يتخذ النظام الحاكم في الإمارات مواقف متناقضة في الأزمة التي تشهدها منطقة الخليج العربي، في ظل تصاعد التوتر الأمريكي مع طهران، حيث بدأ مشاورات مع إيران بعيداً عن السعودية، حليفته الأبرز في حرب اليمن.

ورغم استمرار التوتر في الخليج فإن التحركات الإماراتية الأخيرة تثبت محاولة أبوظبي تجنب الدخول في صراع مباشر مع إيران، وهو ما تلخص فعلياً من خلال إعلانها نهاية يونيو الماضي سحب معظم قواتها الموجودة في اليمن، التي أرسلتها للمشاركة ضمن تحالف عسكري تقوده السعودية لقتال الحوثيين الموالين لطهران.

وخلال يوليو الجاري أيضاً أرسلت الإمارات وفداً أمنياً إلى طهران، لبحث قضايا التعاون الحدودي وتبادل “معلومات أمنية”، سبقها إرسال أبوظبي مندوبين إلى إيران للحديث حول السلام، في سابقة لم تحدث منذ بدء حرب اليمن.

ومن اللافت أن التقارب مع إيران والتعاون معها كان أحد ذرائع أبوظبي والرياض والمنامة والقاهرة لمقاطعة دولة قطر وشن حصار عليها منذ يونيو 2017، وهو ما يجعل الإمارات في دائرة اتهام حليفتها السعودية التي قطعت منذ عام 2016 كامل العلاقات مع إيران.

وفدان في طهران

في 30 يوليو وصل وفد من خفر السواحل الإماراتية يتكون من 7 أفراد إلى إيران لبحث التعاون الحدودي بين البلدين، في إطار المشاركة في الاجتماع السادس المشترك لخفر السواحل الإيراني والإماراتي.

وسائل إعلام إيرانية قالت إن الاجتماع بحث تنقل الأجانب بين البلدين والدخول غير الشرعي عبر الحدود البحرية، إضافة إلى تسريع وتسهيل تبادل المعلومات الأمنية بين الجانبين.

وكان الاجتماع الخامس بين الطرفين في هذا الإطار  قد انعقد عام 2013، ما يثير تساؤلات حول عدم تنظيم الاجتماع السادس طيلة هذه السنوات من جهة، والأسباب التي دفعت إلى عقد دورته السادسة في هذا التوقيت الحساس في المنطقة من جهة أخرى، في حين قال مستشار ولي عهد أبوظبي عبد الخالق عبد الله في تغريدة، إن اللقاء يعقد كل 3 أشهر.

ويلتئم خفر السواحل الإماراتي والإيراني في طهران، في وقت أشار فيه أكثر من مسؤول إيراني، خلال الفترة الأخيرة، إلى أن دولة الإمارات أرسلت وفداً يحمل “رسائل إيجابية” إلى إيران لحل التوتر بين البلدين، في حين  لم يصدر نفي إماراتي رسمي بشأن هذه الزيارة، ما يؤكد حدوثها.

غزل وتنسيق متواصلان

تصريحات التودد الإماراتي لإيران جاءت على لسان قائد خفر السواحل الإماراتي، الذي دعا إلى تنسيق متواصل مع طهران لضمان سلامة خطوط الملاحة في منطقة الخليج العربي، في تصريح هو الأول من نوعه ومخالف لطبيعة العلاقة بين التحالف السعودي الإماراتي وطهران.

ونقلت وكالة الأنباء الإيرانية (إرنا) عن العميد محمد الأحبابي قوله، في بيان مشترك مع نظيره الإيراني اللواء قاسم رضائي، عقب انتهاء اجتماع مشترك لخفر السواحل الإيراني والإماراتي في طهران، أمس الثلاثاء: إن “تعزيز العلاقات مع إيران بإمكانه ضمان أمن المياه الخليجية”.

وأشار  الأحبابي إلى أن “إيران رائدة في مكافحة تهريب المخدرات، ونحن بوصفنا خفر السواحل الإماراتي نثمن إجراءات الجمهورية الإسلامية في هذا الخصوص”.

كما أشاد المسؤول الإماراتي بالأمن الإيراني قائلاً: “الأمن الذي تنعم به الجمهورية الإسلامية الإيرانية، في ضوء حدودها المشتركة والممتدة بمساحة 8 آلاف و755 كم، يدل على أسلوبها الصحيح في إدارة مناطقها الحدودية”.

وأكد الأحبابي “ضرورة الرقي بمستوى العلاقات الحدودية، ومواصلة الإجراءات المشتركة والتنسيق المستدام بهدف تأمين التجارة وسلامة الملاحة البحرية”.

ولفت إلى أن “تدخل بعض الدول في الخطوط الملاحية الأولى يثير المشاكل في المنطقة، وبما يستدعي من خلال تحسين العلاقات إرساء الأمن في الخليج وبحر عمان”، دون أن يحدد تلك الدول، لكن أمريكا وبريطانيا بدأتا تحركات مؤخراً في الخليج لحماية السفن.

وحتى منتصف يوم الثلاثاء تجاهل الإعلام الإماراتي زيارة وفد البلاد إلى طهران والبيان المشترك الذي صدر، حيث كانت تهمة التعاون مع طهران تهمة تم اتخاذها حجة لحصار وقطع العلاقة مع قطر من قبل الإمارات والسعودية والبحرين ومصر (يونيو 2017).

والتودد لإيران لم يكن حديثاً، فخلال الأيام الماضية تراجعت أبوظبي عن اتهامها باستهداف الناقلات الذي جرى في ميناء الفجيرة، وجاء هذا التراجع من أعلى هرم الدبلوماسية الإماراتية، على لسان وزير خارجيتها عبد الله بن زايد، الذي أكد في تصريح له، (26 يونيو الجاري)، أن بلاده لا يمكن أن تُحمِّل أي دولةٍ مسؤولية الهجمات الأخيرة على ناقلات النفط، لعدم كفاية المعلومات.

تصريح بن زايد جاء متناقضاً مع تصريح سابق له اتهم فيه إيران بتدبير الهجوم، مؤكداً أن “بصماتها واضحة على الهجمات التي استهدفت ناقلات نفط في الفجيرة”.

وكان من اللافت أن يتزامن التراجع الإماراتي خلال الفترة الأخيرة مع تصريحات إيرانية شديدة اللهجة، وتهديد بمحاسبة الإمارات دولياً بسبب تسيير الولايات المتحدة طائرات تجسس من دون طيار من أراضيها تجاه الأجواء الإيرانية، بحسب ما كشف المستشار الدولي لرئيس مجلس الشورى الإسلامي، حسين شيخ الإسلام، في تصريح لـ”الخليج أونلاين”.

ذريعة للتراجع!

ويرى الباحث في العلاقات الدولية عماد الدين شوقي، أن اجتماع خفر السواحل بين الإمارات وإيران في طهران، “يشير إلى بحث الإمارات عن ذريعة للتراجع عن رأس الحربة في معسكر الحرب والتحالف السعودي الذي بدأ في مارس 2015”.

وأوضح في حديثه لـ”الخليج أونلاين”، أن هذا التراجع “يدلّ على فشل المراهنة على الحماية الأمريكية لحلفائها الخليجيين في الحرب ضد إيران، وأن أبوظبي قدمت مصالحها على أي خلاف قائم، خشية أن يؤثر ذلك على اقتصادها”.

ودلل على حديثه بالقول: “إن انسحاب القوات الإماراتية من بعض مناطق اليمن يؤكد عدة دلائل، من بينها أن الإمارات فقدت الأمل من المراهنة على الحماية الأمريكية في الحرب على إيران، وخشية وقوعها في الحرب إلى جانب السعودية ضد إيران”.

ويضيف: “أبوظبي حين شعرت أنها تأخرت كثيراً في استدارتها نحو طهران، لجأت إلى إرسال رسائل سريّة عبر أشخاص يتحدثون عن السلام كما حدث مؤخراً، وهو تأكيد أن الإمارات تركت السعودية وحدها في الصراع مع إيران”.

الإمارات تدافع عن إيران 

الزحف الإماراتي نحو طهران جاء بعد أن كشفت وسائل إعلام عربية وغربية مطلع يوليو، عن وجود خلافات نشبت بين السعودية والإمارات حول كيفية الرد على هجمات إيران التخريبية التي استهدفت ناقلات نفط في الخليج في يونيو الماضي.

وذكر التلفزيون الإسرائيلي الرسمي “كان”، نقلاً عن مصادر استخباراتية، أنه “في الوقت الذي كانت السعودية معنيَّة فيه بأن تقْدم الولايات المتحدة على توجيه ضربة عسكرية قوية إلى الأهداف الإيرانية، فإن الإمارات طالبت بمحاولة التوصل إلى حلٍّ سياسي ودبلوماسي للأزمة”.

ولفتت المصادر إلى أن السلطات السعودية طالبت الولايات المتحدة بالرد، ليس فقط على استهداف ناقلات النفط، بل أيضاً على العمليات العسكرية التي يشنها الحوثيون في عمق الأراضي السعودية.

كما نقلت صحيفة “العربي الجديد” عن مصادر قولها، إن الخلاف بين أبوظبي والرياض حول التعامل مع طهران فاجأ الولايات المتحدة والدول الأوروبية، لافتة إلى أنه عند اختبار النتائج تبين أن سلوك ترامب ينسجم مع التوجهات الإماراتية التي يبدو أنها ترغب بالتودد لطهران.

 

تناقض!

وتعيش أبوظبي في انفصام وتناقض كبيرين؛ فهي التي قالت عبر سفيرها في واشنطن يوسف العتيبة في يوليو 2017، إن علاقة قطر المتزايدة مع إيران كانت أحد أسباب الخلاف والحصار المفروض من (مصر والإمارات والسعودية والبحرين) على الدوحة منذ يونيو 2017، لكن بلاده تقف باستمرار في مقدمة الدول التي تحتفظ بعلاقات واسعة مع طهران.

وشملت إملاءات دول الحصار المرفوضة من الدوحة، خفض التمثيل الدبلوماسي مع إيران، وإغلاق القاعدة العسكرية التركية، فضلاً عن إغلاق قنوات الجزيرة، وعدد من وسائل الإعلام، الأمر الذي رفضته الدوحة.

وسخر نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي من هذا التناقض وزيارة وفد إماراتي إلى طهران، وتساءل الإعلامي عثمان آي فرح، قائلاً :”ماذا كان سبب حصار قطر؟”.

ولم يقتصر التعاون بين الإمارات وإيران خلال فترة حصار قطر على العلاقات الاقتصادية الواسعة، بل امتد ليشمل العلاقات السياسية والاستراتيجية والعسكرية والأمنية.

وظلت تلك العلاقات بين أبوظبي وطهران على حالها من القوة والتناغم خلال السنوات الماضية، رغم محاولة مسؤولي الإمارات التصريح بعكس ذلك، رغم الخلاف مع معظم دول الخليج واحتلال إيران 3 جزر إماراتية منذ عقود.

مصالح مشتركة

ولا تذيع أبوظبي علاقاتها مع إيران، لكن على المستوى الاقتصادي تشير الأرقام إلى أن التزام الإمارات الصمت في الآونة الأخيرة تجاه التمادي الإيراني، بسبب العلاقات الاقتصادية بين البلدين والتي تعود إلى فترة استقلال دولة الإمارات عام 1971.

ومع مطلع العقد الجديد شهد التبادل التجاري بين إيران والإمارات ازدهاراً كبيراً ووصل حجم التبادل التجاري إلى 20 مليار دولار عام 2010، ليسجّل أعلى معدل له خلال هذا العقد في العام 2011 ويتجاوز الـ23 مليار دولار.

وخلال العام الفائت بلغ حجم التجارة غير النفطية بين إيران والإمارات 16.83 مليار دولار في السنة المالية المنتهية في 20 مارس 2018، بارتفاع بلغ 21.18% مقارنة بالعام السابق، وفقاً لإحصائيات إدارة الجمارك الإيرانية.

ووفق تقديرات صادرة عن وزارة الخارجية الإيرانية، يعيش في الإمارات من 400 إلى 500 ألف إيراني، نسبة كبيرة منهم من التجار ورجال الأعمال، في حين نقلت وكالة أنباء فارس عن إحصاءات صادرة عن دائرة الأحوال الإيرانية أن عدد الإيرانيين المقيمين في الإمارات يبلغ 800 ألف نسمة.