باتت المناوشات حول العاصمة الليبية طرابلس بين قوات حكومة “الوفاق” المعترف بها دولياً، والمليشيات التي يقودها اللواء المتقاعد خليفة حفتر، شبه يومية طيلة الأشهر الخمسة المقبلة، منذ أن قرر حفتر الانقلاب على المساعي السياسية لحلّ الأزمة في بلاده، ومحاولة الاستيلاء عسكرياً على العاصمة بدعم من حلفائه في مصر والإمارات والسعودية، وبغطاءٍ فرنسي.

وأجمعت مصادر مصرية رسمية معنية بالملف الليبي، وأخرى ليبية وغربية في القاهرة، في أحاديث منفصلة مع “العربي الجديد”، على فشل الخيار العسكري الذي سعى إليه حفتر في إبريل/ نيسان الماضي. وبحسب مصدر مصري في اللجنة المعنية بالملف الليبي التي يقودها رئيس جهاز الاستخبارات العامة اللواء عباس كامل، فإن المشاورات التي جرت بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي، على هامش قمة مجموعة السبع التي انعقدت على مدى ثلاثة أيام واختتمت يوم الإثنين الماضي في مدينة بياريتز الفرنسية، خلصت في مجملها إلى ضرورة التمسك بالحل السياسي ومحاولة الضغط على أطراف المعادلة الليبية للعودة إلى طاولة الحوار، وهو الرأي ذاته الذي تتبناه الولايات المتحدة، بعدما بارك البيت الأبيض العملية العسكرية لحفتر في بادئ الأمر.

واستدرك المصدر بالقول إنه “فيما هناك توافق بين القوى الكبرى على العودة للحل السياسي، إلا إن خلافاً واضحاً يدور حول نقطة الانطلاق نحو هذا الحل، إذ ترغب القوى الداعمة لحفتر في استثمار نتائج العملية العسكرية ووجود الجيش الليبي (مليشيات حفتر) على مشارف العاصمة طرابلس، والاتفاق على هدنة مباشرة، تتجه بعدها الأطراف الليبية إلى طاولة المفاوضات بمشاركة قوى دولية”، وذلك من دون انسحاب مليشيات حفتر من المواقع التي احتلتها أخيراً.

وبحسب المصدر، فإن الجانب الإيطالي “يتبنّى موقف حكومة الوفاق بضرورة انسحاب حفتر من كافة المواقع الموجودة فيها مليشياته، والعودة من حيث جاء قبل التوجه نحو أي مباحثات سياسية”.

من جهته، أكد مصدر ليبي مقرب من معسكر الشرق الذي يقوده حفتر صعوبة استكمال العملية في ظل الكثير من المتغيرات على الأرض، على الرغم من الدعم العسكري الإماراتي الكبير الذي يتبنّى رؤية خاصة بمواصلة استمرار العملية. وأعرب المصدر عن “أسفه” لـ”وجود خسائر كبيرة أخيراً، ليس لجهة أعداد الذين سقطوا من القوات، ولكن لطبيعة القيادات الميدانية التي استُشهدت”، على حد تعبيره، والتي كانت تحظى بشعبية كبيرة في صفوف المقاتلين، وهو ما خيّم بظلاله على الوضع.

وكشف المصدر الوثيق الصلة بمعسكر حفتر، أن القاهرة فشلت مجدداً في عقد مؤتمر سياسي، ولكن هذه المرة على الأراضي الليبية، لعدد من أبناء زعماء وكبار القبائل الليبية في الأقاليم المختلفة، وكذلك أعضاء مجلس النواب، لبحث مجموعة من البنود الأساسية التي حددها اجتماع سابق في العاصمة المصرية، لافتاً إلى أن السعي المصري كان لعقد المؤتمر في مدينة بنغازي، إلا أن الأمور لم تسِر بالشكل المأمول بسبب تباينات بين النواب تتعلق بالمشهد الطاغي في البلاد.

إلى ذلك، أكد مصدر غربي في القاهرة، أن لدى الاتحاد الأوروبي موقفاً يتطلع لإنهاء المعارك في ليبيا ووضع حد لها، وسط مخاوف من موجات هجرة جديدة نحو أوروبا في ظل حالة الانفلات التي تعانيها الحدود الليبية بسبب المعارك وتدهور أوضاع اللاجئين هناك بعد استهداف المقرات المعنية بالتعامل معهم. وأوضح أن نقاط الخلاف ربما تكون كثيرة بين الفريقين، لكن نقطة الاتفاق الوحيدة هي ضرورة العودة للحل السياسي، قائلاً إن “معسكر مصر والإمارات ومن خلفهما السعودية، يرغب في ضمانات تضمن تحجيم التيار الإسلامي الذي تقوده جماعة الإخوان المسلمين، وهذا ما يعنيها في المقام الأول، مع تقويض النفوذ التركي والقطري في ليبيا، وإذا توصلت لضمانات تحدّ من سطوة القوات والمجموعات المسلحة في مصراتة والمدعومة تركياً، ربما يساهم ذلك بشكل كبير في التوصل إلى حل سريع للأزمة”. أما “الخلافات الأوروبية المتمثّلة في الموقفين الفرنسي والإيطالي”، فأعرب المصدر عن اعتقاده بأن حلّها “ربما يكمن في صياغة رؤية أوروبية مشتركة بشأن ليبيا، تضمن مبدئياً عدم تفكك هذا البلد بشكل يمثل خطراً على أوروبا”.

وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس قد أبدى، أول من أمس الخميس، في تقرير صادر عنه، قلقه من أن تغرق ليبيا في “حرب أهلية” إذا لم يتم اتخاذ خطوات “على المدى القصير” لوضع حد للنزاع بين رئيس حكومة “الوفاق” فائز السراج، وحفتر. وقال غوتيريس إنه “إذا لم يتم فعل شيء على المدى القصير، فمن المحتمل جداً أن يتحول النزاع الحالي إلى حرب أهلية”، داعياً “الفصائل المتحاربة إلى وقْف كل الأعمال القتالية والعودة إلى الحوار السياسي”. وأضاف “أحضّ جميع الأطراف على التوقف عن استخدام الأسلحة المتفجرة، بما في ذلك خلال الغارات والقصف الجوي في المناطق السكنية، نظراً إلى أنها قد تضرب بشكل عشوائي”.