تؤكد الخطوات التي اتخذها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في التعامل مع الملف الفلسطيني-الإسرائيلي، ووقوفه الكامل والصريح إلى جانب الإسرائيليين، لا سيما اعترافه بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل”، ووقف دعم الوكالة الأممية لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا”، وإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن.
وكل هذه الخطوات كانت تتخذ بناءً على استشارات خبراء اتخذهم الرئيس الأمريكي في هذا الشأن، أبرزهم صهره جاريد كوشنر، اليهودي المعروف بتوجهه الموالي لإسرائيل، وآخر هو جيسون غرينبلات، الذي كلفه ترامب بملف “صفقة القرن”، وهو يهودي عرف بتعصبه لليهود ولـ”دولة إسرائيل”.
لكن غرينبلات فاجأ الجميع (5 سبتمبر 2019) باستقالته من مهمته مستشاراً للرئيس ترامب، قبل أيام من إعلان تفاصيل “صفقة القرن” التي يوصف بأنه مهندسها.
من هو جيسون غرينبلات؟
جيسون غرينبلات محامٍ متخصص في قانون العقارات، عينه ترامب في منصب جديد استحدث داخل الإدارة الأمريكية؛ وهو “ممثل خاص مكلف بالمفاوضات الدولية” يركز على الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وعلى العلاقات الأمريكية الكوبية.
ولد غرينبلات عام 1967، وهو ابن لاجئ مجري من أصل يهودي هرب من النازيين إلى نيويورك، التي نشأ فيها، كما أنه يعتنق اليهودية الأرثوذكسية، وهو دائماً يرتدي القبعة اليهودية.
درس في أكاديمية لليهود الأرثوذكس، وحصل عام 1992 على شهادة من جامعة نيويورك للحقوق.
بدأ غرينبلات العمل محامي عقارات في نيويورك، وفي منتصف التسعينيات أسس شركة خاصة “قهوة كابتشينو”، ثم باعها ورجع إلى مهنة المحاماة.
دُعي الرجل للعمل مع ترامب منذ عام 1997، وتولى منصب نائب الرئيس التنفيذي والمدير القانوني لمؤسسة ترامب.
وأثناء حملة الانتخابات الرئاسية الأمريكية، في نوفمبر 2016، عمل غرينبلات -الذي يحاضر في مجالات عدة- مستشاراً لترامب، مكلفاً بالعلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.
التجربة السياسية
تشير السيرة الذاتية لغرينبلات إلى أنه لا خبرة له في مجال السياسة الخارجية، فقد قضى حياته المهنية في عالم التجارة والأعمال الذي ينتمي إليه الرئيس الأمريكي المنتخب، ما يؤكد أن هذا الأخير ينظر في اختيار فريقه إلى الثقة والإخلاص لا إلى الخبرة.
ورغم ذلك عيّن ترامب غرينبلات، يوم 27 ديسمبر 2016، في منصب “ممثل خاص مكلف بالمفاوضات الدولية”، وهو منصب جديد استحدث داخل الإدارة الأمريكية.
وجاء في بيان للإدارة الانتقالية أن الممثل الخاص المكلف بالمفاوضات الدولية سيساعد الرئيس في “المفاوضات الدولية من كل الأصناف، وفي عقد اتفاقيات تجارية في أنحاء العالم”.
وأثنى ترامب على غرينبلات، وقال إنه من المستشارين المقربين جداً منه، وإنه يحظى بثقة كبيرة لديه، وإن له تاريخاً حافلاً في التفاوض، إذ أجرى عمليات معقدة باسمه -أي ترامب- ويتمتع بخبرة في طرق تحقيق التقارب بين الأطراف وصنع تسويات في ملفات صعبة وحساسة.
وحسب منصبه، يركز غرينبلات على الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وعلى العلاقات الأمريكية الكوبية، إضافة إلى عقد الصفقات التجارية مع الدول الأخرى، وذلك كما أوردت وكالة “سي إن إن” الأمريكية.
وبشأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لا تختلف مواقف غرينبلات عن مواقف الرئيس ترامب، وتشير المصادر الإخبارية إلى أن ترامب نفسه يعود دائماً إليه فيما يخص هذا الصراع.
ونقل عن غرينبلات قوله في تصريح لراديو الجيش الإسرائيلي، مباشرة بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، إن ترامب لا يرى في المستوطنات التي أقيمت في الأراضي الفلسطينية “عائقاً أمام السلام، ولا يدين بناء المستوطنات”، مضيفاً أن “ترامب لن يفرض أي حلّ على إسرائيل”.
بالإضافة إلى هذا فإن محامي العقارات يؤيد مسألة حل الدولتين، لكنه يعارض تدخل الأمم المتحدة في هذا الحل.
لخص تجربته بالقول: “فلسفتي في الحياة كما في العمل تقوم على التقريب بين الشعوب، والعمل على الوحدة وليس التفرقة، وذلك أقوى طريق للنجاح”.
استقالة مهندس صفقة القرن
بعد عامين وتسعة أشهر من عمله مستشاراً دولياً لترامب، أعلن غرينبلات، (5 سبتمبر 2019) استقالته، معلناً أن عمله في البيت الأبيض كان “امتيازاً”.
وأضاف في تغريدة: “أنا ممتن فعلاً للعمل على محاولة تحسين حياة ملايين الإسرائيليين والفلسطينيين وآخرين”.
ونهاية أغسطس 2019، أعلن غرينبلات أن صفقة القرن التي بقيت طي الكتمان لنحو عامين ونصف العام، وأُرجئ إعلانها مراراً، لن تعرض قبل الانتخابات البرلمانية في “إسرائيل”، المقررة في 17 سبتمبر الجاري.
تصريحات المسؤول الأمريكي المستقيل جاءت متوافقة تماماً مع ما أعلنه وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، بأن الإدارة الأمريكية ستعلن خطتها للسلام في الشرق الأوسط خلال الأسابيع المقبلة.
في المقابل أعلن الجانب الاقتصادي من “صفقة القرن”، في يونيو 2019، بالعاصمة البحرينية المنامة، ونصّ على 50 مليار دولار من الاستثمارات الدولية في الأراضي الفلسطينية والدول العربية المجاورة على مدى 10 أعوام. لكن المسؤولين الفلسطينيين رفضوا الخطة الأمريكية؛ على خلفية استمرار القطيعة مع إدارة ترامب التي اعترفت بالقدس عاصمة للكيان.
الفلسطينيون: صفقة القرن فشلت
لم يرَ الفلسطينيون أن غرينبلات بعد الفترة التي قضاها في مهمته المتعلقة بمتابعة الملف الفلسطيني الإسرائيلي، ومحاولة الوصول إلى اتفاق حول حل حقيقي يرضي الطرفين على الأراضي الفلسطينية، حقق تقدماً يذكر.
ويعتقدون أنه فشل في مهمته؛ إذ عتبرت حركة “حماس”، في بيان، استقالة غرينبلات من منصبه “دليلاً جديداً على فشل صفقة القرن، ومؤشراً على تخبط الإدارة الأمريكية في خياراتها تجاه القضية الفلسطينية”.
وقال وصفي قبها، القيادي في الحركة والوزير الأسبق، في البيان: إن “المبعوث الأمريكي كان سيئ السمعة ومعادياً لشعبنا وحقوقه الثابتة، وغير آسفين على رحيله”، داعياً إلى “الاعتراف الكامل بحقوق شعبنا”.
وأكد أن “وحدة الشعب الفلسطيني والثبات على الحقوق والتمسك بالمقاومة الشاملة هي الصخرة التي تتحطم عليها كل المؤامرات التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية”.
من جهتها قللت حركة “فتح”، التي تحكم في الضفة الغربية، من شأن استقالة غرينبلات.
وقال المتحدث باسم حركة فتح للإعلام الدولي، زياد أبو زياد، في مداخلة إذاعية عبر راديو “سبوتنيك”: إن “ما قام به غرينبلات في إطار إعداد خطة أمريكية للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين سبب ضرراً كبيراً بين الإدارة الأمريكية وفلسطين، وحقق رغبة (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو بالسعي لتهويد القدس والتعدي على حقوق الفلسطينيين، وخاصة حق عودة اللاجئين، وهذا ما يخدم اليمين المتطرف”.
“أبو زياد” أشار إلى أن “صفقة القرن فشلت منذ اليوم الأول لإعلانها؛ لأن غرينبلات و(كبير مستشاري البيت الأبيض جاريد) كوشنر لم يفهما أن ما يحدث يضر بالمنطقة وبأمن إسرائيل، ويؤثر أيضاً على أمريكا؛ والدليل فشل مؤتمر البحرين الذي لم يشارك فيه الفلسطينيون والكثير من الدول العربية”.
وأبدى المتحدث الفلسطيني استغرابه من تصريح ترامب بأن الفلسطينيين يوافقون على صفقة القرن لأنهم يريدون المال، وهذا كلام خطأ، مؤكداً أنه بوجود غرينبلات أو باستقالته لن يقبل الفلسطينيون بالصفقات المشبوهة.
ماذا قال ترامب؟
يعتبر غرينبلات قريباً جداً من “إسرائيل”، وأثار غضب الدبلوماسيين الأوروبيين في الأمم المتحدة، في يوليو 2019، حين اعتبر أن “السلام الدائم والشامل في الشرق الأوسط لن يصنعه القانون الدولي أو قرارات مكتوبة غير واضحة”.
وخلال تولي غرينبلات مسؤوليته التي شملت بشكل أساسي الخلاف الفلسطيني الإسرائيلي، لم تشهد “إسرائيل” دعماً كبيراً من قبل واشنطن لتثبيت احتلالها الأراضي الفلسطينية وهيمنتها عليها وتوسعها فيها، مثل التي حصلت عليه في هذه الفترة.
فقد اعترفت واشنطن بالقدس عاصمة لإسرائيل، وافتتحت سفارتها فيها، وهي الخطوة الأبرز والأكثر أهمية بالنسبة لإسرائيل التي اعتبرتها نصراً كبيراً.
وعلى الرغم من أن هذه الخطوة تكفي لتكتب النجاح لغرينبلات في نظر الإسرائيليين، لكن في فترة وجوده بمنصبه حصلت إسرائيل على أكثر من ذلك؛ حيث توسعت في عمليات الاستيطان، وأغلق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، وانخفض دعم “الأونروا”.
بدوره أكد ترامب نجاح غرينبلات في مهمته، وتحدث عن “إخلاص” مستشاره لإسرائيل؛ ما يشير إلى أن مهمة الأخير كانت دعم الإسرائيليين على حساب الفلسطينيين، والتأسيس لصفقة القرن وإكمالها.
فقد كتب الرئيس الأمريكي على “تويتر” قائلاً: “بعد ما يقرب من ثلاثة أعوام في إدارتي، سيغادر غرينبلات للانضمام إلى القطاع الخاص. كان جيسون شخصاً وفياً وصديقاً كبيراً ومحامياً رائعاً. لن ننسى إخلاصه لإسرائيل وسعيه إلى السلام بين إسرائيل والفلسطينيين”.
بدوره علق رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، حول الاستقالة قائلاً: “أود أن أشكر غرينبلات لعمله الدؤوب من أجل الأمن والسلام، ولعدم تردده ولو للحظة بقول الحقيقة عن دولة إسرائيل في وجه جميع المسيئين لسمعتها. شكراً لك يا جيسون”.
وتعد استقالة غرينبلات مفاجئة، إذ تأتي قبيل الموعد المرتقب لإعلان الإدارة الأمريكية عن الشق السياسي لصفقة القرن، الذي سيتم بعد الانتخابات الإسرائيلية للكنيست، المقررة في 17 سبتمبر 2019.
اضف تعليقا