العدسة- أحمد فارس
يوشك الشهر الرابع على انطلاق العملية العسكرية الشاملة “سيناء 2018” على الانتهاء، خلال أول عشرة أيام من الشهر المقبل، من دون الانتهاء تماما من تحقيق هدف العملية العسكرية بالقضاء على التنظيمات المسلحة هناك.
وينشط في سيناء تنظيم “ولاية سيناء” التابع لتنظيم “الدولة الإسلامية” المعروف إعلاميا بـ “داعش”، بشكل أساسي، إذ يفرض سيطرته ونفوذه على مناطق ليست صغيرة بداية من حدود مدينة العريش باتجاه مدينتي الشيخ زويد ورفح المصرية، فماذا تحقق؟
وعود متكررة!
في أواخر نوفمبر الماضي، تعهد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالقضاء على الإرهاب في سيناء خلال مدة أقصاها ثلاثة أشهر، متوجهًا بحديثه إلى رئيس أركان حرب القوات المسلحة الجديد الفريق محمد فريد حجازي، الذي خلف صهر السيسي الفريق محمود حجازي.
لم يكن يعلم أحد موعد انطلاق العملية العسكرية، والتي يفترض أن تبدأ المهلة فور تكليف السيسي لرئيس أركان الجيش المصري، جنبا إلى جنب مع وزارة الداخلية، إلا أن موعد الانطلاق تأخر كثيرًا.
وكان يفترض نهاية تلك الفترة بنهاية شهر فبراير الماضي، على اعتبار أنها تبدأ في مطلع ديسمبر.
وبغض النظر عن موعد انطلاق العملية المتأخرة، الذي فسره مراقبون موالون للنظام الحالي، بأن مهلة الثلاثة أشهر تبدأ مع انطلاق العملية، إلا أن المهلة بالفعل انتهت في أول عشرة أيام من الشهر الجاري.
ويوشك الشهر الرابع على الانتهاء؛ إذ بدأت العملية في مطلع فبراير الماضي، دون إعلان سيناء خالية من الإرهاب، كما وعد السيسي.
وعد السيسي العام الماضي، ليس جديدا، ولكنه يأتي في إطار سلسلة من الوعود المتكررة، والتي لم تتحقق على مستوى القضاء على الإرهاب، وربما تمتد لتشمل كل وعوده منذ وصوله للحكم، وتحديدا فيما يتعلق بتحسن الأوضاع الاقتصادية، على العكس زادت الأوضاع سوءا.
ومع كل عملية مسلحة، يخرج السيسي ليوجه حديثه للشعب المصري، متعهدا بالقضاء على الإرهاب، إلا أنه وعلى مدار ما يزيد عن 4 سنوات، لم يتحقق هذا الوعد تماما حتى الآن.
وفي إطار متابعة العملية العسكرية في سيناء، يمكن الجزم بأن معركة القضاء على الجماعات المسلحة ستستمر في ولاية السيسي الثانية، التي من المقرر أن تبدأ بحلفه اليمين الدستورية مطلع الشهر المقبل.
ولا يمكن الحديث عن وعود السيسي المتكررة التي لا تنفد، من التطرق إلى توقيت إطلاق هذه العملية، التي جاءت قبل الانتخابات الرئاسية الماضية، أي أن الهدف منها سياسي بالأساس، خاصة وأن الحرب في سيناء مستمرة منذ 2013، دون إحراز تقدم ملحوظ.
ولم تتمكن عملية “نسر” بمراحلها ولا حتى عملية “حق الشهيد” بمراحلها أيضا، من تحقيق النتائج المرجوة بالنسبة للسيسي في وقف العنف بسيناء، من دون إنكار تحقيق نجاحات في استرداد ما هو مفقود بالأساس، لمحاولة استعادة السيطرة على مدينة العريش تحديدا، والتي كانت على وشك الوقوع تماما في يد تنظيم “ولاية سيناء”، وتحديدا منذ مطلع العام الماضي، بعد التوسع في استهداف المسيحيين، وتوالي الضربات ضد قوات الجيش والشرطة.
ماذا تحقق؟
وبعد الحديث عن عدم تنفيذ وعد السيسي، يجب معرفة ماذا تحقق على أرض الواقع في سيناء؟، وماذا ينقص قوات الجيش للقضاء على المجموعات المسلحة؟.
ثمة صعوبة شديدة في تحديد ما يحدث على الأرض بسيناء منذ انطلاق العملية الشاملة، في ظل عدم وجود أي جهة محايدة تنقل الأخبار من هناك، إذ تقتصر الأخبار على ما يصدر من المتحدث الرسمي باسم الجيش المصري عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”.
ولكن الشاهد الأساسي بناء على تراجع عمليات تنظيم “ولاية سيناء” ضد قوات الجيش والشرطة، يرجح أن التنظيم تعرض لضربات كبيرة بالفعل، أو أن عناصره قررت الاختباء تماما عن الأنظار.
وفي العمليات السابقة لقوات الجيش، كان تنظيم “ولاية سيناء” يعتمد على مواجهتها بمزيج من الاختباء والمواجهة، إذ كان يعتمد على قلة الظهور والسير بأرتال عسكرية إلا لتنفيذ هجوم خاطف على أحد المقرات العسكرية، أو زرع عبوات ناسفة.
وبحسب بيانات المتحدث العسكري المصري، فإن قوات الجيش تتمكن من إبطال مفعول العبوات الناسفة في طريق القوات، وكان الأدهى هو تصوير بعض اللقطات لزرع تلك العبوات، باستخدام طائرة استطلاع، ربما تكون من نوع الطائرات من دون طيار.
وهذا إن كان يكشف عن وجود تطور كبير في آليات قوات الجيش، إلا أنه ليس معبرا تماما عن السيطرة التامة، خاصة في ظل فرضية أن التنظيم قرر الاختفاء عن الأنظار في مناطق صحراوية وجبلية وعرة يصعب الوصول لها.
وبحسب مصادر قبلية لـ “العدسة”، فإن قوات الجيش باتت تدخل إلى مناطق لم يسبق لها التواجد فيها، خاصة مع الدفع بتعزيزات عسكرية كبيرة للغاية، مقارنة بحملات الجيش السابقة.
وقالت المصادر، إن ثمة تحولات في عمليات الجيش، لناحية الاستعداد الجيد للمواجهات، وزيادة حجم التسليح في الحملات، ونشر الكمائن الثابتة والمتحركة، لإحكام السيطرة.
وأضافت أن هذه السيطرة لا يمكن الحكم عليها إلا عقب انتهاء العمليات العسكرية، وهل سيظهر عناصر التنظيم مجددا أم لا؟.
ويتوافق مع رؤية المصادر، عدم تنفيذ تنظيم “ولاية سيناء” سوى عمليتين كبيرتين، الأولى الهجوم على معسكر للجيش في وسط سيناء، الشهر الماضي، أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 20 عسكريا، وإصابة آخرين، والثانية كانت استهداف رئيس قطاع الأمن المركزي الذي نجا من التفجير، وأسفر عن مقتل مدير مكتب الأمن المركزي، الذي كان برفقته، قبل أيام.
ويتضح بمقارنة العمليات التي ينفذها التنظيم خلال حملات الجيش السابقة، أن ثمة تراجعا ملحوظا للغاية، وربما لا يتعلق فقط بعملية “سيناء 2018” فقط، وإنما أيضا بتراجع تنظيم “داعش” في المنطقة كلها، بعد الهزائم التي تلقاها في العراق وسوريا، وقبلها في ليبيا، وهو ربما أسفر عن صعوبة التواصل مع قيادات التنظيم الأم، وضعف التمويل.
وفرض الجيش المصري حصارا كبيرا على محافظة شمال سيناء مع بدء العملية الشاملة، إذ يواجه الأهالي صعوبة في التحرك والتنقل، ليس داخل المحافظة فقط، ولكن أيضا عند الدخول أو الخروج من سيناء، وسط صعوبة شديدة في ذلك، قد تمتد إلى أيام طويلة في التنسيق الأمني، ويهدف هذا بحسب تقارير صحافية، إلى منع أي إمدادات للتنظيم المسلح من دخول عناصر إرهابية إلى سيناء.
أوضاع مأساوية
وبقدر ما كانت إجراءات الجيش المصري تهدف في ظاهرها إلى تحجيم نفوذ التنظيم وحرمانه من أي إمدادات معيشية أو دخول عناصر للانضمام إليه، ولكنها ساهمت بشكل أساسي في وضع مأساوي لأهالي المحافظة.
ويدفع أهالي سيناء ثمنا باهظا في صراع ليسوا طرفا فيه، إذ ظلوا خلال السنوات الماضية الطرف الأضعف في المعادلة، بين سندان التنظيم المسلح ومطرقة الجيش.
مع بداية العملية الشاملة، منعت قوات الجيش من دخول المواد الغذائية والتموينية إلى محافظة شمال سيناء، وتحديدا إلى العريش والشيخ زويد ورفح، وسط أوضاع مأساوية شديدة للأهالي.
ومرت أيام دون أن يجد سكان المدن الثلاثة الطعام في الأسواق، باستثناء السماح لدخول بعض سيارات الخضار والفواكة، وهي بالتأكيد لا تكفي حاجة الآلاف من سكان المدن الثلاثة.
وعبر صفحة “ديوان العريش”، عبر الأهالي عن ضيقهم الشديد من الإجراءات التي يفرضها الجيش، وعقابهم على أشياء لا علاقة لهم فيها، خاصة مع نقص المواد الغذائية وعدم القدرة على إطعام الأطفال وتوفير الألبان الصناعية للرضع.
لم تتوقف الأوضاع السيئة عند هذا الحد، ولكنها امتدت لاستمرار تنفيذ مخطط إخلاء الشريط الحدودي، لتنفيذ إقامة المنطقة العازلة، التي تم اعتماد قرار تنفيذها في عهد رئيس الوزراء السابق إبراهيم محلب في عام 2014.
الأهم فيما يعرف بـ”التهجير القسري” لأهالي سيناء من منازلهم، هو عدم توفير بديل يمكن الاعتماد عليه ونقل الأهالي في منازل مجهزة، ولكن عوضا عن ذلك يتم إلقاؤهم في الشارع بخيام، فضلا عن عدم صرف تعويضات مادية.
وكشفت منظمة “هيومن رايتس ووتش“، أن الجيش المصري وسع نطاق هدم المنازل والبنايات التجارية والأراضي الزراعية شمال محافظة سيناء، منذ التاسع من فبراير/شباط 2018، ضمن حملته العسكرية على مجموعة منتمية لتنظيم “الدولة الإسلامية” هناك.
وأضافت المنظمة، أن أعمال الهدم الجديدة “طالت مئات الهكتارات من الأراضي الزراعية، وما لا يقل عن ثلاثة آلاف منزل وبناية تجارية”.
واعتبرت أن هذه هي الحملة الأكبر من نوعها منذ بدء الجيش رسميا أعمال الإخلاء في 2014.
ونفى المتحدث باسم الجيش المصري صحة ما ورد في تقرير المنظمة، مؤكدا أن الهدف من إزالة المنازل هو إقامة منطقة عازلة على الحدود وحول مطار العريش، مع تعويض الأهالي بالتنسيق مع الجهات المختصة.
ورأى مراقبون، أن مسألة إقامة منطقة عازلة حول مطار العريش غير مبرر، على الرغم من استهداف طائرة تابعة لوزارة الدفاع في المطار، كانت تقل وزيري الدفاع والداخلية.
ونصح المراقبون الجيش المصري، بنقل المطار العسكري إلى منطقة أخرى بعيدا عن التجمعات السكنية، لضمان تأمين المطار بشكل أفضل، بدلا من هدم المنازل.
ولعل الأوضاع المأساوية لم تتوقف عند هذا الحد، ولكنها امتدت لاستمرار الانتهاكات الإنسانية بحق الأهالي والقتل خارج إطار القانون -التصفيات الجسدية-، وأبرزها ما كشفه مقطع فيديو مسرب لقتل عدد من قوات الجيش لطفل بعد اعتقاله، لتصويره بأنه قتل خلال مواجهات مع قوات الجيش، خلافا للحقيقة.
أهداف غير معلنة
الإجراءات التي تنفذها قوات الجيش في سيناء، والتي لا تتعلق باستراتيجية مواجهة تنظيم “ولاية سيناء”، تضع علامات استفهام كثيرة، إذ يمكن القول إنه جرى استغلال مواجهة “ولاية سيناء” لتمرير مخططات أخرى.
وفي هذا الإطار، يمكن الوقوف كثيرا أمام استمرار مخطط الإخلاء وإقامة المنطقة العازلة عبر الحدود مع قطاع غزة، في سياق الحديث عن صفقة القرن.
ومن ضمن بنود “صفقة القرن”، بل إن جوهرها هو خطة تبادل الأراضي، أو نقل بعض سكان قطاع غزة إلى سيناء -بسحب الرغبة الإسرائيلية-، في تلك المنطقة العازلة التي تقام هناك.
وسابقا فإن تنفيذ عملية إقامة المنطقة العازلة، كانت تحدث في سياق العمليات العسكرية المتكررة، وبحسب تقارير صحفية، فإن الجيش المصري فصل مدينة رفح المصرية، بوضعه سلكًا شائكًا على عرض 13 كيلومترًا من البحر باتجاه الجنوب، مقتطعاً خمسة كيلومترات من مدينة رفح، وهي مساحة المنطقة العازلة التي بدأ الجيش في إنشائها عام 2014.
وقالت مصادر قبلية، إن “الجيش المصري بدأ بوضع سلك شائك يبلغ ارتفاعه ثلاثة أمتار ونصف المتر من منطقة ساحل بحر رفح، حيث قرية ياميت المطلة على البحر، متجهاً إلى مناطق جنوب رفح، على أن يسير في اتجاه الشرق ناحية الحدود المصرية الفلسطينية، ليقتطع المناطق كافة التي جرى جرف المنازل فيها، كحي الإمام علي والبرازيل والصرصورية والماسورة والكوثر وحي الرسم والبراهمة والزعاربة، وغيرها من القرى الصغيرة”.
اضف تعليقا