لا تزال قضية مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني بعد تعذيبه علي يد ضباط جهاز الأمن الوطني في مصر كابوساً يؤرق نظام السيسي، حيث أثبتت التحقيقات التي أجرتها السلطات الإيطالية علي مدار الأربعة سنوات الماضية تورط مسئولين في المخابرات المصرية وقطاع الأمن الوطني التابع لوزارة الداخلية في مراقبة واعتقال وتعذيب الباحث الإيطالي، وذلك رغم محاولات السلطات المصرية نفي التهمة عن نفسها والتملص من إظهار الحقيقة.
محاكمة دولية
وفي تطور لافت، قال رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي إن محاكمة المتورطين بمقتل الباحث جوليو ريجيني ستكون ذات أهمية دولية، وقد يشارك فيها مراقبون دوليون، مشيرا إلى أن نتائج التحقيقات في مقتل ريجيني بمصر تتضمن أدلة لا تدع مجالا للشك.
وأكد أن ما صدر عن النائب العام في روما بشأن نتائج التحقيقات في مقتل ريجيني مهم للغاية، وأن الحكومة الإيطالية طالبت بالحقيقة في مقتل ريجيني لكن أطرافا عديدة حاولت منع إظهارها.
وقد كشفت مصادر قضائية إيطالية للجزيرة عن وجود تسجيلات لدى النيابة العامة الإيطالية، تتعلق بأحد المصريين المتهمين في قضية قتل الباحث جوليو ريجيني في مصر عام 2016.
وقالت المصادر إن الأمن المصري فتّش شقة ريجيني قبل خطفه وتهديد شريكه في السكن، وأضافت أن السلطات المصرية طلبت من شريك ريجيني مراقبته.
وأشارت إلى أن مراقبة ريجيني تمت تحت إشراف الضابط آسر كمال، المسؤول عن مراقبة الأجانب في مصر، وأن المراقبة تمت عبر قسم مدينة نصر قرب مبنى الأمن الوطني الذي قتل فيه الباحث الإيطالي.
وأكدت المصادر أن الشخص المراقب لريجيني أجرى مكالمتين مع الضابط آسر كمال قبل 19 يوما من اختفاء الضحية.
ونشرت قناة الجزيرة ما قالت أنها تسجيلات حصرية تظهر مراقبة شخص يدعي محمد عبدالله لريجيني واتصاله بالعقيد آسر كمال، والاتفاق علي مقابلته لإطلاعه علي نتائج المراقبة الخاصة بريجيني.
حصري للجزيرة | "الحاجة معايا والواد لسه ماشي".. مكالمة صوتية حصلت عليها الجزيرة بين المخبر المكلف بمراقبة #ريجيني والعقيد آسر كمال pic.twitter.com/rfc75Bz8MY
— الجزيرة مصر (@AJA_Egypt) December 11, 2020
حصري للجزيرة | "هاجي لك قسم ثاني مدينة نصر حاضر يا باشا".. مكالمة صوتية حصلت عليها الجزيرة بين المخبر المكلف بمراقبة #ريجيني والعقيد آسر كمال pic.twitter.com/R1jU9ro0kJ
— الجزيرة مصر (@AJA_Egypt) December 11, 2020
وفي وقت سابق، أعلن النائب العام الإيطالي انتهاء التحقيقات في قضية مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني في القاهرة بتوجيه تهم الخطف والتعذيب والقتل لأربعة ضباط مصريين هم طارق صابر، وآسر كمال، وحسام حلمي ومجدي شريف.
وأكد النائب العام الإيطالي في جلسة لإحدى اللجان البرلمانية الخاصة وجود 5 شهود، أحدهم رأى ريجيني عند توقيف الأمن المصري له، وأوضح أن شاهدا آخر يعمل في فرع الأمن الوطني بالقاهرة، شاهد ريجيني مقيّدا وعليه آثار التعذيب.
وأضاف المدعي العام أن الباحث الإيطالي عُذب مرات عدة خلال فترة احتجازه، وتُوفي إثر ضربة على الرأس من الخلف.
شهود جدد
في سياق متصل، نشرت صحيفة كوريرا ديلا سيرا الإيطالية مقالا للصحفي الاستقصائي جيوفاني بيانكوني، حول ملابسات مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني في العاصمة المصرية القاهرة.
ووفق المقال، جمعت النيابة العامة في روما، أقوال اثنين من شهود العيان اللذين شاهدا الباحث الإيطالي الشاب في ثكنتين منفصلتين لقوات الأمن المصرية قبل مقتله.
وذكر بيانكوني في التحقيق أن الشاهد الأول رأى ريجيني، مساء يوم الاختطاف، 25 يناير/ كانون الثاني 2016؛ بينما الشاهد الثاني رآه بعد بضعة أيام، وكان ريجيني وقتها مصفّدا بسلاسل وعلامات واضحة من التعذيب على جسمه.
وقالت الصحيفة الإيطالية إن النيابة تتبعت أثر الشهود بفضل التحقيقات الدفاعية التي أجرتها عائلة ريجيني، مع المحامية أليساندرا باليريني.
وأكدت الصحيفة أن المدعي العام الإيطالي ميشيل بريستيبينو والنائب سيرجيو كولايوكو قد تمكّنا من الاتصال بالشاهدين، ولحماية هويتهما وأمنهما جرى إدراجهما في التحقيق تحت اسمين مستعارين: دلتا وإبسيلون.
وكشفت الصحيفة أن التحقيق توصّل إلى أن الباحث ريجيني اقتِيد، رغمًا عنه -ومن دون أي موجب قانوني- أوّلا إلى قسم شرطة الدقي، ثم إلى بناية في مقر مباحث أمن الدولة في لازوغلي حيث احتُجز 9 أيام.
وقال “دلتا” في شهادته للصحيفة “في 25 ينايركانون الثاني، بينما كنت في مركز شرطة الدقي، وصل شخص نحو الساعة 8 مساءً أو 9 مساءً على الأكثر. شاب بين السابعة والعشرين والثامنة والعشرين من العمر، ذو لحية قصيرة، وكان يرتدي كنزة بين الأزرق والرمادي، ومن تحتها قميص إذا لم تخنّي الذاكرة، وتحدث باللغة الإيطالية وطلب محاميًا”.
وأضاف “وأنا الآن متأكد من أنه كان جوليو ريجيني بعد أن شاهدت لاحقًا صوره على شبكة الإنترنت حتى وإن بدت لحيته أطول في تلك الصور”.
واستطرد “في وقت لاحق اقتيد ريجيني، معصوب العينين إلى مكان يسمى لازوغلي. وهنالك استلمه أحد ضباط الشرطة يدعى شريف… مع آخر يدعى محمد، ولكني لا أعرف إذا ما كان ذلك اسمه الحقيقي”.
وقالت الصحيفة الإيطالية إن الشهادة الثانية جاءت من ثكنة لا زوغلي، على لسان إبسيلون، الذي رصدته واستجوبته المحامية الإيطالية، في 29 يوليو/ تموز الماضي.
وقال إبسيلون شهادته قائلا “في الثامن والعشرين أو التاسع والعشرين من ينايركانون الثاني، رأيت ريجيني في المكتب 13 برفقة ضابطين وعملاء آخرين، وكنت أعرف فقط الضابطين. وعندما دخلت إلى المكتب كان مكبّلا بسلاسل حديدية، وكان نصف جسده العلوي عاريًا، ويحمل علامات التعذيب وينبس بكلمات متعثرة وهو يرجف”.
وأكد إبسيلون أن ريجيني “كان مرميًا على الأرض ووجهه إلى الخلف، ويداه مقيّدتان بالأصفاد مثبتة على الأرض حتى لا ينهض”، مشددًا على أنه لاحظ علامات الاحمرار بظهره”.
قطع العلاقات
في السياق ذاته، قال رئيس مجلس النواب الإيطالي روبرتو فيكو إن المجلس متمسك بموقفه المتعلق بقطع العلاقات الدبلوماسية مع مصر، مؤكدا أن الإيطاليين شعروا بالصدمة لما ورد في تقارير النواب العامين في روما بشأن التعذيب الذي تعرّض له ريجيني على يد الأمن المصري.
وأضاف رئيس البرلمان الإيطالي أن النيابة العامة في روما ستواصل التحقيق في القضية، وأن ما تعرض له الباحث الإيطالي من تعذيب “يبعث على الذهول”.
وأوضح أن لجنة التحقيق في قضية ريجيني توصلت إلى أن الأمن المصري تابعه لمدة 40 يوما قبل اعتقاله، كما توصلت إلى أسماء 4 أشخاص من الأمن العام المصري شاركوا في توقيفه وتعذيبه وقتله.
ونشرت صحيفة “الغارديان” البريطانية تقريرا سلطت فيه الضوء على إطلاق أسرة الطالب الإيطالي، غويليو ريجيني، اتهامات لسلطات الانقلاب في القاهرة بأنها “خدعت كل الإيطاليين”، مطالبين بقطع العلاقة معها واتخاذ إجراءات بحقها.
وفي مؤتمر صحفي لمناقشة التطورات الأخيرة، لم يتردد والدا القتيل بانتقاد حكومتهما، التي قالا إنها فشلت بممارسة الضغط الكافي على السلطات المصرية بشأن ما حدث لابنهما.
وقالت والدة ريجيني، باولا ديفندي: “لماذا لم تنقذ حياة غويليو، المواطن الإيطالي، في بلد يعتبر صديقا ويواصل التمتع بعلاقات صداقة ودية مع إيطاليا”.
ولفتت الصحيفة إلى أن قضية ريجيني أصبحت بالنسبة للكثير من الإيطاليين والمراقبين الدوليين تمثل البحث عن العدالة ليس من أجل ريجيني ولكن لآلاف المصريين الذين اختفوا وعذبوا على يد قوات الأمن في بلادهم.
وبالنسبة لباولا وكلوديو ريجيني فمقتل ابنهما فاقمته ردة الفعل من الحكومة الإيطالية التي لم تتحرك، بحسبهما، وحرصها على إعادة العلاقات مع مصر.
وقالت باولا: “نطالب بسحب سفيرنا مباشرة للتشاور.. منذ إعادة السفير لم يحدث أي تقدم في القضية ويجب اعتبار مصر بلدا غير آمن ومنع صفقات السلاح إليه”.
وأضاف كلوديو ريجيني: “واحد من أهداف استدعاء السفير هو البحث عن الحقيقة والعدالة لابننا، غويليو، وللأسف، فقد فشلت الخطة بعدما تم منح الأولوية لتطبيع العلاقات بين إيطاليا ومصر وتطوير العلاقات الاقتصادية والعسكرية والمالية المشتركة كما ظهر من صفقة بيع سفن حربية وفي السياحة وتجنب أي نزاع. ويظهر نهج السفير جيامباولو كانتيني بوضوح كل هذا”.
اضف تعليقا