العدسة_ مؤيد كنعان
مع توالي الأسئلة التي كانت تبحث عن إجابة لإقدام السعودية مجددا على إنقاذ حياة الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، رغم العداوة الكبيرة بين الجانبين، بعد انحياز “صالح” للحوثيين وتحالفه معهم، ثمة وجهة نظر تشير إلى أن ما حدث هو الجزء الثاني للمحاولة السعودية بإيجاد منفذ للتفاوض مع إيران وإقناعها بوقف الحرب في اليمن، بعدما بات قرار وقف الحرب بيد طهران بالرغم من “عاصفة حزم” الرياض.
وبحسب وسائل إعلام سعودية، فإن المملكة سمحت لوفد طبي روسي بدخول طائرته إلى مطار صنعاء، ومباشرة جراحة عاجلة لـ “صالح” أنقذته من الموت، بعد وعكة صحية مفاجئة..
وذكر موقع “المؤتمر نت”، التابع لحزب المؤتمر الشعبي العام الذي يرأسه صالح، في بيان، أن “صالح دخل أحد مستشفيات العاصمة لإجراء بعض الفحوصات الطبية اللازمة، بعد أن ساءت حالته وقد أجريت له على إثر ذلك عملية جراحية على أيدي أطباء روس تكللت بالنجاح”.
الإنقاذ الأول
يشار إلى أن السعودية أنقذت حياة “صالح” للمرة الأولى، بعد تعرضه لمحاولة اغتيال بتفجير جامع دار الرئاسة قبل 6 أعوام، مما نتج عنه تعرضه لحروق بليغة، لكن جراحة متطورة بأحد مستشفيات المملكة أنقذت حياته، ومنحته وجها جديدا، تخلي بعدها عن الحكم لعام واحد.
وإذا كانت المحاولة الأولى مفهومة نسبيا، لرغبة المملكة في تنفيس الأزمة اليمنية، إبان الربيع العربي، عبر محاولة إقناع صالح بالابتعاد طوعا عن الحكم، وهو ما حدث، لكن المحاولة الثانية تحيط بها كثير من المتغيرات، أبرزها وقوف “صالح” في صف الحوثيين ضد المملكة…
” علي عبد الله صالح مريضًا “
3 تطورات
قد يكون من المفيد هنا استعراض ثلاثة تطورات قد تمثل جزءا مهما من الإجابة عن اللغز..
التطول الأول: في مايو 2015، قال صالح في مقابلة مع قناة “الميادين” الشيعية التي تبث من بيروت، إن السعودية عرضت عليه ملايين الدولارات لمحاربة الحوثيين الشيعة لكنه رفض.
التطور الثاني: في أكتوبر 2016 هاجم صالح الحكومة السعودية وطالب أعوانه في خطاب متلفز بنقل المعركة إلى الحدود السعودية، وهو ما ردت عليه الرياض بشن هجوم إعلامي على صالح ووصفه بالمهزوم الذي يهذي من جرّاء ما تعرّض من انتكاسات.
التطور الثالث: في أغسطس 2017، عبر “صالح” عن استعداده للحوار مع الرياض في إطار لا ضرر ولا ضرار، قائلا: “لنتفاهم كما تفاهمنا في 1970″، ودعا الحوثيين أيضا للتهدئة.
” علي عبد الله صالح ” و ” الملك عبد الله “
الخروج من المستنقع
هنا يظهر المنحنى أكثر وضوحا، تصعيد فعداوة فتلميح للمهادنة، توافقت مع رغبة الرياض في محاولة الخروج من المستنقع اليمني بأقل الخسائر، فبعد مرور نحو عامين على “عاصفة الحزم” التي أطلقتها الرياض في مارس 2015، أكدت صحيفة “واشنطن بوست”، أن الحوثيين تمكَّنوا من تحقيق إنجازات وانتصارات ميدانية غير متوقّعة في معاركهم الدائرة مع القوات السعودية في العمق السعودي.
وبحسب تقديرات حكومية سعودية، فإن تكلفة الحرب بلغت مع نهاية أكتوبر الماضي نحو 130 مليار دولار.
هنا تأتي الإمارات من بعيد كطرف مشارك يحتاجه محمد بن سلمان، صاحب قرار التدخل العسكري غير المنضبط في اليمن، لمحاولة صياغة مخرج سياسي معقول، يكفل للرياض حفظ ماء وجهها، وأيضا يعيد صالح للمشهد، عبر تقويه حزبه “المؤتمر العام”، وهو ما لاحظه الحوثيون فبدأوا في تضييق الخناق على صالح وحزبه، وحدثت بينهم مناوشات مسلحة وسجالات سياسية بلغت ذروتها الأسابيع الماضية.
نجل صالح
مواقع إخبارية تداولت خلال الأسابيع الأخيرة تسريبات بشأن تسوية سياسية لأزمة اليمن يتم الإعداد لها بمعرفة الرياض وأبوظبي، بحيث يتولى نجل الرئيس اليمني السابق، العميد أحمد علي صالح، المقيم في الإمارات، منصب وزير الدفاع في حكومة جديدة بموجب تسوية سياسية.
الإمارات اقترحت على المملكة تحويل المعركة بينها وبين الحوثيين إلى معركة بين الحوثيين وحزب صالح، ليعود النزاع يمنيا يمنيا وتخرج المملكة بأقل الخسائر، مكتفية بتأمين حدودها، وهو مكسب مهم، نظرا للغارات اليومية التي بات الحوثيون يشنونها على تلك الحدود مكبدين القوات السعودية خسائر يتم التكتم على معظمها، وعندما يموت جندي سعودي ليس له ظهير عائلي قوي يتم تشييعه ودفنه بصمت، بأوامر حكومية، ولكن عندما يموت آخر من عائلة أو قبيلة لها نفوذها، لا تجد الاستخبارات السعودية بدا من الإعلان عن موته، وتشييع جنازته كبطل، مع الحرص على إيفاد ممثل عن السلطة السعودية الحاكمة في الجنازة والعزاء، ومساومة ذوي القتيل على الصمت، مقابل امتيازات متعددة.
” الملك سلمان “
” علي عبد الله صالح ” و ” الحوثي “
دعم المؤتمر
من هنا جاءت موافقة “بن سلمان” على تدعيم حزب المؤتمر ماديا وعسكريا، مع الحفاظ على ولائه للسعوديين، لذلك اختارت الرياض رشاد العليمي، القيادي الموالي للرئيس اليمني الحالي عبد ربه هادي لتسليمه حوالي 100 مليون ريال سعودي لإعادة ترتيب صفوف الحزب وتموضعه من جديد في صدارة المشهد اليمني، ضد الحوثيين.
تقوية حزب المؤتمر عبر حلفاء هادي، وإرضاء صالح عبر تعيين نجله وزيرا للدفاع، تبدو ملامح الخطة السعودية الإماراتية للانسلاخ من المستنقع اليمني قد اكتملت، لكن هل سيكون التنفيذ سهلا؟
في 19 أكتوبر الجاري، هدد حزب “صالح” رسميا بإنهاء الشراكة مع الحوثيين، متهما إياها بممارسة الاضطهاد والتنكيل بقيادات وأعضاء الحزب “المؤتمر الشعبي العام”، بحسب تقرير نشرته “العربية نت”، والتي نشرت صورة ضوئية لرسالة رسمية بعث بها عارف الزوكا، أمين عام الحزب، إلى الحوثيين حوت تفاصيل ذلك التهديد.
هكذا تبدو السعودية تتحرك في ملف جديد خلف الرؤية الإماراتية تماما، لكن هل سينجح “بن زايد” في إنقاذ “بن سلمان” هذه المرة، أم أن الإيرانيين سيكون لهم شأن آخر.
اضف تعليقا