لا تزال فضائح النظام الإماراتي تتوالي يوماً بعد الآخر، فبينما سعت الإمارات لتحسين سمعتها والتغطية على جرائمها المتواصلة لحقوق الإنسان باستحداث ما تعرف بوزارة التسامح، باتت الوزارة واجهة مفضوحة بعد الفضائح المتكررة لوزيرها نهيان بن مبارك آل نهيان، والتي كان آخرها فضيحة الاعتداء الجنسي علي موظفة بريطانية من اللجنة المنظمة لمهرجان”هاي” الأدبي، والذي أقيم في فبراير الماضي في العاصمة الإماراتية أبوظبي.
تعليق المهرجان
وعلي إثر الفضيحة المدوية، أعلنت رئيسة مهرجان هاي الأدبي الدولي “كارولين ميشيل”، تعليق إقامة المهرجان في دولة الإمارات حتى إشعار أخر.
وجاء هذا الموقف على خلفية فضيحة اعتداء وزير التسامح في النظام الإماراتي نهيان بن مبارك آل نهيان على موظفة بريطانية من اللجنة المنظمة للمهرجان الدولي.
وأكدت ميشيل أن المهرجان لن يعود للعمل في أبو ظبي طالما استمر نهيان بن مبارك في منصبه وعدم محاسبته على الاعتداء الجنسي على منظمة المهرجان خلال تواجدها بالعاصمة الإماراتية.
ووصفت ميشيل اعتداء الوزير الإماراتي بأنه “انتهاك مروّع، وإساءة شنيعة للثقة”، قبل أن تعلن عدم العودة إلى أبوظبي مرة أخرى، طالما أن نهيان ما يزال في منصبه.
وكانت وزارة التسامح هي المسؤولة عن تكلفة مهرجان “هاي أبوظبي”، الذي استمر 4 أيام، والذي أقيم في الفترة من 25 إلى 28 شباط/فبراير الماضي، وشارك فيه سلسلة من المؤلفين المشهورين، بمن فيهم “برناردين إيفاريستو”، الحائز على جائزة “بوكر”.
وفي بيان عبر “تويتر”، قالت رئيسة المهرجان: “ما حدث لزميلتنا وصديقتنا كيتلين ماكنمارا في أبوظبي في فبراير/شباط الماضي، كان انتهاكا مروعا واستغلالا شنيعا للثقة والمنصب”.
وأضاف البيان أن “نهيان بن مبارك استهزأ بمسؤولياته الوزارية وقوض بشكل مأساوي محاولة حكومته العمل مع مهرجان هاي من أجل تعزيز حرية التعبير وتمكين المرأة”.
وتابع البيان “نواصل دعمنا كيتلين في مساعيها للحصول على الإنصاف القانوني من هذا الاعتداء، ونحث أصدقاءنا وشركاءنا في الإمارات على التفكير في سلوك نهيان، وإرسال رسالة واضحة للعالم بأن مثل هذا السلوك لن يتم التسامح معه.. مهرجان هاي لن يعود إلى أبوظبي طالما هو في منصبه”.
اعتداء جنسي
ونشرت صحيفة “صنداي تايمز” البريطانية، مقابلة مع الموظفة البريطانية “كيتلين ماكنمارا” (32 عاما)، قالت فيها إنها “كانت ضحية لاعتداء جنسي خطير من قبل وزير التسامح الإماراتي نهيان بن مبارك آل نهيان (69 عامًا) على إحدى الجزر الخاصة في الإمارات، أثناء عملها في أبوظبي للتحضير للمهرجان.

وتذكر ماكنمارا في حديثها مع التايمز أنها تلقت مكالمة من الشيخ نهيان في صبيحة اليوم الذي وقع فيه الاعتداء عليها، وأخبرها أنها مدعوة لتناول العشاء معه، وقد كانت تلك المرة الأولى التي تتحدث ماكنمارا مع الوزير الإماراتي مباشرة على الهاتف.
لكن السيارة التي أقلّت ماكنمارا لم تتوجه إلى القصر حيث مكان العشاء المزعوم، وإنما أخذت الاتجاه المعاكس للقصر بعيدًا عن المدينة، ولم يخبرها السائق عن الوجهة، ليتبين بعد دقائق أنها أخذت إلى جزيرة صغيرة خاصة فيها منتجع ضخم مخصص بشكل حصري للأسرة الحاكمة في الإمارات، وفيها منزل للشيخ نهيان.
وذكرت ماكنمارا أن نهيان استقبلها استقبالًا حارًا وعانقها وقدم إليها ساعة تقدر قيمتها بأكثر من 4000 دولار أمريكي، وجلس معها وكان يشرب النبيذ.
وبعد بعض الأحاديث المتعلقة بالعمل، كشفت ماكنمارا أن نهيان تقرب منها وبدأ يضع يديه على جسدها، قبل أن يصبح أكثر عنفًا واهتياجًا كما تذكر في مقابلتها الصحفية المطوّلة.
وقد حاولت الموظفة البريطانية التهرب منه دون إثارة غضبه، وطلبت منه أن تغادر لظروف خاصة، لكن نهيان أصر على أن يأخذها بجولة حول المنزل، وفجأة أثناء السير معها أمسك بوجهها وقبّلها، قبل أن يرفع عن ملابسه ويحاول الاعتداء عليها، لكنها تمكنت من الإفلات منه، ووضع حدّ للموقف ومغادرة المكان.
وتقول إنها كانت خائفة من إبلاغ الشرطة المحلية بالحادث، بسبب سلطة الأسرة الحاكمة، قبل أن تغادر الإمارات في 23 شباط/فبراير، أي قبل يومين من افتتاح المهرجان.
وانتظرت “ماكنمارا” حتى عودتها إلى المملكة المتحدة لإبلاغ الشرطة بالموضوع، وقد قابلها المحققون في يوليو بعد رفع الإغلاق، الذي تسبب فيه فيروس “كورونا “وفي وقت لاحق، قامت شرطة العاصمة بتركيب جهاز إنذار الذعر في شقتها الواقعة شرقي لندن.
واختارت “ماكنمارا” التنازل عن إخفاء هويتها لتروي قصتها، مشيرة إلى أنها اعتقدت أنها استُدعيت لمناقشة الاستعدادات لافتتاح مهرجان “هاي أبوظبي”، قبل أن يتم الاعتداء ليها.
وشكلت الحادثة أحدث حلقة من الفضائح المخزية للنظام الإماراتي والتي تصدرت عناوين الصحف البريطانية والعالمية خلال الساعات الماضية.
القمع باسم “التسامح”
ومنذ إنشاء الإمارات لما تعرف بوزارة التسامح في العام 2017، زادت نسب القمع والاعتقالات الحاصلة في البلاد، بالإضافة لتجريم وإدانة حرية الرأي والتعبير بدلاً من التسامح معها.
وفي يونيو الماضي اعترف نهيان بن مبارك في مقابلة مع وكالة (اسوشيتد برس) الأمريكيّة بالتضييق على المساجد والقمع السياسي المتفشي في البلاد لكنه يعتبر ذلك جزءاً من إجراءات لمواجهة التطرف، وحتى “لا تصبح الأمور أسوأ”. وفق زعمه.
وادعى نهيان بن مبارك أن وزارته “تهدف إلى بناء الجسور وكسر الجدران التي يحاول بعض الناس إقامتها للاختباء وراءها” مكرراً بذلك شعارات خادعة لا تمت لواقع الاضطهاد واسع النطاق في الإمارات.
وزعم “نهيان” أن مهمة وزارته ليست التسامح بين الإماراتيين وتضييق فجوة الخلافات والرأي بين الحُكام والسلطات، بل التواصل مع المقيمين في الإمارات من مختلف الأديان والخلفيات من أجل جعلهم يشعرون بالأمان والاحترام” وهو ما تكذبه وقائع القمع المتتالية في الإمارات.
ويثبت الواقع في الإمارات أن أي رأي على شبكات التواصل الاجتماعي وانتقاد للسلطات وللأجهزة الأمنية قد يضع صاحبها عشرات السنوات في السجون السرية مع التعرض للتعذيب، بعد محاكمات سياسية واضحة تفتقر لأبسط شروط العدالة، بما في ذلك قانون الجرائم الإلكترونية وقانون مكافحة الإرهاب.
وأعلنت الإمارات عن عام 2019 كعام لـ”التسامح”، لكن النظام الحاكم فيها واصل قمع نشطاء المعارضة، لا سيما الأفراد أو الجماعات المشتبه في صلاتهم بما يعرف بأفكار “الإسلام السياسي”، وتعتبر الإمارات جمعية الإصلاح وهي جمعية إصلاحية خيرية موجودة منذ تأسيس الدولة بأنها منظمة إرهابية وتعتبرها تهديدًا لنظام الحكم في البلاد.
وفي ذات السياق، تعتبر جماعات حقوق الإنسان محظورة في الإمارات، كما أن منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، محظورتان من إجراء البحوث في الإمارات، كما يتم حظر الأحزاب السياسية.
وتفرض الإمارات رقابة مشددة على المساجد وتتطلب جميع الأنشطة خارج أوقات الصلاة الاعتيادية ترخيصًا. كما أن الأئمة يتلقون رواتبهم من الحكومة الجهة الوحيدة التي تقوم بتعيين هؤلاء بشروط معينة.
وأكد آل نهيان وجود هذه القيود والانتهاكات، لكنه برر قيام جهاز أمن الدولة بتقييد بعض الجمعيات والجماعات والسيطرة على المساجد يأتي من أجل ضمان الحماية من الأفكار المتطرفة و “الأشخاص الذين يرغبون في تطوير أجندتهم الخاصة واختطاف ديننا وتشويهه”. حسب زعمه.