على مدار السنوات الماضية، اصطفوا لدعم الجماعات والقوات التي تعمل بالوكالة للإطاحة ببشار الأسد، لكن اليوم، وبعد إعادة انتخابه نرى زعماء الخليج تتهافت للترحيب بالأسد مرة أخرى والالتفاف حوله… ما الأسباب وراء ذلك؟ وكيف سيرد بايدن؟

 

من غير الواضح تحديداً الأسباب الحقيقية وراء تغير موقف قادة دول الخليج العربي تجاه بشار الأسد والنظام السوري برمته، لكن ربما هناك خدعة ما، أو تكتيك استراتيجي.

في العالم العربي، من غير المقبول إحباط ضيفك والتقليل من أحلامه وأمنياته، على سبيل المثال، عندما يعود الصبي إلى المنزل بعد المدرسة مرتدياً معطف المختبر الأبيض ويعلن لعائلته أنه سيصبح طبيباً، لا نجد العائلة أو الجيران يسخرون منه، بل على العكس، ينغمسون في حلمه ويتفاعلون معه وأحياناً يقومون بشراء ألعاب الأطباء لدعم طموحه.

 

ربما هذا ما يحدث مع الأسد بعد الانتخابات الأخيرة التي يعرف الجميع كيف خرجت نتائجها بهذه النسبة. فجأة وجد قادة دول الخليج العربي دوراً مفيداً للأسد، وبالتالي، فإنهم يداعبون رؤاه حول إعادة إحياء العظمة السياسية من خلال الاعتراف بإعادة انتخابه كرئيس، على الرغم من الأدلة الكبيرة التي تتحدى شرعية تلك الانتخابات.

 

والآن، وبعد أن أنهكتهم الحرب الأهلية السورية، التي استنزفت خزائنهم وقسمتهم عبر الجماعات الإرهابية المختلفة التي اختاروا دعمها، قرر قادة دول الخليج العربي إخراج الأسد من قفص العلاقات الباردة التي كانت تجمعهم به العقد الماضي.

ربما يتبعون مبدأ: اجعل أصدقائك قريبين، وأعدائك أقرب، وربما يأملون حقاً في إعادة العلاقات مع الأسد.

 

يمكن أن يتحول الأسد إلى صديق حقيقي له فوائد، حيث اعترف قادة دول الخليج العربية بأن دعمهم للثورة لإسقاط الأسد لم يكن خاطئاً فحسب، بل أدى إلى نتائج عكسية عليهم أيضاً، حيث تصاعدت مخاوف زعماء دول الخليج العربية من أن إيران حليفة سوريا ستصبح أقوى وأن الولايات المتحدة لن تحميهم، هناك عقلية جديدة تتعامل مع الأسد الآن: جعله إلى جانبنا من خلال مناشدة عروبته، خاصة بعد وجود مخاوف حقيقية من تعامل إدارة بايدن مع منطقة الشرق الأوسط.

 

هؤلاء القادة العرب أنفسهم -بعد سنوات من القطيعة والحرب ضد بشار- يضغطون الآن على واشنطن لرفع العقوبات – مستهدفين الناس في سوريا الذين وصفتهم هيلاري كلينتون بالإرهابيين “الجيدين”، وليس السيئين، لأنهم كانوا إلى جانب الولايات المتحدة.

ومع ذلك، فإن حملتهم لإقناع النخبة في العاصمة بأن الأسد بحاجة إلى المساعدة من غير المرجح أن تؤخذ على محمل الجد. في الواقع، من المرجح أن تتكرر الاهتزازات للعلاقات في المنطقة بسبب بايدن، من خلال بعض القرارات المثيرة للجدل المتخذة في المكتب البيضاوي. العلاقة الغامضة إلى حد ما بين ترامب والأكراد في شمال سوريا – واستمر في تمويلها عسكريًا على الرغم من إنكاره الشديد لدعمهم – من غير المرجح أن يتابعها جو بايدن.

 

يشاع أن بايدن يستعد لرمي الرافعة في دعم الأكراد، بهدف مساعدتهم على إنشاء دولة داخل دولة في سوريا، الفكرة ليست جديدة، في الواقع، حتى في عام 2014، مد الأسد نفسه يده إلى الأكراد واقترح صفقة مماثلة، على أساس السلام – حيث الدور الفعال للقوات الكردية في ضرب داعش الذي يحاربها الجيش السوري النظامي أيضاً.

 

ومع ذلك، إذا قام بايدن بهذه الخطوة، فمن المؤكد أن علاقة إدارته لن تكون ودية مع الأسد ونظامه، بل سيفتح الباب أمام العديد من الجماعات العرقية المختلفة التي ستسعى لإقامة دولة داخل الدولة أيضاً، مثلها مثل الأكراد.

 

إذا كان بايدن يدرس مثل هذه الخطوة، فكيف سيؤثر ذلك على العلاقات الجديدة بين قادة دول مجلس التعاون الخليجي والأسد؟ هل هذا القرار سيؤثر على العلاقات مع الإمارات؟ تجدر الإشارة إلى أنه في عام 2020 فقط، أصدرت أبو ظبي بعض التصريحات الواضحة جدًا حول “دعم” قوات سوريا الديمقراطية (الميليشيات الكردية)، عندما كانت تركيا تخطط لإنشاء “منطقة عازلة” بطول 32 كيلومترًا، وكانت هناك حتى بعض التقارير عن عروض نقدية ضخمة من الإمارات لتدمير القوات التركية هناك. لذلك فإن علاقات الإمارات مع الأكراد ستكون دائماً منطقة رمادية وسيراقبها الأسد بعناية.

 

وربما يكون الأمر الأكثر صلة بالموضوع هو كيف ستؤثر قوات سوريا الديمقراطية الأقوى في الشمال على علاقات تركيا مع واشنطن وإسرائيل؟ هل يمكن أن تسوء هاتان العلاقتان؟ وكنتيجة لقوات سوريا الديمقراطية الأقوى (التي تتكون بشكل كبير من مقاتلي حزب العمال الكردستاني)، هل يمكن أن نرى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يحسن العلاقات مع الأسد، للتحالف ضد الأكراد؟

 

هذا السيناريو الأخير لا مفر منه في الواقع حيث يتم تهدئة تركيا أيضاً من قبل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لتحسين العلاقات، بالرغم من وجود تحديات كثيرة كتأييد تركيا لجماعة الإخوان، واصطفاف قادة الخليج والأسد ضدها.

 

العرب في المنطقة الآن يتعاملون مع الأسد بنفس منطق التعامل مع الصبي الصغير الذي يدعي أنه طبيب، لذلك يقدمون له الدعم، وفي المقابل، سيحصلون على بعض التدريب المجاني حول كيفية احتواء أي ثورات أخرى في الربيع العربي مع فتح باب القناة الخلفية للروس، إذ ربما يحتاجون إليهم.

 

 

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا