لماذا لا تنتصر مصر على الإرهاب في سيناء؟.. تساؤل يراود المصريين في أعقاب كل هجوم تشهده شمال سيناء المشتعلة منذ أكثر من 5 أعوام، ولا يجد إجابة.

فقد حرك الجيش آلياته العسكرية داخل سيناء للمرة الأولى منذ اتفاقية كامب ديفيد، وأقام منطقة عازلة هُجر فيها سكان رفح، وفُرضت حالة الطوارئ، وأُبرمت صفقات التسليح بالمليارات لمكافحة الإرهاب، غير أن التنظيمات المسلحة وفي مقدمتها تنظيم ولاية سيناء (داعش) لم تتوقف عن استهداف الجيش والشرطة على حد سواء.

59 قتيلًا في 4 أشهر!

التفجير الذي شهدته مدينة الشيخ زويد، الأحد 15 أكتوبر الجاري، وأسفر عن مقتل 6 من قوات الجيش نتيجة استهداف حاجزين أمنيين في منطقتي كرم القواديس والعجرة لم يكن الأول من نوعه خلال الفترة القصيرة الماضية.

قبلها بيومين فقط، قتل 6 أفراد من القوات المسلحة عقب مهاجمة عناصر إرهابية مسلحة أحد الارتكازات الأمنية بمدينة العريش.

وفي سبتمبر الماضي، قتل 18 شرطيا في هجوم استهدف 3 مدرعات وسيارتين للشرطة غرب العريش.

 

ضحايا سينا

وقبلها بشهر، أفادت مصادر أمنية وطبية بمقتل أربعة شرطيين -بينهم ضابط- بالرصاص عندما نصب مسلحون كمينًا لسيارتهم بمنطقة ملاحة سبيكة غرب العريش.

وفي أغسطس أيضًا قتل ضابط ومجند، تابعين لقوات الأمن بشمال سيناء، نتيجة انفجار عبوة ناسفة زرعها مجهولون بمدينة رفح.

الحادث الأضخم كان في يوليو الماضي، عندما هاجم مسلحون نقطة عسكرية في منطقة “البرث” جنوب رفح، ما أسفر عن مقتل 23 ضابطًا وجنديًا بينهم العقيد أحمد منسي قائد الكتيبة التي تعرضت للهجوم.

حصيلة تلك الهجمات اقتربت من 60 عنصرًا بالجيش والشرطة بينهم ضباط وقادة، في 4 أشهر فقط، الأمر الذي يضع علامات استفهام لا نهائية على أداء القوات المكلفة بتأمين سيناء والتصدي للتنظيمات المسلحة هناك.

ولعل النتيجة النهائية التي يمكن أن نخرج بها من تلك الحصيلة، هو أن مصر فشلت بامتياز في مواجهة الإرهاب في سيناء، وإلا ما الذي يجعله مستمرًا في حصد أرواح المصريين بهذا الشكل دون رادع؟.

اللافت في الحادث الأخير، ما تكرر في حوادث أخرى سابقة، أن بيان المتحدث العسكري للقوات المسلحة العقيد تامر الرفاعي، بدأ بالقول: “نجحت قوات إنفاذ القانون بالتصدى لمحاولة إرهابية فاشلة…”.

 

المتحدث العسكري المصري

هذه الجملة ربما تجعلنا نتساءل: أي نجاح هذا الذي حققته القوات التي سقط منها 6 قتلى غير المصابين، وكيف فشلت القوة المهاجمة؟، ما هو معيار النجاح والفشل في مثل هذه الأمور؟.

ربما يقال أن معيار النجاح الذي أشار إليه البيان، هو وقوع قتلى في صفوف الجيش أقل بكثير من قتلى المجموعة المسلحة (الربع تحديدًا).

وبحساب ميزان المكاسب والخسائر، يمكن القول بأن القوات نجحت بالفعل في صد الهجوم بأقل خسائر ممكنة، بينما أوقعت خسائر أكبر في صفوف المهاجمين.

لكن في المجمل، لا يمكن تعميم هذه الرؤية فيما يتعلق بجميع الهجمات التي تعرض لها الجيش في سيناء على مدار الفترة الماضية.

أين الأسلحة؟

فهل لا يستطيع الجيش مواجهة هذه التنظيمات المسلحة وباتت قدراتها تفوق استعداداته؟، أم أن بقاء المعركة دائرة فيه مصلحة للجميع؟.

فمن غير المستساغ أن يقال عن الجيش المصنف في مرتبة متقدمة عالميًا إقليميًا إنه عاجز عن مواجهة مجموعات من المسلحين في منطقة جغرافية محددة، بما يمتلكه من إمكانات تسليحية عالية جدًا.

إلا أن هذه الأسلحة التي أنفقت مصر عليها نحو 20 مليار دولار في تقديرات غير رسمية، منذ عام 2015، تبدو عديمة الجدوى في مواجهة التنظيمات المسلحة بسيناء، بحسب تقرير أصدره مركز “كارنيجي” للسلام يناير الماضي بعنوان “فن الحرب في مصر”.

 

طائرات الرافال التي استوردتها مصر

وقال التقرير: “إن الظهور المتطور لتنظيم داعش في سيناء يستدعي إنفاق هذه المبالغ الطائلة، غير أن أنواع الأسلحة التي تم شراؤها لا تتناسب مع هذه المهمة..

فعلى سبيل المثال، لا فائدة من مقاتلات “رافال” التي ابتيعت من فرنسا، نظرًا إلى أن الجيش المصري يملك في الأصل 230 مقاتلة “إف-16” تتمتع بإمكانات مماثلة – وهذا الرقم يفوق العدد الحالي للطيارين المدرَّبين في مصر، كما أن مروحيات “أباتشي” التي سلمتها أمريكا إلى القاهرة في ديسمبر 2014 أكثر فعالية إلى حد كبير في مواجهة التنظيمات الإرهابية”.

كما يشير التقرير إلى أن حاملتي الطائرات من طراز “ميسترال” لن تعودا بفائدة كبيرة في سيناء، حيث لا حاجة إلى تنفيذ عمليات إنزال برمائي، ويختتم التقرير: “بناءً عليه، يصعب إقامة رابط بين القتال في سيناء وواردات الأسلحة الأخيرة”.

هذا التقرير يكشف أن الجيش رغم ما يمتكله من نوعيات متقدمة من الأسلحة عاجز عن مواجهة المسلحين، لاعتبارات تتعلق بالنوعيات المناسبة لمثل تلك المواجهات.

وقود بقاء السلطة

الأمر يقود إذن إلى ما يمكن وصفه برغبة الجيش في استمرار الحرب الدائرة هناك بلا هوادة، تلك النقطة تأخذنا إلى جانب آخر من صورة المواجهات، حيث تفتقر القوات المكلفة بالمواجهة للتدريب والتسليح اللازمين والمناسبين، ولعل هذا يفسر كم الضحايا، الذي قدرته تقارير بنحو 1500 قتيل من الجيش والشرطة منذ يوليو 2013 وإلى الآن.

فهل تلقي السلطة بقوات غير مدربة كما يجب، ولا تحمل الأسلحة المناسبة، ولا تُؤمن بالشكل المطلوب، إلى التهلكة؟.

ثمة ساحات أخرى غير ساحات القتال تتحكم في مثل تلك القرارات، وهي ساحات السياسة ودوائر الحكم التي ربما ترى في استمرار الحرب وقودًا لاستمرار السلطة، بدعوى الحرب على الإرهاب.

 

رئيس جهاز المخابرات الحربية

البعبع الذي حشدت أذرع السلطة الإعلامية قواها في تجييش الناس ضده، يبدو هو السبيل لبقاء النظام الحالي في السلطة، لأنه لو زال العدو الذي تواجهه لن تجد ما تستطيع من خلاله السيطرة على الشعب وإلهاءه في موضوعات هامشية وجانبية، والعزف المستمر على وتر مكافحة الإرهاب، حتى تضمن ألا يتحدث أحد عن سوءاتها.

مصر الآن تخوض معركة حياة أو موت، فلا يجب الحديث عن تقصير أمني أو أزمات اقتصادية أو معيشية أيًا كان حجمها، بل لابد أن نركز جميعًا على تلك المعركة.

كما تبدو العمليات المسلحة شريان الحياة لحالة الطوارئ، التي جُدد العمل بها للمرة الثالثة قبل أيام ولمدة 3 أشهر، بعد القرار المثير للجدل بإحالة مجموعة كبيرة من الجرائم المنصوص عليها في قوانين الإرهاب والتظاهر والعقوبات وغيرها إلى محاكم أمن الدولة العليا طوارئ، والتي لا يتمتع فيها المتهم بأية ضمانات لمحاكمة عادلة.