العدسة – باسم الشجاعي
“الشيطان يكمن في التفاصيل”.. مقولة غير معروف على وجه الدقة من هو قائلها، إلا أنها تلخص قرار ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان”، برفع أسعار المشتقات النفطية، في بلد غنية بالبترول، وسر اختيار توقيتها مع بداية العام الجديد “2018”.
قرار رفع الأسعار من المؤكد أنه سيزيد من رقعة الغضب ضد الشاب الطامح للسطلة ولي العهد؛ حيث إن السعوديين يعشيون في حالة من “الترقب الحذر” بسبب ارتفاع الأسعار وتكاليف المعيشة، نتيجة لتطبيق ضريبة القيمة المضافة، بواقع 5% على السلع والخدمات، ورفع أسعار منتجات الطاقة، فضلا عن ارتفاع معدل البطالة.
ولكن يبقى السؤال الأهم، ما الأسباب الخفية التي دفعت “بن سلمان” لاتخاذ مثل هذا القرار؟، وهل ستشهد السعودية مظاهرات غاضبة على غرار ما يحدث في إيران ضد قرارات رفع الأسعار؟
سر التوقيت
اختيار توقيت قرار السلطات السعودية، مساء “الأحد” 31 ديسمبر الماضي، لرفع أسعار البنزين بداية من العام الميلادي الجديد 2018، ليس محل صدفة، ولكن جاء في توقيت مناسب؛ حيث ينشغل معظم المواطنين باحتفالات رأس السنة الميلادية، وخاصة أنها تأتي في توقيت تشهد في الرياض حالة من الانفتاح نحو الغرب، مما يجعل صدور القرار أمرا سهلا على الدولة، وخاصة وأن الارتفاعات كبيرة.
فقد تراوحت النسبة ما بين 82 إلي 126%؛ حيث وصل سعر لتر بنزين 91 بعد الزيادة الجديدة إلى 1.37 ريال للتر (0.36 دولار)، بارتفاع عن سعره السابق الذي كان يبلغ 0.75 ريال (0.20 دولار)، في حين سيباع بنزين 95 بسعر 2.04 ريال للتر (0.54 دولار)، بارتفاع عن سعره السابق الذي كان يبلغ 0.90 ريال (0.24 دولار)، بزيادة بنسبة 126.6%، وسيظل سعر الكيروسين والديزل للشاحنات دون تغيير، إذ بقي الأول عند سعر 0.47 ريال للتر (0.126 دولار)، والثاني عند سعر 0.64 ريال للتر (0.17 دولار).
وبعد ساعات من القرار، كانت البورصة السعودية الأكبر في العالم العربي، كانت أول الخاسرين من قرار رفع أسعار المواد البترولية؛ حيث انخفض مؤشرها الرئيس “تأسي” بنسبة 0.45% إلى 7194 نقطة، مع انخفاض أسهم المواد الأساسية يتصدرها “سابك” بنسبة 0.74%.
غضب إلكتروني
البورصىة السعودية ليست فقط المتضررة من القرار، بل اتسعت رقعة الغضب بين المواطنين، وعلى غير المعتاد في هذا الوقت من العام، بأن تتصدر وسوم الاحتفال برأس السنة الجديدة قائمة الترند “الأعلى تداولا” في “تويتر”، حيث احتل وسم #رسميا_رفع_أسعار_البنزين قائمة الترند العالمي بعد قرار السلطات السعودية رفع أسعار المشتقات النفطية.
واشتعل تويتر بعدة وسوم بعد القرار، منها #الراتب_ما يكفي_الحاجة، و#رفع_أسعار_البنزين، عبّر السعوديون من خلالها عن غضبهم من هذا القرار الذي وصفوه بالظالم وغير المدروس.
وعبر هذا الوسم، غرد “خالد المتيهي” قائلًا: “مقر عملي يبعد ٨٠ كيلو، وكنت أدفع بنزين يوميًّا ٣٠ ريالا (٦٠٠ ريال شهرياً) طبعًا ٢٠ يوم بالشهر من غير مشاويري الخاصة، وارتفع بنزين ٩١ (٨٢٪)، ٦٠٠+٨٢٪ (٤٩٢) = ١٠٩٢ ريالا، عشان أروح الدوام (أذهب للعمل)، حساب المواطن أعطاني ٣٠٠ ريال فقط”.
بينما، وصف “تركي الشلهوب“، حال السعوديين بعد القرار، قائلًا: “المواطن صار مثل سيخ الشاورما.. النار في وجهه والسكين خلفه.. وجالس على خازوق!”.
فيما اقترح، حساب يدعى “عبد الرحمن”، فكرة لتجاوز الأزمات المترتبه على القرار، قائلًا: “قاطعو الملاعب والحفلات والفعاليات أي ريال أنتَ وأسرتك أولى به”.
أما “عبد الله الملا“، فانتقد السلطات السعودية، قائلًا: “لماذا تكذبون على شعوبكم؟.. هذه الضرائب والأعباء نتيجة للمليارات التي أخذها “ترامب”، وذيل التدوينة الخاصة به بصورة لجريدة “الحياة” السعودية تؤكد عدم رفع الأسعار في 2018.
فيما ذكَّر آخرون بحذف وكالة الأنباء السعودية “واس”، تغريدة نشرتها عبر صفحتها الرسمية على موقع “تويتر”، مفادها إعلان وزير الطاقة “خالد الفالح”، أن أسعار الطاقة لن تشهد ارتفاعا خلال عام 2018.
وأكدت الوكالة السعودية، في التغريدة التي نشرتها يوم 20 ديسمبر 2017، على أنه سيتم البدء في هذا الإجراء من العام الذي يليه، مع الأخذ في الحسبان دعم برنامج حساب المواطن قبل الإعلان عن أي زيادة.
وأعادت الوكالة الرسمية نشر التغريدة بعد تصحيحها: “الفالح يؤكد أنه لن يتم تصحيح أسعار الطاقة على القطاع الصناعي خلال عام 2018، وسيُستحدَث برنامج على غرار برنامج حساب المواطن، لتمكين القطاع من رفع الكفاءة والتأقلم مع ارتفاع تكلفة الطاقة”.
تغطية مغامرات “بن سلمان”
بعيدا عن الغضب الإلكتروني الذي تشهده السعودية منذ قرار رفع الأسعار، فقد ذهب الأكاديمي الإماراتي، الدكتور “سالم المنهالي”، إلي أن القرار يهدف لتغطية مغامرات ولي العهد الخارجية على حساب المواطن السعودي.
“المنهالي”، قال في تغريدة له على موقع “تويتر”: “رفع الأسعار وفرض الضرائب، يجري لتغطية مغامرات “محمد بن سلمان” الخارجية وتهوره، خاصة أن السعودية أكبر منتج للنفط”.
الكاتب والإعلامي السعودي الشهير “جمال خاشقجي” أكد ما قاله “المنهالي”، مشيرا إلى أن مسألة الحكم في السعودية حسمت لصالح ولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان”، وقد يتخذ خلال وقت قريب قرارات جريئة بـ”تقليص العائلة المالكة في السعودية”، وذلك وفق ما صرح به في حوار مع قناة “التليفزيون العربي”.
هل سيثور الشباب ضد “بن سلمان”؟
قرارات “بن سلمان” الأخيرة ستزيد من اتساع رقعة الغضب منه، وخاصة الشباب الذي تُقدر نسبته بنحو 70% تحت سن الثلاثين، مما يشير إلي أن الاتجاه يسير نحو ثورة ضد طموحات الأمير الشاب الطامح للسطلة.
ما يعزز ذلك أن حوالي 25% منهم عاطلون عن العمل، فضلا عن أن هناك أكثر من 200 ألف منهم يدرسون في الخارج، وحوالي 35 ألفاً منهم -رجالاً ونساءً- يعودون إلى وطنهم بشهاداتٍ يأملون بها في عملٍ هادف.
ويحتاج النظام في السعودية (بحسب خبراء) -على نحوٍ مُلِحٍّ- إلى خلقِ فرصِ عملٍ إضافية خارج قطاع النفط؛ حيث لم يعد الناتج السعودي كما كان عليه في السابق، ولا يمكن للحكومة أن تظل تقايض مدخراتها بالاستقرار.
هل تتجدد دعوة حراك أبريل وسبتمبر؟
ولعل ذلك يعيد للأذهان الدعوات التي أطلقها نشطاء في السعودية، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، للتظاهر أمام مقرات التوظيف، احتجاجا على تفشي البطالة، في أبريل الماضي، ثم الدعوة لحراك 15 سبتمبر الماضي.
فقد سبق وأن تم الدعوة -تحت عنوان “تجمع العاطلين 30 أبريل”- للتظاهر أمام مقرات التوظيف في المملكة، ما دفع السلطات وقتها إلى زيادة أعداد أفراد الشرطة في شوارع العاصمة الرياض، تحسبا لخروج المتظاهرين إلى الشوارع، لتستمر الدعوات بعد ذلك للخروح في 15 سبتمبر الماضي، بسبب معاناة السعوديون من أزمات كالبطالة المتزايدة، وعدم القدرة على تملك المنازل، وارتفاع الأسعار، وانخفاض جودة التعليم والخدمات الصحية.
الدعوة جاءت بعد أن اعتقلت السلطات السعودية دعاةً وصحافيين مشهورين، أبرزهم “سلمان العودة وعوض القرني”، ما دفع السلطات السعودية للدفع بفتوى تحرم التظاهر؛ حيث قال مفتي عام السعودية الشيخ “عبد العزيز آل الشيخ”، خلال مداخلة له عبر الهاتف على قناة الـ” إم بي سي “ وقتها: “الأعداء يحسدون المملكة على نعمة الاستقرار العظيمة، ويريدون أن يحولوا البلاد إلى الفوضوية والفتن وسفك الدماء”، داعيًا إلى نبذ هذه الدعوات.
فرص النجاح
يبدو ظاهريا أن الغضب في السعودية ضد قرارات “بن سلمان” الأخيرة، ليس متسقا مع التضامن الكبير الذي تشهده الدعوات المطالبة بالتظاهر ضد البطالة؛ حيث إن القبضة الأمنية الدموية التي تَفرضها السلطات السعودية، هي عنصر فعّال لوأد أيّ حِراك سلمي.
فكل التيارات السعودية الآن، تحت القمع والمنع من السفر، أو صامتة وتترقب، ولا يوجد أية تيارات في السعودية الآن، والجميع متوجس وصامت حيال الاعتقالات الجارية، وذلك وفق رؤية الكاتب “جمال خاشقجي”.
ولكن مع تزايد الضغوط الحياتية على المُواطن السعودي، قد تَدفعه للتململ، وربّما كسر حاجز الخوف لاحقًا، لذلك يرى مختصون أن الانفجار قد يحين ولو بعد حين، إلا إذا وجد من يحتضنه.
اضف تعليقا