في تصريح صادم يحمل الكثير من المعاني الخطيرة: خرج الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ليؤكد بثقة أن مصر والأردن ستقبلان الفلسطينيين من غزة، رغم الرفض العلني الذي أبداه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والملك الأردني عبد الله الثاني لأي محاولات لتهجير الفلسطينيين خارج وطنهم. تصريح ترامب، المعروف بوقاحته في التعامل مع الحلفاء الأدنى منزلةً، يفتح الباب أمام تساؤلات خطيرة: هل هناك اتفاق سري؟ وهل ما يجري أمام الكاميرات مجرد مسرحية سياسية؟
ترامب لا يكذب.. ولكنه يفضح!
على مدار سنوات، لم يكن ترامب بارعًا في الدبلوماسية، لكنه كان دائمًا فاضحًا للكواليس السياسية. حين وصف محمد بن سلمان بأنه “ساذج يستطيع أخذ الكثير من الأموال منه متى شاء” لم يكن يكذب، بل كان يكشف حقيقة علاقة واشنطن بحلفائها في الشرق الأوسط. واليوم، عندما يتحدث عن أن مصر والأردن ستوافقان على استقبال الفلسطينيين، فمن أين يستمد هذه الثقة؟
المشهد يبدو وكأن السيسي والملك عبد الله يقولان أمام الإعلام: “لن نسمح بتهجير الفلسطينيين!”، ثم يأتي ترامب ليصفع الجميع بحقيقة أخرى: “سيفعلان ذلك!”. فهل ترامب يتحدث عن تفاهمات خلف الكواليس لم تخرج إلى العلن بعد؟ أم أنه مجرد أسلوب الضغط المهين الذي اعتاد استخدامه مع حلفائه؟
رفض رسمي.. لكن ماذا عن الواقع؟
مصر والأردن أعلنا رفضهما الصريح لأي خطط إسرائيلية لتهجير الفلسطينيين إلى أراضيهما. السيسي أكد أن بلاده لن تشارك في “ظلم تاريخي” بتهجير الفلسطينيين، والملك عبد الله شدد على أن “فلسطين للفلسطينيين” وأن أي تهجير هو خط أحمر لن يسمح بتجاوزه.
لكن هذه التصريحات تظل مجرد كلمات أمام الضغوط السياسية التي تمارسها واشنطن وتل أبيب. فبينما يرفض السيسي والملك عبد الله الخطة علنًا، فإن الأوضاع الميدانية تثير الشكوك.
الحدود المصرية مع غزة تشهد استنفارًا أمنيًا غير مسبوق، وسط تقارير عن بناء منشآت على الجانب المصري من الحدود، فهل هي استعدادات لاحتواء لاجئين فلسطينيين رغم النفي الرسمي؟
التواجد الأمريكي والإسرائيلي في سيناء تحت غطاء “مراقبة الأوضاع الأمنية”، يثير تساؤلات حول ما إذا كانت مصر بالفعل مهددة بخطة تهجير قسري تمضي قدمًا دون إعلان رسمي.
الضغط الاقتصادي والسياسي على الأردن، الذي يعاني من أزمات اقتصادية خانقة، قد يجعله أكثر عرضة للإملاءات الأمريكية في ظل تهديدات بتقليص الدعم العسكري والاقتصادي.
هل هناك اتفاق سري؟
ترامب ليس سياسيًا محنكًا، لكنه رجل صفقات. وحينما يتحدث بهذه الثقة عن قبول مصر والأردن للفلسطينيين، فإنه يستند غالبًا إلى معلومات حصل عليها من قنوات رسمية، وربما من اتفاق غير معلن يجري العمل عليه خلف الأبواب المغلقة.
فالولايات المتحدة وإسرائيل لا تطلقان تصريحات عبثية، والحديث المتكرر عن “الخطة البديلة” لحل القضية الفلسطينية، التي تتضمن نقل الفلسطينيين من غزة إلى سيناء أو الأردن، يؤكد أن شيئًا ما يتم الترتيب له، سواء بقبول أو إجبار الدول المعنية.
لكن يبقى السؤال الأكبر:
إذا كانت القاهرة وعمان صادقتين في رفضهما، فلماذا لا تواجهان ترامب بمواقف فعالة وليس مجرد تصريحات إنشائية لا تغير من الواقع شيئًا؟
ترامب و”العبيد الجدد” في الشرق الأوسط
منذ وصوله إلى البيت الأبيض في 2016، تعامل ترامب مع زعماء الشرق الأوسط وكأنهم أتباع له، وليسوا قادة دول ذات سيادة. وصف محمد بن سلمان بـ”البقرة الحلوب”، وطلب من السعودية دفع الأموال مقابل الحماية، وتحدث عن شراء الولاء بالضغط السياسي والاقتصادي. واليوم، يبدو أنه يطبق الأسلوب نفسه مع مصر والأردن.
عبارته الوقحة “سيفعلان ذلك” ليست زلة لسان، بل رسالة مهينة تقول إن قرارات الحلفاء الضعفاء لا تُحترم في واشنطن.
ماذا بعد؟
تصريح ترامب يعيد فتح الجدل حول ما يجري خلف الكواليس في ملف التهجير القسري للفلسطينيين، ومدى استقلالية القرار المصري والأردني في مواجهة الإملاءات الأمريكية. الأيام القادمة ستحمل المزيد من الإجابات، لكن الواضح أن الرفض العلني شيء، والتنفيذ الفعلي قد يكون شيئًا آخر تمامًا.
اضف تعليقا