ماذا يحدث في القدس؟ وما الدور المشبوه الذي باتت تقوم به الكنيسة الأرثوذكسية في فلسطين؟ ولماذا تبيع أراضي وأوقافا فلسطينية في الخفاء لشركات مجهولة الهوية قيل إنها تتبع شركات يهودية؟ وما علاقة اليونان بهذا الأمر؟ وهل أصبحت «الكنيسة الأرثوذكسية» ذراع الاحتلال لتهويد القدس؟
كل تلك التساؤلات وغيرها، باتت تطرح على الساحة الفلسطينية، بعدما قامت صحف إسرائيلية مختلفة بنشر تقارير تؤكد قيام الكنيسة الأرثوذكسية بعدة صفقات تشمل بيع مساحات واسعة من أراضيها التي تملكها في مدينة القدس المحتلة، لصالح شركات يهودية تعمل على التوسع في سياسة الاستيطان الصهيونية.
القضية أثارتها مؤخرا صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، حيث كشفت بالتفاصيل عن صفقة مشبوهة قامت بها الكنيسة الأرثوذوكسية اليونانية في القدس بزعامة البطريرك ثيوفيلوس الثالث، حيث باعت عقارات إلى شركة خفية الاسم مسجلة لدى جهة تعد ملجأ ضريبيا، مقابل ثمن بخس جدا.
البطريرك “ثيوفيلوس الثالث”
تفاصيل الصفقة المشبوهة
ووفقا لصحيفة “هآرتس” الإسرائيلية فإنها حصلت على وثائق تؤكد بيع البطريركية الأرثوذكسية اليونانية بالقدس تحت زعامة البطريرك ثيوفيلوس الثالث ستة دونمات في منطقة ميدان الساعة في يافا، التي تضمّ عشرات المحلات التجارية مقابل 1.5 مليون دولار فقط إضافة لـ 400 دونم في قيسارية، بما في ذلك الحديقة الوطنية ومدرج المسرح، مقابل مليون دولار فقط.
ومن الوثائق الثلاث يتبين أيضا أن البطريركية باعت 27 دونما مبنيا عليها حوالي 240 شقة، ومركزا تجاريا كبيرا في حي “غفعات أورانيم” في القدس، لشركة مسجلة (جزر العذراء)، المعروفة بأنها ملجأ للشركات المتهربة من الضرائب، وذلك مقابل 3.3 مليون دولار.
وفي التقرير الذي ترجمه موقع “عربي21” فإن الجهات التي اشترت العقارات شركات أجنبية خاصة مسجلة، لكن ليس بالإمكان الحصول على معلومات عن مالكي الأسهم، أو معرفة لمن تعود اليد الموقعة على الشيكات، إلى جانب أن الأسعار ضعيفة جدا وتثير الاستغراب.
وبحسب الصحيفة فإن ثمن شقة صغيرة في هذا الحي يفوق المليوني شيكل، وستنتهي مدة هذه الصفقة بعد 52 عاما، ومن أجل الإمعان في التضليل والتمويه، بيعت هذه الأرض، في شهر مارس الماضي، إلى شركة أخرى، اسمها “أورانيم ليميتد” المسجلة في جزر الكايمن، التي تتهرب الشركات المسجلة فيها من الضرائب.
مدينة “القدس”
وأشارت الصحيفة إلى أن البطريركية كانت تبيع بهدوء ممتلكاتها في أجزاء مختلفة من البلاد للشركات الخفية في الملاجئ الضريبية، بمبالغ منخفضة جدا، ما يطرح تساؤلا حول إذا ما كانت الكنيسة تحاول التخلص من أصولها بأي ثمن؟!.
ليست المرة الأولى
ولا تعد فضيحة بيع الأراضي لشركات صهيونية مجهولة الهوية على يد الكنيسة الأرثوذكسية هي المرة الأولى، حيث سبق أن نشرت صحيفة “كالكلسيت” العبرية في يوليو الماضي عن وجود “صفقة تم بموجبها بيع أراض تابعة للكنيسة الأرثوذكسية (اليونانية) في مدينة القدس، تبلغ مساحتها نحو 500 دونم، وهي أراض وقفية تابعة للكنيسة”، موضحة أنه “تم نقل ملكية هذا الأرض إلى بلدية القدس (التابعة للاحتلال الإسرائيلي) .
كما سبق قبل عامين؛ أن أقدم دير رهبنة الفرنسيسكان على بيع أراض في منطقة بيت جمال داخل الخط الأخضر، تبلغ مساحتها نحو ألف دونم، لشركة إسرائيلية.
خيانة وتفريط في الأرض
متخصصون في شؤون القدس، اعتبروا أن الدور الذي تقوم الكنيسة مثير للشبهة في مساعدة الاحتلال الإسرائيلي بمساعيه للسيطرة على الأرض الفلسطينية، مؤكدين أن هذا الأمر يفند أكذوبة أن الكنيسة الأرثوذكسية، تقف بجوار المسلمين الفلسطينيين في الحفاظ على الأرض من التهويد.
وحذر الباحث في شؤون القدس جمال عمرو من دورٍ تمارسه الكنيسة الأرثوذكسية، موضحاً أنها تبيع الأماكن الأثرية والمباني الفلسطينية لعائلات أو شركات يهودية عبر سماسرة، وذلك بعد تأجيرها بعقود سرية.
واعتبر أن فعل الكنيسة يُعدّ “خيانة” وتفريطا في الأرض، داعياً إلى تضافر الجهود الفلسطينية والعربية “لوقفها فوراً قبل الاصطدام بصفقات أكثر خطورة”.
علاقة اليونان بالأمر
من جهة أخرى ربط “نائل شافعي -مدير موسوعة المعرفة، والمحاضر في معهد ماساتشوستس للتقنية” بين ما تقوم به الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية في القدس، وبين مساعيها للسيطرة على مشروع غاز الشرق المتوسط.
وعبر حسابه الشخصي بالفيس بوك قال شافعي: “الكنيسة الأرثوذكسية تسرع معدل بيعها لأراض كثيرة تملكها في قلب القدس وباقي مدن فلسطين التاريخية إلى أطراف إسرائيلية، لحد أنها هذا الشهر باعت حي “جفعات أورانيم” بقلب القدس بمبلغ 3.3 مليون دولار”.
وأضاف قائلا: “الكنيسة اليونانية بالقدس مازالت معتقلة البطريرك “إيرينيوس الأول” في شقة بالقدس، عقاباً له على كشفه صفقات بيع أراض في عام 2005″.
البطريرك “إيرينيوس الأول”
وقال إن موقف الكنيسة اليونانية مرتبط بمشاريع غاز شرق المتوسط بقبرص وأنبوبه المزمع عبر اليونان، مضيفا: “ردا على ذلك، يجب على العرب تأييد شمال قبرص التركية، وإناطة دير سانت كاترين بسيناء إلى الكنيسة الأرثوذكسية القبطية المصرية بدلاً من الكنيسة اليونانية الفاسدة – خاصة أن اليونان هي البلد الأوروبي الوحيد الذي يرفض بناء أي مسجد منذ سنة 1825”.
صفقات باطلة
رئيس الهيئة الإسلامية العليا في القدس، وخطيب المسجد الأقصى، الشيخ عكرمة صبري، اعتبر أن تلك “الصفقات المشبوهة” التي تقوم بها الكنيسة الأرثوذكسية في القدس المحتلة ماهي إلا صفقات “باطلة”.
وقال في أكثر من تصريح له سابق إن “أي صفقة بيع في ظل الاحتلال الإسرائيلي تعد باطلة، وسيأتي اليوم الذي سيتم فيه إلغاؤها”.
ولفت صبري إلى أن هذه الصفقة الجديدة التي تحدثت عنها الصحافة الإسرائيلية “ليست الأولى من نوعها فيما يخص الكنيسة الأرثوذكسية، فقد سبقتها صفقات أخرى مشبوهة”، محذرا من خطورة “التعامل” مع سلطات الاحتلال، مضيفا أنه “على الكنيسة الأرثوذكسية أن تكون أمينة وحريصة على ممتلكاتها وأراضيها”.
الشيخ “عكرمة صبري”
تصدٍّ وفعاليات احتجاجية
الكشف عن هذه الصفقات المشبوهة يأتي في وقت تتواصل فيه الاحتجاجات والمظاهرات التي ينظمها الفلسطينيون المسيحيون الأرثوذكس ضد تهريب هذه الأملاك للجهات المشبوهة، مع المطالبة بعزل البطريرك ثيوفيلوس الثالث، وتعريب الكنيسة.
وفي مطلع سبتمبر الماضي ذكرت وكالة الأنباء الفلسطينية “وفا”، أن المئات من المسيحيين الفلسطينيين، نظموا تظاهرة بمدينة القدس احتجاجًا على بيع الكنيسة الأرثوذكسية أملاكًا للإسرائيليين.
وذكرت الوكالة أن هذه التظاهرة جاءت بدعوة من المؤسسات الأرثوذكسية في فلسطين التي قررت تصعيد احتجاجها ضد بطريرك القدس ثيوفيلوس الثالث اليوناني الجنسية، بسبب “تسريب وبيع أراضي وعقارات الكنيسة للاحتلال الإسرائيلي وجمعياته الاستيطانية”.
صورة أرشيفية للمظاهرة
ورفع المتظاهرون لافتات بلغات عدة “تؤكد التمسك بعقارات وأراضي الوقف المسيحي في القدس وسائر الوطن الفلسطيني”، وأخرى تدعو “بطريرك القدس ومجمعه الكنسي إلى الرحيل”.
وكان نحو 300 فلسطيني قدموا في أغسطس الماضي شكوى إلى النائب العام الفلسطيني ضد البطريرك بزعم “بيع الأرض للعدو”، وفق “أسوشيتد برس”.
كما شهدت قرية الرينة في الجليل، في وقت سابق مظاهرة تصدى فيها الفلسطينيون للبطريرك ثيوفيلوس الثالث، وحاولوا منعه من دخول الكنيسة في القرية، إلا أن الشرطة الإسرائيلية وفرت له الحماية ومكنته من الدخول للكنيسة لأداء قداس ديني فيها.
وتقول السلطة الفلسطينية: إن البطريركية الأرثوذكسية عقدت في يوليو الماضي “صفقة رحابيا”، وتتضمن بيع نحو 528 دونمًا من أملاك البطريركية في القدس لشركات إسرائيلية، وأدى الأمر حينها إلى حدوث احتجاجات.
لكن البطريركية الأرثوذكسية نفت هذه الاتهامات، وقالت -في بيان- إنها لم تجرِ أي صفقات مع الإسرائيليين، مؤكدة أن ما قامت به هو “إنقاذ حقها المالي واستخدامه للحفاظ على وجودها من أجل خدمة وحماية أراضيها وممتلكاتها”.
اضف تعليقا