العدسة_ مؤيد كنعان

يقف القادة الأكراد الآن وسط مدينة الرقة، بعد سيطرتهم عليها وطرد تنظيم “الدولة”، ينظرون لبعضهم البعض، عيونهم جميعًا داخلها قلق مقروء وواضح، أما مبعث هذا القلق، فهو السؤال: ماذا بعد؟

السؤال المقلق لا يحمل فقط رفاهية التخطيط لمستقبل ما بعد السيطرة على الرقة وإمكانية الانطلاق للسيطرة على مزيد من الأراضي..!!

ولكن يتعلق أيضًا بحيرة اللحظة الراهنة، حيال الحلف الأمريكي ومدى استمرار دعمه للأكراد، وعدم ارتكاب “خيانة” كما حدثت في كركوك منذ أيام، كما يراها الكرد، عندما تخلت واشنطن عن كردستان العراق وتركت “بارزاني” ومئات من مقاتليه وحدهم أمام قوات الجيش العراقي وميليشيات الحشد الشعبي.

تجربة كركوك

نستطيع الجزم الآن أن ذكريات كركوك المؤلمة تحاصر أكراد سوريا وتدفعهم للتفكير ألف مرة، قبل التمادي مع أمريكا فيما بعد الرقة، هم حتى لا يثقون في واشنطن بالقدر الكافي، بعد ما حدث في كردستان.

هل إذا قرر النظام السوري، مدعوما بروسيا شن حملة لاستعادة الرقة من قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، سيجد مقاومة ورفضًا من الولايات المتحدة، أم أنها ستترك الأكراد في الرقة لمصيرهم كما حدث في العراق منذ أيام؟ إنها حتى لم تُدِن ما حدث في كركوك.. هذا هو لب الموضوع.

ما عزز هذه المخاوف لدى الأكراد في سوريا هو عدم اتفاق واشنطن مع قوات سوريا الديمقراطية على استمرار التقدم بعد الرقة، مما جعل الأمر شديد الغموض والقلق أيضا، وهناك أنباء تشير إلى أنّ أمريكا تركت الخيار للأكراد في مواصلة التقدم بعد الرقة أو الوقوف.

لكن لحظة كتابة هذه السطور، تناقلت وكالات الأنباء أخبارًا تفيد بأنّ قوات سوريا الديمقراطية  سيطرت على حقل نفط رئيسي في محافظة دير الزور، وهو حقل “العمر”، أحد أكبر حقول النفط السورية والذي يقع على الضفة الشرقية لنهر الفرات..

هذه السيطرة ربما تعقد الأمور أكثر ويتطلب الامر مزيدًا من الدعم الأمريكي، لأن السيطرة على هذا البئر المهم ستثير شهية دمشق وموسكو لطرد الأكراد منه، ولا ينسى أحد أن الجيش العراقي عندما انهار أمام تنظيم الدولة كان الباب مفتوحًا أمام الأكراد للسيطرة على حقول نفط كركوك، لكن الأمر مثّل ازعاجًا للعراق وإيران.

ما دعم القلق أيضًا أن الأكراد علموا جيدًا أن كل ما يهم واشنطن هو مكافحة تنظيم “الدولة” وإيجاد وقود للمعركة ضده، وبالفعل كان الدعم الأمريكي للأكراد في شمال العراق لأجل محارية التنظيم…

لكن عندما سيطر الجيش العراقي وميليشيات الحشد الشعبي على زمام الأمور ودحروا التنظيم في معظم أنحاء العراق، تخلّت واشنطن عن الأكراد، وهو ما يبدو أنه قد يتكرر في سوريا، نظرا لأن تنظيم “الدولة” هناك أيضا فقَد معظم قواته على أيدي قوات النظام السوري والقوات الروسية.

وضع معقد

الوضع في شمال سوريا بات أكثر تعقيدا، وربما يشهد تطورات لم تكن في حسابات البعض، خصوصا وأن الشمال يعد رمانة الميزان بين الدول الكبرى في سوريا، تركيا تريد منع دويلة الأكراد، والروس يدعمون الأسد ويبحثون تمكينه، بينما الأمريكان لا تُعْرَف وجهتهم هل يواصلون دعم الأكراد أم أنهم سينسحبون ويتركونها عرضة للتقدم من قبل قوات الأسد، تماما كما فعلوا مع أكراد العراق.

في تحليل لصحيفة “واشنطن بوست” عن الأمر، نقلت عن نيكولاس هيراس”، المحلل الأمني الأمريكي قوله إن الأمر سيكون كارثياً إذا ما قررت الولايات المتحدة الانسحاب من تلك المناطق التي يسيطر عليها الأكراد في سوريا.

ولفتت الصحيفة إلى أنه “لم يعرف فيما إذا كانت إدارة ترامب مستعدة للبقاء في شمال شرق سوريا لتوفير الحماية لحلفائها الأكراد أم أنها ستنسحب..

وبالتالي فإنها قد تتركهم عرضة للتقدم من قِبل قوات النظام السوري، تمامًا كما فعلت مع أكراد العراق عندما سمحت واشنطن للحكومة المركزية ببغداد باستعادة مدينة كركوك من قبضة القوات الكردية التي كانت تحكم المدينة”.

كيف سيتصرف الأكراد؟

وفقًا لمحللين، فإنّ أكراد شمال سوريا لا يوجد أمامهم خيارات كثيرة، وفي حال بدت بوادر من أمريكا بتخليها عنهم، فإن بدائلهم هي:

قد يلجئون إلى التكتل الروسي التركي، فمن ناحية، روسيا تمتلك مفاتيح مهمة للوضع في سوريا، ومن ناحية أخرى ستكون موسكو ضامنًا لعدم فتك تركيا بالأكراد.

في هذا الإطار، ينظر إلى الزيارة المفاجئة التي أجراها وفد روسي، مصطحباً معه آخر تركي إلى مناطق كردية في سوريا، وإجراء مباحثات مع مسؤولين أكراد.

تنسيقيات مسلحين أكراد قالت إن مروحيات روسية هبطت في مطار منج العسكري الخاضع لسيطرة القوات الكردية في ريف حلب الشمالي، ترافق ذلك مع دخول وفد روسي – تركي إلى المطار والمناطق المحيطة.

وأضافت التنسيقيات أن الوفد زار مدينة تل رفعت، وبقرى، وبلدات كفرنايا  منغ،  ومرعناز، وحربل، ودير جمال.

ولا ننسى أنه كان هناك تنسيق عسكري من قبل بين قوات سوريا الديمقراطية والقوات الروسية، والتي ساعدتهم على استعادة مطار منج من تنظيم القاعدة في 2016.

عزيز بارزاني، المحلل العراقي المختص في الشأن الكردي والعلاقات الأمريكية الكردية، قال في تصريحات إعلامية، إن “أكراد سوريا يسألون ماذا سيكون مستقبلهم في حال انسحبت الولايات المتحدة بعد طرد داعش من الرقة؟”، مبيناً أن “الروس على الخط أيضاً، والأكراد لديهم علاقات معهم”.

وتابع المختص في الشأن الكردي: “إذا افترضنا انسحاب أمريكا فسيكون الروس على الخط، وسيحاولون أن يكونوا حلقة وصل بين الأكراد والحكومة السورية، على الرغم من تقارب أمريكا وأكراد سوريا، إلا أنّ لديهم أيضًا علاقات مع الروس”.

لكن وجهة نظر أخرى تشير إلى أنّ التمسك الأمريكي بأكراد سوريا سيكون مهمًا، ولكن بحدود، لإحداث توازن مهم مع الروس والأتراك، ولئلا تفقد واشنطن جميع أوراقها بالمنطقة، لكن أكراد سوريا قيل لهم بوضوح من العديدين: “إذا كنت عدو أمريكا فاحذرها مرة، أما إذا كنت صديقها فاحذرها ألف مرة”.