مثلت فشل مفاوضات كينشاسا بين مصر والسودان وإثيوبيا، التي دعت إليها الرئاسة الكونغولية للاتحاد الإفريقي، ومع اقتراب الملء الثاني لسد النهضة لحظة فارقة ضاق فيها النطاق الزمني لحل الأزمة سياسياً، وتصاعد في موازاة ذلك احتمالات الحلول الخشنة، بما في ذلك خيار قصف مصر لسد النهضة لا سيما بعد تلويح السيسي بتنفيذ عمل عسكري أو استخباراتي ضد أديس أبابا، واعتبار وزير خارجيته سامح شكري أن مفاوضات كينشاسا هي الفرصة الأخيرة لحل الأزمة سياسيا.

ولكن يظل السؤال الذي يشغل بال المصريين والأثيوبيين على حد سواء بل ولن نبالغ إذا قلنا أنه قد يكون الملف الأكثر حضورا في الساحة الدولية السياسية خلال المرحلة المقبلة، يصبح التساؤل: ما خيارات مصر والسودان القادمة، وهل يصل الأمر إلى الحرب بينهما وبين أديس أبابا، وما احتمالات الرد الإثيوبي، والموقف الدولي والإفريقي من الخيارات المصرية السودانية الخشنة؟

مسار مختلف

وفي خضم ذلك التوتر المتصاعد بين مصر وإثيوبيا بشأن السد، وقعت القاهرة والخرطوم الشهر الماضي اتفاقية تعاون عسكري، إضافة إلى تنفيذ البلدين مناورات جوية مشتركة، وتبادل زيارات رفيعة، أعقب ذلك اتفاقا لتبادل المعلومات العسكرية مع أوغندا، وأعقبه توقيع بروتوكول تعاون عسكري مع بوروندي، وهما من بين 11 دولة تقع على حوض نهر النيل.

ووفق ما نقلته قوات الدفاع الشعبية الأوغندية (القوات المسلحة)، فقد وُقع الاتفاق بين جهاز المخابرات المصرية ورئاسة المخابرات العسكرية التابعة للقوات الأوغندية، وارتبط الاتفاق بصورة مباشرة بنهر النيل، حيث نقل البيان الأوغندي عن اللواء سامح الدجوي -الذي ترأس وفد المخابرات المصرية إلى كمبالا- قوله إن بلاده وأوغندا تتقاسمان مياه النيل، وأن ما يؤثر على الأوغنديين يؤثر بشكل أو بآخر على مصر.

كما شهد السبت الماضي إعلان الجيش المصري توقيع مصر وبوروندي بروتوكول تعاون عسكري يتضمن التعاون في مجالات التدريب والتأهيل بما يتيح تبادل الخبرات بين الجانبين، في وقت يتصاعد فيه حديث المسؤولين المصريين عن وصول المفاوضات مع أديس أبابا إلى طرق مسدودة، وتحذيرات من نشوب صراع مسلح بسبب السد الإثيوبي.

اتفاق المبادئ

لكن الجانب الإثيوبي يستند بقوة على اتفاق المبادئ الذي وقعت عليه مصر في 23 مارس 2015، لشرعنة إتمام ملء سد النهضة بدون الرجوع إلى كل من القاهرة والخرطوم، رغم فشل جميع المفاوضات وآخرها تلك التي عقدت مطلع الأسبوع الجاري في كينشاسا عاصمة جمهورية الكونغو الديمقراطية.

في الوقت نفسه، يلوم رافضو الانقلاب العسكري في مصر قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي كونه وقع على اتفاق تعتبره إهدارا لحقوق مصر التاريخية في نهر النيل، بينما يقول مؤيدو الانقلاب إن الاتفاق يخلو من أي شرعنة تدعيها إثيوبيا أو إهدار لحقوق مصر التاريخية في مياه نهر النيل.

بنود الاتفاق

وفق الهيئة العامة للاستعلامات المصرية ينص الاتفاق على 10 بنود أو مبادئ هي:

– التعاون: على أساس التفاهم المشترك، المنفعة المشتركة، حسن النوايا، المكاسب للجميع، ومبادئ القانون الدولي، والتعاون في تفهم الاحتياجات المائية لدول المنبع والمصب بمختلف مناحيها.

– التنمية والتكامل: فالغرض من سد النهضة هو توليد الطاقة، والمساهمة في التنمية الاقتصادية، والترويج للتعاون عبر الحدود، والتكامل الإقليمي من خلال توليد طاقة نظيفة ومستدامة يعتمد عليها.

– عدم الضرر: سوف تتخذ الدول الثلاث كافة الإجراءات المناسبة لتجنب التسبب في ضرر ذي شأن خلال استخدامها للنيل الأزرق والنهر الرئيس.

– الاستخدام المنصف: سوف تستخدم الدول الثلاث مواردها المائية المشتركة في أقاليمها بأسلوب منصف ومناسب، ولضمان ذلك، سوف تأخذ الدول الثلاث في الاعتبار كافة العناصر الاسترشادية ذات الصلة.

– التعاون في الملء والإدارة: تستخدم الدول الثلاث، بروح التعاون، المخرجات النهائية للدراسات المشتركة الموصى بها في تقرير لجنة الخبراء الدولية والمتفق عليها من جانب اللجنة الثلاثية للخبراء.

– بناء الثقة: سيتم إعطاء دول المصب الأولوية في شراء الطاقة المولدة من سد النهضة.

– تبادل المعلومات: سوف توفر كل من مصر وإثيوبيا والسودان البيانات والمعلومات اللازمة لإجراء الدراسات المشتركة للجنة الخبراء الوطنين، وذلك بروح حسن النية وفي التوقيت الملائم.

– أمان السد: تقدر الدول الثلاث الجهود التي بذلتها إثيوبيا حتى الآن لتنفيذ توصيات لجنة الخبراء الدولية المتعلقة بأمان السد.

– السيادة ووحدة إقليم الدولة: سوف تتعاون الدول الثلاث على أساس السيادة المتساوية ووحدة إقليم الدولة والمنفعة المشتركة وحسن النوايا، بهدف تحقيق الاستخدام الأمثل والحماية المناسبة للنهر.

– مبدأ التسوية السلمية للمنازعات: تقوم الدول الثلاث بتسوية منازعاتها الناشئة عن تفسير أو تطبيق هذا الاتفاق بالتوافق من خلال المشاورات أو التفاوض وفقا لمبدأ حسن النوايا.

خيارات محدودة

وأمام هذه البنود التي وقعت عليها مصر، تجد الأخيرة نفسها محصورة في ردود أفعال محدودة للغاية، لاسيما وأن الموقف الأثيوبي قوي من ناحية فرض الأمر الواقع، ومن الناحية النظرية أيضا، باعتبارها تستند إلى اتفاق معلن مع مصر تقر فيه الأخيرة بشكل واضح موافقتها على بناء السد دون أي تفاصيل معطلة.

وتماشيا مع هذا الواقع، فإن مصر اكتفت خلال المرحلة الماضية بالتصريحات، وجددت القاهرة رفضها المقترح الإثيوبي لتبادل المعلومات بشأن الملء الثاني لسد النهضة، وقالت إن أديس أبابا لم تحترم الالتزام بإعلان المبادئ الموقع عام 2015.

وفي أقوى لهجة تهديد لأديس أبابا، قال السيسي في 30 مارس الماضي إن مياه النيل خط أحمر، ولن نسمح بالمساس بحقوقنا المائية، وأي مساس بمياه مصر سيكون له رد فعل يهدد استقرار المنطقة بالكامل.

وقال وزير الخارجية المصري سامح شكري إنه إذا حاول أي طرف المساس بمصالح الشعب المصري فإن مصر لديها القدرة على التصدي له، مشيرا إلى أنه إذا وقع ضرر على حقوق بلاده المائية فإن ذلك يعد عملا عدائيا، وأن كل الخيارات مطروحة في حال وقوع ضرر على المصالح المائية المصرية بسبب السد.

واقترحت مصر والسودان ضم الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والأمم المتحدة كوسطاء، بالإضافة إلى دور الاتحاد الأفريقي الحالي في تسهيل المحادثات. وقالت الدولتان إن إثيوبيا رفضت الاقتراح خلال اجتماع كينشاسا الذي لم يسفر عن شيء، لتعود الأمور مجددا إلى نقطة الصفر.