كتب- باسم الشجاعي:

في حين كانت التوقعات تشير بقوة إلى انهاء “صفقة القرن”، مع حلول العام المقبل “2019”، وتسوية القضية الفلسطينية بشكل كامل، يبدو أن هناك عقبات اعترضتها، وكانت أكبر من تخمينات الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”.

“ترامب”، الذي كان متحمسا لهذا الملف منذ حملته الانتخابية وتعهد أكثر من مرة بقدرته على حله، اعترف مؤخرًا بأن عملية التوصل إلى اتفاق سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين “أصعب مما كان يعتقد”.

تصريح “ترامب”، الذي بدا كأنه تراجع عن “صفقة القرن”، جاء خلال لقاء عبر الهاتف مع زعماء دينيين يهود، بمناسبة رأس السنة العبرية، في 6 ديسمبر الماضي.

وحتى لا يفقد “ترامب”، حماس اليمين الإسرائيلي تجاهه، قال إنه “مُصرّ على إنجاح الملف  -اتفاق سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين- الذي ظل عصيًا على زعماء أمريكيين سابقين على مدى عقود”.

ليبقى التساؤل المطروح بقوة الآن، هل يعيد “ترامب” تقييم “صفقة القرن”، أم الفرصة أصبحت سانحة أمام الفلسطينيين للتفكير جيدا في قضيتهم بعد بوادر انهيار مشروع الرئيس الأمريكي؟.

هل ورط “ترامب” الإدارة الأمريكية؟

القرارات والإجراءات التي اتخذها الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، خلال الآونة الأخيرة تقول إنه استنفذ أغلب وسائل الترغيب قبل الترهيب التي كان يمتلكها للضغط على الجانب الفلسطيني للجلوس على طاولة المفاوضات مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.

وتتسبب تلك الإجراءات، بتدمير ما يسمى بـ”عملية السلام” في الشرق الأوسط، ما يعني أنه بات أمام مهمة “شبه مستحيلة”.

نرصد خلال النقاط التالية أهم القرارات التي اتخذهار “ترامب” ضد الفلسطينيين، والتي قضت على المسار التفاوضي فضلا عن إزاحة بعض الملفات الهامة من على طاولة المفاوضات المحتملة.

البداية من إعلان مدينة القدس عاصمة لدولة “إسرائيل”، في 6  ديسمبر الماضي؛ ثم نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى مدينة القدس المحتلة، في 14 مايو الماضي، وذلك على عكس ما كان يفعل الرؤساء الأمريكيون، منذ إقرار الكونجرس الأمريكي عام 1995 قانونا بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس؛ حيث دأبوا على تأجيل المصادقة على هذه الخطوة لمدة ستة أشهر، يتم تجديدها تباعا.

وتدخل هذه الخطوة ضمن إستراتيجية فرض الأمر الواقع على المدينة المقدسة، وعلى الفلسطينيين؛ كما اختارت الإدارة الأميركية الذكرى السبعين لنكبة الشعب الفلسطيني لتقديم هذه “الهدية” للحليف الإسرائيلي.

ويتمسك الفلسطينيون بالقدس الشرقية عاصمة لدولتهم المأمولة، استنادا إلى قرارات الشرعية الدولية، التي لا تعترف بكل ما ترتب على احتلال مدينة القدس؛ حيث لا تزال الأسرة الدولية تعتبر القدس الشرقية أرضا محتلة وأنه من غير المفترض إقامة سفارات في المدينة طالما لم يتم البت في وضعها عبر التفاوض بين الجانبين المعنيين.

يأتي بعد ذلك تضيق الخناق على وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا”؛ حيث جمّدت الإدارة الأمريكية في يناير الماضي، نحو 300 مليون دولار من أصل 365 مليون دولار، لتقوم بعد ذلك في أغسطس الماضي، بقطع كافة المساعدات.

وتأسست “أونروا”، بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1949، لتقديم المساعدة والحماية لحوالي 5 ملايين لاجئ فلسطيني في مناطق عملياتها الخمس، وهي: “الأردن، سورية، لبنان، الضفة الغربية وقطاع غزة”.

وترمي إدارة ترامب، من هذه الخطوة تحييد ما تعتبره “عقبة” على طاولة المفاوضات “الفلسطينية – الإسرائيلية”، وهو “حق العودة”، كما فعلت في “إزالة عقبة القدس” من قبل من طاولة المفاوضات.

جاء بعد ذلك، وقف كل المساعدات المقدمة للفلسطينيين؛ حيث أعلن البيت الأبيض، في 2 أغسطس الماضي، أن واشنطن أعادت توجيه أكثر من 200 مليون دولار كانت مخصصة لمساعدات اقتصادية للضفة الغربية وغزة، إلى مشاريع في أماكن أخرى حول العالم.

وحتى عام 2012، كان متوسط الدعم الأمريكي للموازنة للفلسطينيين بين 250 – 300 مليون دولار، والعام الماضي 2017، بلغ الدعم الأمريكي للموازنة الفلسطينية 75 مليون دولار، و80 مليون دولار في 2016 وقرابة 100 مليون دولار في 2015، وفق بيانات الميزانية الفلسطينية

واستمرارا على هذا النهج، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية في 7 سبتمبر الجاري، عن حجبها 25 مليون دولار، كان من المقرر أن تقدمها كمساعدة للمستشفيات الفلسطينية في القدس، وعددها 6 مستشفيات.

أما القرار الأمريكي الأخير، كان غلق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية بواشنطن، والذي جاء عقابًا لفلسطين على مواصلتها العمل مع المحكمة الجنائية الدولية ضد جرائم الحرب الإسرائيلية، وذلك بحسب ما أعلن أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، “صائب عريقات”.

ماذا بعد؟

بعدما قضت قرارات الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، الأخيرة، على المسار التفاوضي، وأكدت أنه إلى غير رجعة، يبقى أمام الساسة الفلسطينيين “فرصة عظيمة”، لإعادة القضية الفلسطينية إلى مسارها الطبيعي، ووضعها على رأس اهتمامات العالم.

فالموقف الأمريكي على مدار التاريخ ثابت تجاه القضية الفلسطينية؛ حيث يقدم المصالح الإسرائيلية على رأس أولولياته، دون غيرها، وهو ما يدفع الفلسطينيين للبحث عن راعٍ محايد بديلًا عن “ترامب”.

ولكن قبل البحث عن راعٍ جديد للقضية الفلسطينية، لابد للفلسطنينين  النظر في وضعهم الخاص الحالي، وإعادة تكوين بيتهم الداخلي، وانهاء حالة الانقسام بين حركتي التحرير الوطني الفلسطيني “فتح”، والمقاومة الإسلامية “حماس”؛ ورفع الحصار المفروض من قبل السلطة الفلسطينية عن قطاع غزة، وهو ما سيحقق راحة كبيرة، إذ لا يستطيع أحدا الدخول في اتفاقات مصالحة والاستعداد لمواجهة المحتل في ظل وجود حالة إنسانية خانقة.

إضافة إلى ذلك، يجب على الفلسطينيين أيضا، إعلان استراتيجية واضحة تقوم على دحر الاحتلال، عبر المقاومة الشعبية أولًا – كما يحدث في مسيرات العودة الكبري التي يقودها قطاع غزة منذ 30 مارس الماضي-، ثم يأتي بعد ذلك دور المقاومة المسلحة، وإلغاء التنسيق الأمني مع “إسرائيل”؛ حيث إن “تل أبيب” لن تقبل أي راع للمفاوضات غير الأمريكيين.

وبعد ترتيب البيت الفلسطيني من الداخل، يأتي الدور للبحث عن حليف قوي وراعٍ بديل عن “ترامب”، وهنا من المتوقع أن يرحب الجانب الروسي بهذا الأمر، أو الصين، أو الاتحاد الأوربي.

فقد سبق وأن أعلنت روسيا في شهر يوليو الماضي، تقديم أي مساعدة من أجل استئناف مفاوضات السلام، وذلك بحسب ما جاء على لسان وزير خارجيتها “سيرغي لافروف”.

ومن المعلوم أن روسيا تريد استغلال الملف الفلسطيني لصالحها، كمحاولة لاستعادة مكانتها على المستوى الدولي، وإثبات أنها قوة عظمى، فضلا عن أنها تحاول كسر الجليد الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط.