العدسة – كنان الشامي
لم تمض سوى 6 أشهر، على تقديم “السعودية” شقيقتها الخليجية دولة “قطر” هدية للإيرانيين، عقب فرض الرياض ومعهم أبو ظبي والمنامة والقاهرة، حصارا شديدا على الدوحة بسبب مزاعم دعمها لطهران، حتى اعتبر محللون أن الإستراتيجيات الخاطئة للمملكة في الملف الفلسطيني، وآخرها الصمت على إعلان “ترامب” القدس عاصمة لإسرائيل، سيقدم فلسطين على طبق من فضة للنظام الإيراني .
ففي الوقت الذي كانت فيه ضاحية بيروت الجنوبية، معقل حزب الله اللبناني (المدعوم من إيران)، في 11 ديسمبر الجاري، مسرحا لاحتجاجات قوية وغاضبة على إعلان “ترامب” أن القدس عاصمة لإسرائيل، خرج آلاف من المتظاهرين يهتفون: ” الحرب حتى النصر”، ولوحوا بالأعلام الفلسطينية، كما خطب حسن نصر الله زعيم الحزب، وحث الجماعات المقاومة على التوحد لمواجهة إسرائيل .
في الوقت ذاته، غاب التفاعل القوي من قبل العديد من العواصم العربية على إعلان “ترامب” الصادم، وكانت السعودية على قائمة الدول التي التزمت الصمت في هذا الصدد، بسبب انغماسها في تحالف مع الأمريكيين، ومؤخرا مع الإسرائيليين؛ من أجل الحصول على دعمهم لمواجهة النفوذ الإيراني المتزايد في المنطقة .
الملك سلمان و “نجله”
ويرى مراقبون غربيون أن “ترامب” – حليف المملكة- ربما لم يكن يدري أن إعلانه الذي كان يهدف لاستمالة المحافظين، بما في ذلك الإنجيليون والصقور المؤيدون لإسرائيل، سيمنح- دون أن يدرك- دولة شرق أوسطية يناصبها العداء ميزة نوعية، وهي دولة إيران .
كما يرون أن “ترامب” من خلال منحه الإسرائيليين هذا الفوز الرمزي الكبير بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل، أكد حجة إيران بأنها وليس السعودية حليفة أمريكا، هي المدافع الحقيقي عن فلسطين .
وقال مؤسس مجموعة “كورنرستون” للاستشارات السياسية “غانم نسيبة” قرار “ترامب” يعد بمثابة هدية على طبق من فضة لإيران، فلو كان الإيرانيون هم من وضعوا تلك الإستراتيجية فإنهم لم يكونوا ليتمكنوا من تنفذيها على نحو يفيدهم مثلما فعل “ترامب” بإعلانه، وسوف يضيف الإعلان مزيدا من التمكين للموقف الإيراني في مواجهة السعودية .
فتاريخيا صَوَّرت المملكة العربية السعودية نفسها كحارس للقضية الفلسطينية .
ويعتقد مراقبون أن القرار يمَكِّن إيران من أن تستند إلى ما تسميه ” محور المقاومة” الذي يضم سوريا وحزب الله وبعض المليشيات العراقية، وحماس، إنهم فقط المعارضون الحقيقيون للولايات المتحدة وإسرائيل .
وذكر “جوناثان رينهولد”، وهو باحث بارز في مركز بيجين – السادات للدراسات الإستراتيجية في إسرائيل: “إذا اشتعلت نيران قرار “ترامب” بشأن القدس، فإن إيران ستفوز .. فالصراع الإسرائيلي الفلسطيني هو البنزين.. أي أن الزيادة المستمرة في المواجهة الإسرائيلية مع حماس أو حزب الله تعزز نفوذ إيران” .
ووفقا لـ”أماتزيا برام”، الخبير في الإسلامي الشيعي في جامعة حيفا فإن عدم الاستجابة القوية لخطوة “ترامب” من قادة الدول ذات الأغلبية السنية، مثل مصر والأردن، يعطي إيران فرصة لاستغلال الأمر .
أضاف “برام” أن صمت القاهرة وعمان تجاه أمريكا وإسرائيل ينظر إليه في العالم السني على أنه إهمال لواجباتهما.. بينما الدعاية الصاخبة جدا من قبل طهران وبيروت تحظى بشعبية كبيرة لأن القدس هي القدس بالنسبة لكل المسلمين سواء كانوا سنة أو شيعة أو غيرهم .
وتعد محنة الفلسطينيين هي القضية الوحيدة التي يمكن للمسلمين في الشرق الأوسط الاتفاق عليها، لكن في خضم الربيع العربي، والغزو الأمريكي للعراق، والحرب الأهلية في سوريا، فقدت القضية بعضا من اهتمام الشارع العربي بها .
سوريا بعد “الحرب”
وبما أن المملكة تسعى إلى إقامة علاقة أوثق مع الولايات المتحدة، وتركز على احتواء النفوذ الإيراني، فإن دعم فلسطين لم يعد بنفس الحماس الذي كانت عليه المملكة قبل ذلك، ففي عام 2002، وبعد أن حاصرت القوات الإسرائيلية الضفة الغربية، أمر الملك فهد بجمع تبرعات للفلسطينيين وفي ثلاثة أيام جمع 100 مليون دولار، وتبرعت شركة النفط بمليون ريال، وفي المقابل تلعب إيران لعبة طويلة المدى عندما يتعلق الأمر بفلسطين، فبعد الثورة الإسلامية 1979، بدأت إيران يوما وطنيا للاحتفال بالقدس، لدعم الفلسطينيين ونشر نفوذها الإقليمي .
قال كامران بخاري كبير المحللين ببرنامج التطرف بجامعة جورج واشنطن إن إستراتيجية إيران هي استغلال أية مشكلة في العالم العربي، وقرار القدس بطريقة معقدة يعزز من النفوذ الإيراني في المنطقة، وهذا ليس شيئا يريده “ترامب” ولكنه نتيجة غير مقصودة .
من جانبه، أكد أجنس ليفالويس، أستاذ العلوم السياسية، والمتخصص في شئون الشرق الأوسط، أن إعلان القدس عاصمة لإسرائيل بمثابة مخاطرة بالنسبة للمملكة، خاصة في مواجهة طهران، وستكون قضية القدس اختبارا لقدرة المملكة العربية السعودية على التأثير في المنطقة.
الرئيس الإيراني “حسن روحاني”
وقال “ليفالويس”: أعتقد أن الجزيرة العربية لا تستطيع أن تدع إيران تأخذ زمام المبادرة في قضية القدس، وفي الوقت نفسه، ترتبط المملكة ارتباطا وثيقا بإدارة “ترامب”، كما كان هناك تقارب أيضا بين المملكة وإسرائيل في الأسابيع الأخيرة.
وأضاف: سيكون من الصعب جدا على السعوديين الحفاظ على بداية التفاوض أو التقارب مع إسرائيل، وإرضاء الأمريكيين، وإذا ما فعلوا ذلك، فإنهم سيخاطرون بترك الأزمة في أيدي إيران، وهو أمر لا يمكن تحمله على الإطلاق بالنسبة للسعودية.
وفى السياق ذاته، قال المحلل الإيطالي روبرتو فيفادلي: إن منظمة التعاون الإسلامي كانت تتبع تقليديا للسعودية، إلا أن وثوق العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة وإسرائيل، مهد السبيل أمام طهران وأنقرة لتبوء دور قيادي في المنطقة، ويبدو أن عصا القيادة في العالم الإسلامي تنتقل الآن بعد زمن طويل إلى أيد غير عربية.
وأضاف أن القضية الفلسطينية أصبحت مسألة إسلامية أكثر من كونها عربية، وهذا ما كانت تريده طهران دائما، ويؤكد هذا التحول التاريخي على تناقص وزن السعودية في الحراك السياسي بالمنطقة .
اضف تعليقا