أثارت الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء اليمني معين عبد الملك إلى الإمارات، في (10 يونيو)، لغطاً كبيراً في وسائل الإعلام اليمنية ومواقع التواصل الاجتماعي، خصوصاً أنها جاءت بعد توتر كبير في العلاقات بين البلدين.
ورافق عبد الملك 4 وزراء من حكومته وعدد آخر من المسؤولين، واستقبلتهم بمطار أبوظبي وزيرة دولة الإمارات لشؤون التعاون الدولي ريم الهاشمي.
وهذه هي المرة الأولى التي يزور فيها عبد الملك أبوظبي منذ تعيينه، منتصف أكتوبر الماضي، خلفاً لرئيس الوزراء اليمني السابق أحمد بن دغر.
حكومة كرتونية!
وحملت زيارة رئيس الوزراء اليمني إلى الإمارات تساؤلات كثيرة لدى الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اعتبر الناشط محمد صالح أنها “لا تحمل أي أهداف لصالح اليمن سوى الضرر للبلاد، خاصة وهي حكومة معاقة، وممنوعة من السياسة والملف العسكري؛ فالإمارات جعلتها حكومة كرتونية ليست فاعلة”.
ويشير حديث صالح إلى تصريحات سابقة لرئيس وزراء بلاده عقب توليه منصبه، والتي قال فيها إنه سيتولى الجهاز الإداري والاقتصادي، ولن يتدخل بالملف السياسي والعسكري.
وكانت مصادر يمنية قالت، عقب عودة الحكومة اليمنية إلى عدن أواخر أكتوبر الماضي، إن دولاً في التحالف- في إشارة إلى الإمارات- طرحت شروطاً على الحكومة إن أرادت العودة إلى عدن، وقد وافقت عليه كل من الحكومة اليمنية والسعودية.
ويتضمن الاتفاق أن “يتولى رئيس الوزراء الجهاز الإداري والاقتصادي لعمل الحكومة فقط، وألا يكون له علاقة بالملف السياسي والعسكري”.
وتساءل الصحفي محمد الشرعبي عن سر الزيارة التي قال إنها تأتي في وقت يتزامن مع زيارة قريبة لرئيس مجلس النواب اليمني، معلقاً في تغريدة أخرى بقوله: “هل بدأ موسم الحجيج إلى أبوظبي أم بحثاً عن الصرفة؟؟ (المال)”.
غضب يمني من الاستقبال
وأثار استقبال رئيس الحكومة اليمنية من قبل وزيرة الدولة الإماراتية ريم الهاشمي استهجان اليمنيين؛ للطريقة التي تتعامل بها أبوظبي مع مسؤولي اليمن، واعتبروا أن أبوظبي دأبت على التعامل مع مسؤولي دولتهم بالانتقاص.
وقال مدير قناة بلقيس اليمنية، أحمد الزرقة، في صفحته بـ”تويتر”، إن معين عبد الملك “يسير على خطا من سبقوه.. لا احترام للمنصب أو البرتوكول”.
كما سخر الناشط اليمني أحمد هزاع من طريقة الاستقبال، وقال: “محمد بن زايد استقبل رئيس المجلس الانتقالي السوداني عند سلم الطائرة، ومعين عبد الملك استقبلته وزيرة السعادة الإماراتية ريم الهاشمي.. كل واحد يستقبله ولي نعمته”.
وأوضح آخر في صفحته بـ”تويتر” أن هذه هي نهاية من لا يتدخل بالسياسة؛ “تستقبله ريم الهاشمي الموظفة المستجدة من 5 سنوات”.
ولم تكن هذه المرة الأولى التي يهان فيها مسؤولون يمنيون، فسبق أن زار الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي أبوظبي، في فبراير عام 2017، ولم يكن في استقباله سوى اللواء علي محمد حماد الشامسي، رئيس جهاز الاستخبارات الإماراتي.
زيارة بعد خلافات
وجاءت زيارة عبد الملك بعد أجواء من التوتر في العلاقات بين الحكومة اليمنية والإمارات، أبرزها في فبراير 2018؛ حين دعا وزير النقل في الحكومة اليمنية، صالح الجبواني، إلى تصحيح العلاقة مع أبوظبي، متهماً إياها بإنشاء جيوش مناطقية وقبلية تعمل على تفكيك البلد.
وفي مايو 2018، مثلت جزيرة سقطرى عنوان أزمة أخرى بين الحكومة اليمنية والإمارات، عقب إرسال الأخيرة قوات عسكرية إلى المحافظة، وسيطرتها على مطارها ومينائها، بالتزامن مع وجود رئيس الوزراء اليمني حينها، أحمد بن دغر، وعدد من أعضاء حكومته فيها.
وانتهت الأزمة حينها بوساطة سعودية قضت بسحب القوات التي أرسلتها الإمارات من سقطرى.
ورغم سعي أبوظبي، منذ أواخر مايو 2018، إلى إصلاح علاقاتها مع الحكومة اليمنية، بعد شكوى الأخيرة إلى مجلس الأمن الدولي، فإن الأزمة بينهما بدأت تطفو مجدداً على السطح خلال الشهور الأخيرة، على هيئة تصريحات لمسؤولين في الحكومة ينادون بإنهاء الغطاء للتدخل الإماراتي.
كما برزت الأزمة خلال انعقاد مجلس النواب اليمني (البرلمان)، للمرة الأولى منذ سنوات، في مدينة سيئون، عاصمة مديريات وادي حضرموت، في وقت سعت فيه أبوظبي لإحباط انعقاد البرلمان في عدن خلال الفترة الماضية.
وقال الصحفي محمد اليمني لـ”الخليج أونلاين”، إن الزيارة قد تحمل في طياتها تفاهماً بين حكومة عبد الملك والإماراتيين، بعد ضغوط كبيرة من قبل السعودية لحل الخلافات مع الإمارات.
وأضاف: “التصعيد لا يزال مستمراً ضد الإمارات، لكن الزيارة ربما تخرج بنتائج إيجابية”، معبراً عن خشيته من أن تخضع الحكومة اليمنية لإملاءات إماراتية.
رفض سابق ومحاولة شراء!
وسبق أن كشفت مصادر يمنية قريبة من الحكومة، في وقت سابق، أن رئيس الوزراء رفض، أواخر أبريل الماضي، بتوجيهات من الرئيس هادي، دعوة وجهتها دولة الإمارات لزيارتها.
وأوضحت المصادر أن دعوة الزيارة الإماراتية، التي أحبطها “هادي”، هي الثالثة من نوعها منذ تسلُّم عبد الملك رئاسة الحكومة الشرعية في أكتوبر الماضي، وفقاً لما نقلته صحيفة “العربي الجديد”.
وجاء رفض الدعوة بالتزامن مع بروز مؤشرات متواترة بعودة الأزمة بين الشرعية اليمنية وبين أبوظبي، التي تدعم الانفصاليين الجنوبيين، وتدير تشكيلات مسلحة خارجة عن أطر المؤسسات اليمنية الرسمية في المحافظات الجنوبية والشرقية.
ووقتها وصف الصحفي اليمني عباس الضالعي الزيارة التي ألغيت لاحقاً بأنها “إعطاء ضوء أخضر للإمارات في إدارة جزيرة سقطرى وميناء عدن لمدة 20 عاماً”.
وقال المحلل السياسي اليمني ناصر الحميدي، إن غياب الحكومة عن الوضع الأمني والسياسي خلال المرحلة الماضية أثار الشكوك لدى اليمنيين من إمكانية شرائها من قبل الإمارات.
وأضاف لـ”الخليج أونلاين”: “لا يعقل أن تكون الحكومة موجودة في عدن دون مضايقات من القوات الانفصالية الممولة إماراتياً”، مشيراً إلى “الاعتداءات التي تعرضت لها حكومة بن دغر ومحاصرتها في قصر المعاشيق بسبب رفضه الإملاءات الإماراتية”.
اتهامات يمنية للإمارات
ودخلت العلاقة بين الحكومة الشرعية اليمنية ودولة الإمارات منعطفات مختلفة، بعد اتهامات رسمية يمنية هي الأولى من نوعها لثاني أكبر دول التحالف العربي، بالابتعاد عن الهدف الذي جاءت من أجله إلى اليمن، وإنشاء جيوش مناطقية تعمل على تفكيك البلد الذي يشهد حرباً منذ نحو ثلاث سنوات.
وطوال الفترة الماضية، كانت الاتهامات للإمارات بدعم الفصائل المسلحة تقتصر على نشطاء موالين للشرعية، لكن توجيه الاتهامات كان أغلبه على لسان مسؤولين معظمهم ينحدرون من المحافظات الجنوبية.
وتواجه الإمارات اتهامات بالعمل على إضعاف سلطة الحكومة الشرعية في المناطق التي يفترض أنها خاضعة لها، وامتلاك أهداف خفية في اليمن.
ومن أبرز تلك الخطوات إنشاء ما تسمى “قوات الحزام الأمني” في عدن، و”النخبة الشبوانية والنخبة الحضرمية”، وهي خليط من عسكريين جنوبيين، أغلبهم ينحدرون من جماعات سلفية، ومقاتلون طامحون إلى انفصال جنوب البلاد عن شماله، ودرِّب عدد منهم في قواعد عسكرية إماراتية بمنطقة القرن الأفريقي.
وتقول مصادر حكومية يمنية إن الإمارات أسندت الملف الأمني بين المحافظات الجنوبية والشمالية إلى وحدات عسكرية متطرفة لمصلحة الانفصال، وتعرقل هذه الوحدات يومياً دخول المواطنين من المحافظات الشمالية إلى عدن، وتعيد أغلبهم بحسب الهوية الشخصية.
وجعلت الإمارات هذه القوات تحت تصرف “المجلس الانتقالي” المطالب بالانفصال، وهي تسيطر بشكل شبه كامل على الوضع الأمني في عدن، بعد أن شنت، في 28 يناير الماضي، هجمات على آخر القواعد العسكرية الموالية للشرعية، وكانت قد حاصرت قصر “معاشيق” الرئاسي الذي تقيم به الحكومة، قبل أن تتدخل السعودية وتدعو إلى هدنة.
اضف تعليقا