبيض مرتبكا ومصدوما فيما يبدو حيث وصف في بيان التحقيقات التي يطالب الديمقراطيون بالشائنة والتعسفية.

الإجراءات تمضي بصورة جادة وفق ما هو مرصود ، حيث أرسلت اللجنة القضائية بمجلس النواب رسائل إلى 81 شخصا وكيانا في الدائرة المحيطة بترامب حاليا وسابقا، فضلا عن أشخاص قد تكون لديهم معلومات تتعلّق بالتحقيق، ومن بين الشخصيات التي ستصلها استدعاءات للمثول أمام لجان الكونغرس نجلا ترامب، دونالد جونيور وإيريك، وصهره ومستشاره الأبرز جاريد كوشنر بالتزامن مع طلب ثلاث لجان في مجلس النواب بتوفير وثائق وشهادة تتعلق باتصالات بين الرئيس ترامب ونظيره الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

ويصنف المتابعين لشئون البيت الأبيض هذا التحرك بأنه ” الأخطر” منذ سيطرتهم على مجلس النواب مطلع العام الجاري، لأن هذا التحرك قد يفضي إلى إطلاق إجراءات لعزل الرئيس الذي أثار حوله خصومه شبهات تتعلق باحتمال تواطئه مع روسيا في انتخابات الرئاسة الماضية التي حملته إلى البيت الأبيض، وعرقلته تحقيقات قضائية، وخرقه قوانين تمويل الحملات الانتخابية، وقد وصفت شبكة “سي أن أن” في تقرير لها  خطوة الديمقراطيين بأنها تشير إلى أن عزل ترامب لم يعد مجرد أمر نظري.

ويؤدي ذلك التحرك إلى زيادة متاعب ترامب وفق المحللين بما أنه في قلب التحقيقات التي يجريها المحقق الخاص روبرت مولر، والتي أفضت حتى الآن إلى إدانة العديد من المقربين من الرئيس على غرار مدير حملته السابق بول مانافورت، كما أن آخرين مثل محاميه السابق مايكل كوهين قدموا شهادات ضده في الكونغرس، وقد يصبح الوضع أخطر بالنسبة لترامب في حال تضمن تقرير مولر، الذي ينتظر أن يصدر قريبا، أدلة تدينه في اتهامات محددة، خاصة فيما يتعلق بتواطئه مع روسيا لترجيج كفته في انتخابات 2016 على حساب غريمته الديمقراطية هيلاري كيلنتون.

معركة الصناديق !

وإذا أفلت ترامب من العزل ، فقد تؤثر تلك الإجراءات بحسب المراقبين على كتلته الانتخابية في الانتخابات المقبلة سواء سلبا أو ايجابا ، لكن لازالت الفرصة سانحة أكثر للديمقراطيين في تقويض فرصه.

وبحسب محمد المنشاوي الكاتب الصحفي المتخصص في الشئون الأمريكية، فإن أى إدانة للرئيس ترامب ستمثل دفعة قوية لحظوظ الديمقراطيين بالسيطرة على البيت الأبيض فى الانتخابات القادمة، إلا أنه فى حالة تبرئة ساحة ترامب وخوضه الانتخابات القادمة، فمن المؤكد قيام قواعد الحزب الجمهورى باستغلال هذا الموقف والظهور بصورة الضحية، وهو ما سيعضد من حظوظ ترامب للبقاء في البيت الأبيض حتى 2024.

من جانبه يرى “ترامب” هذه الثغرة ، ولذلك أطلق عليها نيران كلامية كثيفة في مطلع فبراير الماضي حتى يكون اللعب على المكشوف قائلا في مجموعة تغريدات له على “تويتر”: الديمقراطيون يحاولون الفوز بانتخابات 2020 ويعلمون أنهم لا يستطيعون الفوز بها بشكل شرعي” وبدأ يحاول التشويش عليهم في محاولة للرد على هجومهم الكثيف متابعًا بقوله :” لدينا اقتصاد عظيم رغم إدارة الرئيس السابق باراك أوباما ورغم كل قوانينها وحواجزها القاتلة للوظائف.. ولو أن ذلك الفكر ساد في انتخابات 2016، لكانت الولايات المتحدة في كساد الآن. كنا نتجه للأسفل، ولا تتركوا الديمقراطيين يخدعونكم”.

وبحسب تقدير موقف حديث صادر عن وحدة “رصد النخب الفكرية”  في مركز الدراسات الأميركية والعربية فإن الهدف الحقيقي للحزب الديمقراطي لاستحداث قضايا تحظى بتأييد جماهيري يمكنه من دخول السباق الرئاسي بموقع متميّز أو بعبارة أخرى، أقصى ما يرمي إليه الحزب هو “التسبّب في إدماء الرئيس سياسياً” أمام الجمهور.

ورقة السياسية الخارجية

ويعتمد الديمقراطيين كذلك على تقويض أوراق القوة في يد “ترامب ” مع حلفائه في منطقة الشرق الأوسط خاصة في السعودية ومصر والإمارات ، باتخاذ الكثير من الإجراءات التي تحرج ترامب وتقلل من تأثيره، وهي الإجراءات التي قد تظل لفترة أطول في محاولة لحصار ترامب أكثر وفق المتابعين.

وطلب سناتور ديمقراطي وآخر جمهوري بمجلس الشيوخ من الكونجرس الجمعة 15 مارس التحقيق في محادثات إدارة “ترامب”  مع السعودية بشأن نقل تكنولوجيا نووية، وقبلها بأيام صوت مجلس الشيوخ الأمريكي  لإنهاء الدعم للحرب التي يشنها التحالف بقيادة السعودية في اليمن، وهو ما أزعج  ترامب وقرر اتخاذ إجراءات للحيلولة دون العمل بالقرار في حال تمريره في مجلس النواب، الذي يسيطر عليه الديمقراطيون حاليا ، وهو الأمر المرجح بطبيعة المعركة الدائرة.

ويطرح البعض هنا تساؤل مهم حول معنى هذا الموقف الصدامي بين المشرعين والرئيس، الذي لا يبدو مجرد صدام مرتبط بالعلاقة التنافسية التقليدية بين الحزبين الرئيسين في الولايات المتحدة، حينما يتوزعان الهيمنة على مجلسي الكونغرس، حيث يقول متابعون أن هذه المرة، تبدو إحالات مباشرة إلى صراع الرئيس مع “المؤسسة”  بهويتها الجامعة، أو ما يحب الإعلام وصفه بـ “الدولة العميقة” ، التي تحاول كبح جماحه، وتطويعه، أو التخلص منه.

ووفق أستاذ العلوم السياسية بالجامعات الأمريكية، سارة العطيفي

، فإن  الرئيس الأمريكي بات في قفص الديمقراطيين سواء في التصويت على الميزانية، أو  إقرار مشاريع القوانين، أو توجيه الاتهامات من أجل نزع الثقة عن الرئيس، بجانب التأثير بدرجة ما في السياسية الخارجية في الشرق الأوسط ، موضحة في تصريحات لها أن المعارضة المصرية في أمريكا سوف تستفيد كثيرا من إزاحة الجمهوريين ؛ لأن علاقتها بالديمقراطيين جيدة جدا، ما يعني أن السياسة الخارجية باتت تحت السيطرة ولا يستطيع “ترامب “الانفراد بها.