كتب- باسم الشجاعي:
تعدّ العلاقة بين مصر وتركيا “متوترة” بنسبة كبيرة، وذلك منذ الانقلاب العسكري للرئيس الحالي “عبد الفتاح السيسي”، في يوليو 2013، على الرئيس الأسبق محمد مرسي.
ولكن يبدو أنَّ هناك رسائل ضمنية من الطرفين، بنِيّة إعادة العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وكان آخرها ما أعلن عنه رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين الأتراك “تومياد”، “أتيلا أتاسفين”، بعزم بلاده التوسع فى الاستثمارات بمصر.
وقال “أتاسيفين”، في حوار مطوَّل مع وكالة “الأناضول” (تركية): إن “الجمعية الآن تعدّ دراسات جدوى، وطلبنا مليون متر من هيئة التنمية الصناعية المصرية (حكومية)، التي رحّبت بالفكرة وطلبوا تطويرها وزيادة المساحة”.
وكشف عن بدء المشروع فعليًا في عام 2019، قائلًا: “تلقينا طلبات كثيرة من رجال الأعمال للشراكة، وسيكون للمستثمر نحو 500 متر كبداية له”.
وتنشط استثمارات الجمعية في مصر، عبر قطاعات الغزل والنسيج، والطاقة كالكيماويات والمعادن، وكلها تصدِّر للخارج وتحمل شعار “صنع في مصر”.
ويبلغ حجم التبادل التجاري بين مصر وتركيا نحو 4.176 مليار دولار خلال 2016، مقابل 4.341 مليار دولار خلال 2015، وفقًا لبيانات التجارة والصناعة المصرية.
وتأسّست جمعية رجال الأعمال الأتراك المصريين، في 2003 عبر 22 رجل أعمال، وحاليًا تفوق الـ800 عضو، 90 منهم أتراك فقط والباقي مصريون، يديرون شركات يبلغ إجمالي استثماراتها نحو 8 مليارات دولار.
فالرسالة التركية لم تأتِ من فراغ، وإنما جاءت لتبني على محاولات مصرية سابقة؛ حيث انخفضت كثيرًا حدّة التراشق الإعلامي المباشر لاسيما بين المسئولين في البلدين في العام الماضي.
ولا شكَّ أن جزءًا من هذا الانخفاض يعود الى انشغال البلدين بقضايا أكثر أهمّية لكل منهما، كما أن الجزء الأكبر يعود أيضًا الى الرغبة في الإبقاء على “شعرة معاوية” كما يُقال.
وقد سبق الرسالة التركية تصريح وزير الخارجية المصري، “سامح شكري”، نهاية العام الماضي والذي فاجأ الرأي العام وقتها؛ حيث قال لجريدة “أخبار اليوم” (حكومية): “هناك الكثير الذي يربط الشعب المصري مع نظيره التركي، ونأمل أن تعود العلاقة”.
تصريح اعتبره كثيرون وقتها مؤشرًا قويًا على قرب عودة العلاقات بين البلدين، خاصة في ظل تنامي العلاقات الاقتصادية بينهما.
كما شهد العام الماضي أيضًا، زيارة وفد رجال أعمال تركي للقاهرة لأول مرة منذ عام 2012، وعودة مجلس الأعمال المصري التركي إلى العمل مرة أخرى بعد تجميد أنشطته غداة انقلاب 3 يوليو 2013، وفق ما أشارت وسائل إعلام محلية.
ولكن إلى أي مدى يمكن أن تساهم هذه المواقف في تحريك المياه الراكدة منذ خمس سنوات تقريبًا، وهل ينجح المستثمرون في فتح صفحة جديدة في العلاقات “التركية – المصرية”؟، وهل اتُخذ القرار السياسي بتحسين العلاقات من الطرفين؟.
المصالح أولًا
بعيدًا عن المناكفات السياسية بين الطرفين، فإنّ الحفاظ على المصالح الاقتصادية القائمة بين البلدين هو القاسم المشترك في هذه المرحلة، وخاصة لدى “عبد الفتاح السيسي”، لكي يحد من ظاهرة انسحاب رؤوس المال، والتي ضربت بقوة بعض الأنشطة الاستثمارية والصناعية، وفي ظل انهيار المنظومة الاقتصادية للبلاد.
فللمستثمرين الأتراك حاليًا 205 مصانع في مصر بحجم استثمارات تجاوز مليارين و500 مليون دولار، وكانت أعطت الحكومة المصرية “ضمنيًا” الضوء الأخضر لرجال الأعمال المصريين المتعاونين مع تركيا لبذل جهود أكبر في جذب المستثمرين، إذ توفر المصانع التركية حاليًا أكثر من 60 ألف فرصة عمل محلية، وارتفع هذا العام حجم التبادل التجاري إلى 4 مليارات و600 مليون دولار خلال الفترة الماضية، كما تأتي تركيا في المركز الخامس أوروبيًا من حيث حجم الاستثمار في مصر بعد إيطاليا وإنجلترا وفرنسا وألمانيا.
ولا تزال المناطق الحرة الصناعية المصرية وجهة جاذبة للمستثمرين الأتراك، وهم بدورهم محل ترحيب من الحكومة المصرية التي يعاني اقتصادها من انسحاب الاستثمارات الأجنبية وضعف العملة المحلية.
وتتنوع آفاق التبادل التجاري بين مصر وتركيا، فعلى مستوى الصادرات التركية لمصر يمكننا أن نجد أن حديد التسليح، والإسمنت، الكيماويات، والمنسوجات، والسيارات، والسلع الكهربائية هي أهم السلع التي تشهد انتقالًا من تركيا إلى مصر.
فيما تشمل الواردات التركية من مصر كثيرًا من السلع تتركز معظمها في المواد الكيمياوية من مثل “السماد، والرمال، والكيماويات، والملح، والبولي إثلين”، كما تشهد حركة الملابس الجاهزة الواردة من مصر إلى تركيا نشاطًا كبيرًا هي الأخرى في خريطة هذا التبادل.
وسبق وأن كشف المجلس التصديري للصناعات الكيماوية عن استحواذ تركيا على 46% من إجمالي صادرات مصر من الأسمدة خلال الأربعة أشهر الأولى من العام الجاري بقيمة 125.56 مليون دولار.
ضعف الاسثتمار
أحد الأسباب الرئيسية التي أدّت لتغير موقف النظام المصري تجاه تركيا هو ضعف الاستثمارات المباشرة بصفة عامة، والقادمة من دول الخليج بصفة خاصة، بحسب ما يرى خبراء.
ووفقا لبيانات البنك المركزي المصري، فإن صافي الاستثمار الأجنبي المباشر خلال النصف الأول من العام المالي الجاري بلغ 3.762 مليار دولار، مقابل 4.287 مليار دولار عن الفترة ذاتها من العام السابق.
وتشير هذه الأرقام إلى تراجع تدفقات الاستثمارات الأجنبية في مخالفة لتوقعات مصر بأن تصل الاستثمارات الأجنبية المباشرة لنحو 12 مليار دولار في نهاية العام المالي الجاري 2017/ 2018.
أضِفْ إلى ذلك ضعف نمو الصادرات المصرية إلى دول الخليج وخاصة الزراعية؛ حيث يعد سوق الخليج هو أكبر مستورد للحاصلات الزراعية المصرية، والذي بلغ في عام 2017، 2.2 مليار دولار، وفق بيانات رسمية.
فقد شهد العام الماضي حظر عدة دول خليجية استيراد بعض الحاصلات الزراعية المصرية، بدءًا باﻹمارات التي حظرت الفلفل المصري في شهر أبريل 2017 بسبب وجود متبقيات مبيدات بالمحصول، مرورًا بالكويت في شهر مايو، والبحرين في شهر يونيو؛ اللتين حظرتا استيراد كل من البصل، والخس، والجوافة، والفلفل، ثم اتخذت السعودية قرارًا، في يونيو، بحظر استيراد الفراولة والفلفل من مصر، وجرى تطبيق هذا القرار بدءًا من يوليو 2017.
بوابة إفريقيا
ومن ضمن الأسباب التي تدفع البلدين للمحافظة على العلاقة الاقتصادية، الرغبة المشتركة بأن تظل مصر بوابة الاستثمارات التركية للقارة الإفريقية، وألا تخسر القاهرة هذا الوضع لصالح دول أخرى، كالسودان أو إثيوبيا.
فقد شهد التبادل التجاري التركي مع القارة الإفريقية تطورات كبيرة في السنوات الأخيرة؛ حيث ارتفع حجم التبادل التجاري بين أنقرة والدول الواقعة في جنوب الصحراء الإفريقية من15.710 مليار دولار في عام 2010 ووصل إلى 25 مليار دولار عام 2015.
كما تهدف تركيا في المرحلة المقبلة إلى رفع إجمالي حجم التبادل التجاري مع الدول الواقعة في جنوب الصحراء الإفريقية إلى 50 مليار دولار، ولا يمكن أن يمر ذلك دون العبور من بوابة مصر.
وتركيا تريد أن تستعيد البوابة الإفريقية عبر مصر، خاصة وأن البوابة الأوروبية والأمريكية تزداد صعوبة أمام أنقرة في الوقت الحالي، فالبديل الحالي هو التوجُّه بقوة نحو أسواق إفريقيا وأمريكا اللاتينية، ولذلك فرجال الأعمال الأتراك يستثتمرون في مجالات عديدة في القاهرة.
عراقيل
أما بالحديث عن عودة العلاقات السياسية، فالأمر مازال على المدى القريب “صعبا” ولكنها مسألة وقت؛ حيث هناك شروط أربعة ينبغي استيفاؤها قبل الحديث عن إعادة العلاقات مع مصر، والتي يتمسك بها الرئيس التركي.
وتتمثل في إطلاق سراح الرئيس “محمد مرسي”، وإلغاء أحكام الإعدام التي صدرت بحق الآلاف من المعارضين السياسيين، وإطلاق سراح كل السجناء السياسيين، ورفع الحظر عن كل الأحزاب السياسية، وذلك بهدف إعادة العملية الديمقراطية إلى طبيعتها.
ولكن بالنظر في سياسة تركيا في الفترة الماضية، نرى أنها تتعامل بشكل براجماتي مع ملفات البلدان التي لديها علاقات متوترة معها، بشكل يحقق الحد الأدنى من تطبيق العلاقات، ولو على المستوى الاقتصادي الذي يمكن أن ينمو بشكل تدريجي ليصبح على مستوى وزاري يسمح بالتباحث حول القضايا العالقة بين الدولتين من أجل الوصول إلى علاقات طبيعية.
كما أنه ليس من الضروري أن تتحسن علاقات البلدين في جميع المحاور وبالدرجة نفسها، بمعنى أن يعتمد هناك فصل بين الآثار السياسية والآثار الاقتصادي التي قد تضر بالبلدين، وقد يؤدّي التقارب الاقتصادي في النهاية إلى تقارب سياسي بناءً على تقدير ومرونة الرئيس التركي أردوغان حيال الملف المصري وموقفه المعارض للانقلاب العسكري ودور الجيش في السياسة.
ويرى محللون أنّ “عودة العلاقات بين البلدين هي مسألة وقت”؛ إذ تحاول أنقرة تحسين علاقاتها الدبلوماسية التي تدهورت مع عدد من البلدان المهمة مثل روسيا وإيران ومصر وإسرائيل، وبينما أعادت العلاقات إلى سابق عهدها مع كل من روسيا وإيران فإنّ إعادتها مع مصر سيأتي عاجلًا أم آجلًا.
اضف تعليقا