العدسة – جلال إدريس

أعادت واقعة الاعتداء على المستشار “هشام جنينة” رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات السابق، إلى أذهان المصريين، عمليات الاغتيال السياسية التي شهدتها البلاد، طوال عصرها الحديث.

ولأن “المستشار هشام جنينة” هو أحد خصوم النظام الحالي، فإن كل الشواهد، توحي بضلوع سلطة عبد الفتاح السيسي في اغتياله، أو على الأقل في إيصال رسالة له شديدة القسوة، مفادها “أنك لست في منأى عن الاغتيال” وعلى يد بلطجية، وبصورة بعيدة عن تورط النظام بشكل مباشر.

ورغم أن نظام السيسي متورط في قتل آلاف المعارضين السياسيين سواء عن طريق قتلهم في “فض الاعتصامات السلمية، أو تصفيتهم خارج إطار القانون، أو قتلهم بالإهمال الطبي والتعذيب داخل المعتقلات”، إلا أن الاعتداء على “شخصية بحجم المستشار جنينة” والذي كان رئيسا لواحد من أهم الأجهزة الرقابية في مصر، يؤكد أن النظام عاد لما يسمى بـ”العمليات القذرة” وهي العمليات التي يتم فيها تصفية الخصوم بطرق أشبه بطرق العصابات”.

“العدسة” ومن خلال التقرير التالي، ترصد أبرز الاغتيالات السياسية التي شهدتها مصر عبر تاريخها المعاصر، والتي قتل فيها مسئولون في السلطة أو مقالون أو معارضون سياسيون بهدف التخلص منهم وإغلاق ملفاتهم للأبد:

بطرس غالي

بطرس غالي الجد

بطرس غالي الجد

 

في 20 فبراير 1910 كانت مصر على أول موعد مع للاغتيالات السياسية في القرن العشرين، حيث تم اغتيال رئيس رئيس الوزراء المصري آنذاك “بطرس غالي” على يد أحد أعضاء الحزب الوطني وقتها نظرًا لاتهامه “غالي” بخيانة مصر.

جاء الاعتداء على بطرس باشا، أثناء نظر الجمعية العمومية لمشروع امتياز قناة السويس، وهذا الحادث أثار دهشة الناس كافة إذ لم يسبق أن تقدمه اعتداء مثله أو يشبهه، ولم يكن الناس قد عرفوا في مصر حوادث القتل السياسي منذ عهد بعيد.

وتم إلقاء القبض على الجاني ويدعى إبراهيم ناصف الورداني ينتمي إلى الحزب الوطني واعترف بجرمه وادعى أن الدافع وراء ارتكابه هذا الحادث هو اتهام بطرس باشا غالي بالخيانة نتيجة توقيعه اتفاقية السودان في 19 يناير عام 1899 ورئاسته للمحكمة المخصوصة في حادثة دنشواي، وإعادة قانون المطبوعات، ثم سعيه إلى مشروع مد امتياز قناة السويس.

أحمد ماهر باشا

أحمد ماهر باشا

أحمد ماهر باشا

 

في 24 فبراير 1945، كانت مصر على موعد مع ثاني جريمة “اغتيال سياسي” في تاريخها المعاصر، حيث تم اغتيال الدكتور أحمد ماهر باشا “رئيس وزراء مصر لفترتين الأولى من 8 أكتوبر 1944 حتى 15 يناير 1945، والثانية من 15 يناير 1945 حتى 24 فبراير 1945”.

وكان “أحمد ماهر باشا” عضوًا في حزب الدستوريين السعديين، وقد عينه الملك فاروق رئيساً للوزراء إثر إقالته مصطفى النحاس باشا، لكنه بعد توليه الوزارة أعلن الحرب على دول المحور في الحرب العالمية الثانية التي كانت تضع أوزارها، وذلك للمشاركة في الغنائم الدبلوماسية في نهاية تلك الحرب.

وبعد توقيعه قرار الحرب تم اغتياله في البرلمان من قبل شاب يدعى مصطفى عيسوي (28 سنة) عن طريق إطلاق الرصاص عليه، وبالرغم من محاولة تلفيق البعض التهمة بجماعة الإخوان وقتها، إلا أنه ثبت أن “عيسوي” كان عضواً في حزب الوفد، ولم يكن له علاقة بجماعة الإخوان المسلمين، وعلل “عيسوي” إقدامه على اغتيال ماهر، بأنه تسبب فى إعلان مصر الحرب على ألمانيا واليابان.

أمين عثمان

أمين عثمان

أمين عثمان

في 5 يناير 1946 حدثت ثالث جريمة اغتيال سياسي في تلك الفترة، حيث اغتيل أمين عثمان وزير المالية المصري في “حكومة الوفد” ورئيس جمعية الصداقة المصرية – البريطانية.

وجاء اغتيال أمين عثمان، على يد أعضاء “جمعية سرية” كان الرئيس المصري السابق أنور السادات عضوا بها عندما كان ضابطا بالجيش إبان فترة حكم الملك فاروق.

وجه الاتهام إلى كل من: حسين توفيق ومحمد أنور السادات وعبد العزيز خميس ومحمود الجوهرى ومحمد إبراهيم كامل ومحمود يحيى وعمر حسين ومحمد كريم وسعد الدين كامل وبخيت فخرى.

وذكر أنور السادات في كتابه “30 شهر في السجن” أنه كان هناك تشكيلان، الأول من المدنيين والآخر من العسكريين، وكان هو ضابط الاتصال بين التشكيلين.

وسرد «السادات» أن سبب اختيار اغتيال “عثمان” أنه كان يفتتح مدرسة للخيانة في نادي «جمعية الصداقة المصرية البريطانية» التي كان رئيسها، وكان يلقى فيها دروس الخيانة على الشبان الأبرياء.

محمود النقراشي باشا

محمود النقراشي باشا

محمود النقراشي باشا

إثر مقتل أحمد ماهر، وفى ساعة متأخرة من نفس يوم الاغتيال، اتجه “الملك فاروق” إلى تعيين “محمود النقراشي” باشا، رئيسا للوزراء ووزيرا للداخلية بالنيابة، خلفا لأحمد ماهر باشا.

لم يمض “النقراشي” في رئاسة الوزراء سوى نحو عامين ونصف، حتى تعرض للاغتيال في 28 ديسمبر 1948.

اتهم “النقراشي” أُثناء توليه رئاسة الوزراء، بمهادنة “الاستعمار”، كما اتخذ عدة إجراءات شديدة تجاه المظاهرات المطالبة بالجلاء، كذلك فقد أصدر قرارًا بحل جماعة الإخوان المسلمين عام 1948 والقبض على أعضائها، وهو ما دفع أحد أعضاء التنظيم الخاص بجماعة الإخوان ويدعى “عبد المجيد أحمد حسن” باغتياله بثلاث رصاصات.

وقتها أصدر حسن البنا المرشد العام للإخوان المسلمين بيانًا استنكر فيه اغتيال النقراشي، واعتبر أن “عبد المجيد” لا يمثل الإسلام ولا الإخوان، فيما حكم على القاتل بالإعدام شنقا.

حسن البنا

حسن البنا

حسن البنا حسن البنا حسن البنا

بعد اغتيال النقراشي بشهرين تقريبًا، وتحديدًا في 12 فبراير 1949، تعرض “الإمام حسن البنا – مؤسس جماعة الإخوان المسلمين”، لعملية اغتيال على يد بعض المدفوعين من السلطة، وقيل إنهم مدفوعون من “القصر الملكي” وذلك ردا على “اغتيال النقراشي باشا”.

وبينما كان البنا خارجًا من جمعية الشبان المسلمين في فبراير 1949 تم اغتياله بإطلاق رصاص، نقل “البنا” بعدها إلى مستشفى قصر العيني إلا أن المنية وافته في الثانية عشرة منتصف الليل بعد أربع ساعات من إصابته.

وحسب بعض “قادة الجماعة” فإن البنا تُرك بدون رعاية ما كان سببًا في موته بعد الإصابة، أثناء التحقيقات تبين أن السيارة التي هرب بها الجناة كانت سيارة محمود عبد المجيد المدير العام للمباحث الجنائية بوزارة الداخلية.

يوسف السباعي

وسف السباعي

وسف السباعي

في فبراير 1978 كانت مصر على موعد مع اغتيال سياسي جديد، لكن هذه المرة كانت جريمة الاغتيال خارج الأراضي المصرية، حيث تم اغتيال “الأديب والعسكري والوزير المصري السابق – يوسف السباعي” وهو في الستين من عمره بعد وصوله “قبرص” لحضور “مؤتمر التضامن الآفرو آسيوي السادس بصفته أمينًا عامًا لمنظمة التضامن الإفريقي الآسيوي”.

واغتيل “السباعي” برصاص فلسطينيَيْن، وأدى اغتياله في “قبرص” إلى أزمة في العلاقات المصرية مع قبرص أدت إلى سحب السفير المصري وسحب اعتراف مصر برئيس قبرص.

وقيل إن سبب اغتيال “السباعي” أنه كان من ضمن الوفد الذي زار إسرائيل عام 1977 تمهيدًا لتوقيع اتفاقية السلام معها، حيث تم اغتياله على يد منظمة عسكرية فلسطينية تدعى “منظمة أبو نضال”، وهي المنظمة التي بدأت كانشقاق عن حركة فتح في 1974م، حيث أنشأها وترأسها صبري البنا (أبونضال).

محمد حسين الذهبي

محمد حسين الذهبي

محمد حسين الذهبي محمد حسين الذهبي محمد حسين الذهبي

 

في يوليو 1977 اغتيل وزير الأوقاف المصري والشيخ الأزهر “محمد حسين الذهبي” على يد جماعة تدعى “التكفير والهجرة” وهي الجماعة التي أفرزتها عمليات التعذيب في سجون “عبد الناصر” أواخر الستينيات وانتشر سيطها في سبعينيات القرن الماضي.

تصدى الشيخ “الذهبي” لأفكار التكفيريين آنذاك، وكان يرى أن “الفكر لا يواجه إلا بالفكر” غير أنه وفي إحدى صباحات يوليو 1977 هجم بعض المسلحين على بيت الشيخ الذهبي واقتادوه من بيته، بعد أيام من بحث أجهزة الأمن عن الخاطفين وجد الشيخ مقتولاً برصاصة في عينه في إحدى فيلات منطقة الهرم.

وتحولت القضية للقضاء العسكري وقبض على زعيم الجماعة شكري مصطفى والخاطفين وتم الحكم بالإعدام على خمسة متهمين وعلى البعض بأحكام المؤبد مع الأشغال الشاقة.

أنور السادات

أنور السادات

أنور السادات أنور السادات

في 6 أكتوبر 1981، كانت مصر على موعد مع أكبر جريمة اغتيال سياسي، والتي طالت رأس الدولة، حيث تم اغتيال “محمد أنور السادات – رئيس مصر آنذاك”.

وتعود أسباب عملية الاغتيال إلى بداية عام 1981 حيث بدأ الرئيس الراحل “أنور السادات”، بشن حملة اعتقالات واسعة طالت المنظمات الإسلامية وبعض مسؤولي الكنيسة ومفكرين يساريين وحتى ليبراليين وكل من اعترض من قادة المعارضة على “اتفاقية كامب ديفيد” مع إسرائيل، وقرارات الانفتاح الاقتصادي.

وفي صبيحة يوم 6 أكتوبر 1981 وأثناء العرض العسكري الذي كان يقام بمناسبة ذكرى حرب أكتوبر اغتيل السادات على منصته من قبل بعض ضباط الجيش، والذين كان لهم ميول لتنظيمات “جهادية”.

فرج فودة

فرج فودة

فرج فودة

في 8 يونيو 1992، شهدت القاهرة اغتيال الكاتب والمفكر العلماني المصري “فرج فودة” على يد أفراد منتمين للجماعة الإسلامية آنذاك، وذلك ردا على كتاباته التي كانت تثير جدلا واسعا بين المثقفين والمفكرين ورجال الدين، واختلفت حولها الآراء وتضاربت.

وقبل اغتياله كانت جبهة علماء الأزهر تشن هجوما كبيرا عليه، وطالبت لجنة شؤون الأحزاب بعدم الترخيص لحزبه، بل وأصدرت تلك الجبهة في 1992 “بجريدة النور” بياناً بكفره.

وقيل إن اغتياله جاء بسبب كتابه “الحقيقة الغائبة” والذي تصدى فيه لكتاب “الفريضة الغائبة” لمحمد عبد السلام فرج الذي كتبه عام 1980 ويحمل تأصيلا فكريا ومنهاجا للحركات الجهادية حينئذ.

هشام بركات

هشام بركات

هشام بركات

في 29 يونيو 2015 شهدت القاهرة اغتيال النائب المصري “هشام بركات” عن طريق سيارة ملغومة، وذلك أثناء تحرك موكبه من منزله بمنطقة مصر الجديدة إلى مقر عمله بدار القضاء العالي في وسط القاهرة.

ولم يتسبب حادث التفجير في مقتل “بركات” من فوره، لكنه أصيب بنزيف داخلي وشظايا وأجريت له عملية جراحية دقيقة فارق في أعقابها الحياة في مستشفى النزهة الدولي.

وتسببت حادثة اغتيال “النائب العام” في كثير من اللغظ والجدل، حيث اتهم معارضون نظام “عبد الفتاح السيسي” في الضلوع باغتيال النائب العام، للتخلص منه وإغلاق وإلصاق التهمة بالمعارضين السياسيين، وإظهار أن البلاد تواجه خطرا حقيقيا للإرهاب كما يروج السيسي دائما، كما قيل إن اغتياله من قبل “السيسي” كان بهدف إغلاق ملف فض اعتصامي “رابعة والنهضة” للأبد، حيث إن الفض كان بقرارات مباشرة من النائب العام هشام بركات.

“جنينة” والاعتداء الأشبه بالاغتيال

هشام جنينة بعد الاعتداء عليه

هشام جنينة بعد الاعتداء عليه

في 26 يناير 2018، تعرض “المستتشار هشام جنينة- الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات” لعملية اعتداء وحشي من قبل “أشخاص” قيل إنهم على علاقة وطيدة بالداخلية والأجهزة الأمنية، تسبب في جروج وكسور بالغة.

مراقبون ربطوا بين محاولة “اغتيال هشام جنينة” وبين اختياره نائبا لـ”سامي عنان– رئيس الأركان المصري والمرشح الذي كان محتملا” قبل أن يتم اعتقاله والزج به في السجن الحربي لمنعه من منافسة السيسي في العملية الانتخابية”.

أيضا لا يجب إغفال أن”عملية الاعتداء” التي تعرض لها المستشار “هشام جنينة” جاءت أثناء توجهه للمحكمة، لحضور دعوى قضائية يعترض فيها على قرار “السيسي” بإعفائه من منصبه كرئيس للجهاز المركزي للمحاسبات بعدما فضح جرائم الفساد الكبيرة في عهد “السيسي” والتي بلغت خلال عامي 2015، و2016، نحو 600 مليار جنيه.