العدسة – جلال إدريس
لا ينكر المتابع للشأن الخليجي فشل الحصار الرباعي الذي فرضته كل من (السعودية والإمارات والبحرين ومصر) ضد “قطر” في تحقيق أهدافه على مدار عام وأكثر، الأمر الذي دفع دول الحصار إلى التصرف بطريقة عبثية، وفقًا لمراقبين.
فبعد عام كامل، من الفشل المستمر لمحاولات دول الحصار في فرض الوصاية على دولة قطر والتدخل في شؤونها السيادية، بدأت دول الحصار في اللجوء لطريق آخر، وهو النبش في التاريخ الذي يثبت مدى أحقية (آل ثاني) في الحكم من عدمه.
وفي إطار الحرب على قطر، عقد مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية، مؤتمرًا حول تاريخ حكم آل خليفة في “قطر”، حيث تضمن 3 محاور رئيسية هي: “الزبارة عاصمة آل خليفة في شبه جزيرة قطر وجُزر البحرين”، والمحور الثاني يتحدث عن “التمرد على شرعية آل خليفة في شبه جزيرة قطر”، والثالث سيكون بعنوان “العدوان القطري على الديبل في عام 1986”.
وتضمن المؤتمر، الذي حمل اسم “حُكم آل خليفة في شبه جزيرة قطر.. التاريخ والسيادة”، عرض حقبة زمنية- قال المؤتمر: إنها مهمة- من تاريخ منطقة الخليج العربي، وهي حكم آل خليفة وسيادتهم على شبه جزيرة قطر، منذ بداية إنشاء دولة آل خليفة في الزبارة عام 1762.
مزاعم حول “الزبارة”
مؤتمر البحرين المزعوم امتلأ- كعادة مؤتمرات دول الحصار- بالأكاذيب والمغالطات؛ حيث زعم مسؤولون وسياسيون بحرينيون شاركوا في المؤتمر أن أسرة “آل ثاني” القطرية، والتي يُنسَب لها الأمير القطري “تميم بن حمد آل ثاني” كان لها دور تدميري في البحرين.
وادَّعى المتحدثون في المؤتمر أنهم يملكون وثائق تؤكد وتثبت أن «الزبارة» هي مدينة بحرينية، وأنها عانت من عدوان عسكري قطري، وأن ذلك موثق بالمكاتبات التاريخية، بشكل لا يدع مجالًا للشك، وأنه حق لا يسقط بالتقادم.
ومدينة الزبارة مدينة قطرية تاريخية تقع في بلدية الشمال، سمِّيت بهذا الاسم بسبب ارتفاع أرضها فيقال لها الزبارة أي الأرض المرتفعة، ويقال كذلك إنها سميت بالزبارة نسبةً لأهالي الزبير الذين وفدوا إليها من جنوب العراق، حيث حلَّ الطاعون بهم.
وادَّعى نائب رئيس مجلس الأمناء والمدير التنفيذي لمركز عيسى الثقافي، الشيخ خالد بن خليفة آل خليفة، بأنَّ هنالك الكثير من الوثائق والمخطوطات الأصيلة، بداخل البحرين وخارجها، التي تؤكد أحقية أسرة آل خليفة في الزبارة، وادَّعى أن الوضع الراهن، وما يشوبه من مغالطات قطرية تمسّ الواقع والتاريخ، يتطلب إعادة جمع هذه الوثائق، وتحليلها، والربط بين وقائعها، والاستفادة منها.
وتابع: «يجب أن تكون هذه المخطوطات والوثائق ركينة المكتبات والجامعات والمراكز البحثية، لتعرِّف النشء والشباب والباحثين التاريخ الحقيقي للبحرين في الزبارة، وأن تكون محركًا للجميع خلال الفترة المستقبلية، وأن توجد حراكًا متفاعلًا مع كل أحداث المنطقة».
وقال: «أدعو لإيجاد حملة موسعة بهذا السياق، عبر مراكز الدراسات التاريخية، وأن تعمل مع بعضها وتتحالف، لكي تستفيد بشكل عميق من هذه المخطوطات المهمة لأجيال اليوم والغد معًا».
وفي السياق قال عضو مركز لندن لممارسة القانون الدولي كميل البوشوكة: إنَّ الأزمة التاريخية بمنطقة الزبارة، وما شابها من عدوان عسكري قطري، موثق بالمكاتبات التاريخية، بشكل لا يدع مجالًا للشك. وقال البوشوكة لـ«البيان»: إنَّ «هذا الحدث شابه التهجير القسري، وطرد الناس من بيوتهم، وهو وفقًا للقانون الدولي جريمة ضد الإنسانية».
لا شيء اسمه قطر
لم تتوقف ادعاءات المؤتمر البحريني عند حد القول بأن “الزبارة” هي عاصمة حكم آل خلفية، بل امتدَّ القول إلى التطاول على دولة قطر ككل، والدعوة إلى مزيد من الحصار على شعبها وحكومتها.
وخلال المؤتمر قال المدير التنفيذي لمركز عيسى الثقافي الشيخ خالد بن خليفة آل خليفة: إن تاريخ “آل ثاني” يرتكز على دعائم أساسية أبرزها التآمر، معتبرًا أن “آل ثاني” أسَّسوا كيانهم السياسي عبر التآمر مع دول خارجية منها الدولة العثمانية والفارسية.
وزعم “آل خليفة” أنَّ جميع الوثائق التاريخية والخرائط لم يرد بها اسم قطر إلا بعد أن استقر آل خليفة في الزبارة، وأسسوا دولتهم.
وقدم ورقة تحت عنوان: «تأسيس الدولة في الزبارة» تناول فيها هجرة آل خليفة إلى الزبارة على الساحل الشمالي الغربي من شبه جزيرة قطر في بداية ستينيات القرن الثامن عشر الميلادي، والتي شكلت علامة بارزة في تأسيس دولة آل خليفة التي أدّت من جهة إلى مبايعة قبائل شبه جزيرة قطر لآل خليفة كحكام لهذه الدولة التي امتدَّت لتشمل كامل شبه جزيرة قطر، كما أدَّت من جهة أخرى إلى استقطاب التجار ورؤوس الأموال والنخب العلمية من شبه الجزيرة العربية والساحل الشرقي من الخليج العربي إلى الزبارة. ومع بداية هذا التأسيس قام آل خليفة بانتهاج رؤية شملت المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية في إدارة هذه الدولة.
دول الحصار تتصرف بسفه
ووفقًا لمراقبين فإنَّ فشل دول الحصار في إخضاع ” قطر” بعد ما يزيد عن عام، دفع دول الحصار إلى التصرف بشكل عبثي؛ حيث لم تفلح كافة حملاتهم التحريضية ضد قطر، بل على العكس تضررت دول الحصار خلال عام الحصار الأول أكثر عشرات المرات من تضرُّر قطر نفسها.
وكان أبرز التأثيرات منذ الأزمة هو فرض دول الخليج الثلاثة حصارًا على الدوحة، من دون امتداد تلك التأثيرات إلى المجتمع الدولي، الذي لم يتخذ أي موقف مناهض لقطر بناءً على اتهامات الدول الأربعة.
وعلى الرغم من تأكيدات مسؤولين في دول الحصار على اتخاذ خطوات تصعيدية ضد قطر إذا لم تلتزم بالشروط الـ 13 في قائمة المطالب للتراجع عن قطع العلاقات، إلا أن تأكيداتها ذهبت مع الريح، واندثرت قائمة المطالب ولم يتم تحقيق أي شيء منها.
ومع فشل كل مخططات دول الحصار، يبدو أنهم قرروا التعامل بمنطق الاستفزاز غير المدروس من أجل إحداث أي بلبلة أو تطوير في هذا الملف.
اضف تعليقا