لقد قام وفد يمثل وزارة داخلية النظام السوري المجرم بالمشاركة في الدورة ال٨٩ لاجتماع الجمعية العمومية للمنظمة الدولية للشرطة الجنائية الإنتربول، والتي انعقدت في مدينة اسطنبول التركية خلال الأسبوع الحالي، وأثارت هذه المشاركة المخاوف من عواقب أي تعاون بين النظام السوري والإنتربول، قد يسفر عنه تسليم معارضين سياسيين للنظام بناءً على تلفيقات جنائية، وأثارت أيضًا تساؤلات حول قبول تركيا حضور ممثل النظام السوري اجتماعًا يعقد على أراضيها.
وفي الاجتماع الذي بدأ الثلاثاء الماضي واستمر ثلاثة أيام بمشاركة ممثلين عن ١٦٠دولة، وشهد انتخاب اللواء الإماراتي أحمد ناصر الريسي رئيساً جديداً للمنظمة -المتهم بجرائم تعذيب-، كان النظام السوري حاضراً من خلال وفد تابع لوزارة الداخلية. وجاء ذلك بعدما كانت المنظمة قد أصدرت في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي قراراً بتفعيل مشاركة النظام في اجتماعاتها بعد توقيفها منذ عام ٢٠١٢، ليترتب على ذلك إعلان الائتلاف الوطني السوري المعارض تشكيل لجنة، وذلك لمتابعة ما أسماها “الخطوة الخطيرة التي قامت بها منظمة الإنتربول بإعادة فتح مكتبها لدى النظام السوري في دمشق”.
وأعلن خبراء قانونيون وشخصيات معارضة سورية عن مخاوفهم من استغلال النظام السوري لقرار الإنتربول. وفي هذا السياق، قال العميد إبراهيم جباوي مدير الهيئة السورية للإعلام في حديثه لـ”العربي الجديد”، إن “النظام لا يزال يشارك في معظم المنظمات الدولية، بما فيها الأمم المتحدة، وجرى أخيراً تفعيل مشاركة سورية في الإنتربول الدولي الذي هو مختص بتبادل المجرمين حصراً، وليس الملاحقين السياسيين أو العسكريين أو على أساس ديني أو عرقي أو طائفي”. وأضاف الجباوي -الذي كان نائبًا لقائد شرطة محافظة حمص قبل انشقاقه عن النظام- حول تأثير ذلك على المعارضين السوريين أن “نظام بشار الأسد ضليع جداً في تحريف الوقائع وإلصاق تهم جنائية بالمعارضين السوريين، وهو ما لاحظنا حصوله في محافظة درعا بعد التسويات في الجنوب السوري عام ٢٠١٨، حيث ذهبوا إلى المحاكم ولم يعودوا”. وأشار إلى أنه هناك منظمة عربية مماثلة للإنتربول الدولي تسمى “الشرطة الجنائية العربية”، وثمة تخوفات من تفعيل التعاون العربي على هذا الصعيد في حال عودة النظام إلى الجامعة العربية.
لكن الجباوي أفصح عن اعتقاده بأن دول العالم “باتت تدرك حيل النظام، ولن تُقدم على تسليم مطلوبين له، حتى لو طلبهم بتهم جنائية، إلا في حال كان المطلوبون معروفين على المستوى الدولي كمجرمين محترفين مثل مهربي المخدرات وسواهم”. وأشار إلى أن قبول تركيا للوفد السوري يعني أنها لا تستطيع منع عضو من أعضاء الإنتربول، وإلا فإنها لم تكن قامت باستضافة هذا الاجتماع من الأساس، وأضاف أيضًا أن “على المستوى الأمني، لم تنقطع الاتصالات بين مجمل دول العالم ونظام الأسد، بغية تبادل المعلومات الأمنية”.
من جهة أخرى قال العميد عوض العلي، الذي تسلم سابقاً وزارتي الدفاع والداخلية في الحكومة السورية المؤقتة التابعة للمعارضة، في تصريحه لـ”العربي الجديد” أن “الأهم هو قرار تفعيل مكتب سوري في المنظمة، والذي أدى إلى هذه المشاركة، أما المشاركة بحد ذاتها فلا اعتقد أن يكون لها أي انعكاس، علمًا بأن اللقاءات الجانبية إن تمت فإنها قد تفضي إلى بعض التفاهمات وجسّ نبض بعض الدول حول الاستجابة لطلبات النظام من عدمها”. وأوضح العلي أيضًا -والذي شغل منصب مدير إدارة الأمن الجنائي في دمشق قبل انشقاقه عام ٢٠١٣- أن وفد النظام الذي كان في اسطنبول يرأسه العميد حسين جمعة مدير إدارة الأمن الجنائي، وعلى يمينه العقيد حسن طالوستان رئيس فرع الإنتربول في إدارة الأمن الجنائي، إضافة الى العميد ياسر سليمان رئيس فرع الشؤون العربية والأجنبية في شعبة الأمن السياسي.
ذلك غير أن خبراء قانونيين يعتقدون أنه من السهل إصدار “إخطارات حمراء” بدون الحاجة إلى تقديم معلومات كافية عن الشخص المطلوب، وبالتالي فإن منظمة الإنتربول -التي تعاني نقصاً في التمويل وأعداد الموظفين- لن تكون قادرة على مراجعة الطلبات بشكل صحيح، بالإضافة إلى أن إلغاء تلك الإخطارات في العديد من الدول بما فيها الأوروبية ،مثل هولندا وبريطانيا، يكون صعبًا وبطيئًا.
وكان المكتب الإعلامي لمنظمة الإنتربول قد قال في وقت سابق أن النظام لا يستطيع إصدار أوامر توقيف دولية وأن الشرطة الدولية لا تصدر مثل هذه الأوامر، مشيرًا إلى أن النظام لا يمكنه الوصول إلى المعلومات الموجودة في قواعد بيانات المنظمة، والتي تم تقييدها من قبل دول الأعضاء الأخرى.
وأوضح المكتب التابع للإنتربول أيضًا أنه يمكن لأي دولة عضو أن تطلب من الأمانة العامة إصدار “نشرة حمراء”، وهذه النشرة هي طلب موجّه إلى جهات إنفاذ القانون في جميع أنحاء العالم، وذلك لتحديد مكان شخص ما واعتقاله مؤقتاً لتسليمه أو استلامه. وأوضح أيضًا أن مقر الأمانة العامة للإنتربول يقوم بمراجعة جميع طلبات “الإشعارات الحمراء”، ولا يقوم بنشر الإشعار إلا إذا كان يتوافق مع دستور الإنتربول، والذي ينص على الحظر التام لأي تدخّل يستند إلى أنشطة سياسية أو عسكرية أو دينية أو شخصية أوعرقية، وأوضح أنه يتم في الحال حذف “النشرة الحمراء” إن لم تكن تتطابق مع قواعد المنظمة.
ويمكن لدول الأعضاء في الإنتربول والتي يبلغ عددها ١٩٤ دولة، أن تطلب من المنظمة إصدار “إشعارات حمراء” عن الأشخاص المطلوبين، والتي تكون بمثابة طلب من حكومات دول الأعضاء الأخرى بتحديد مكان واعتقال الأفراد المطلوبين، والذين قد يخضعون بعد ذلك لمزيد من الإجراءات مثل التسليم. وينص ميثاق تأسيس منظمة الإنتربول على أنها هيئة محايدة سياسياً، وأن جميع “الإشعارات الحمراء” تخضع للمراجعة والتدقيق.
وكانت “هيئة القانونيين السوريين” قد أوضحت في بيان لها أن الإنتربول الدولي ليس جهة قانونية تنفيذية لتسليم المطلوبين، بل أنه من خلاله يتم تبادل المعلومات والبيانات حول الجرائم والمطلوبين. وأشارت أيضًا إلى أن تسليم المطلوبين أو المجرمين قرار خاص بالدولة الموجود فيها المطلوب تسليمه ولا يستطيع الإنتربول تجاوز تلك الدولة ولا يستطيع تسليم المطلوب. ولفتت الهيئة إلى أن تسليم المجرمين يخضع لمبدأ المعاملة بالمثل، وفي هذه الحالة فإن معظم ضباط ومسؤولي النظام السوري وفي مقدمتهم أكبر مسؤول أمني في دمشق رئيس الأمن الوطني علي مملوك، مطلوبين بموجب مذكرات اعتقال دولية من دول كفرنسا وألمانيا وغيرهما، وبالتالي سيطلب من الإنتربول الدولي تسليمهم للدول التي طلبتهم في الاتحاد الأوروبي. والمثير للانتباه كما يشير أحد الناشطين، أن علي مملوك المطلوب بمذكرتي اعتقال، هو من فاوض الإنتربول على إعادة فتح مكتبها في دمشق.
اضف تعليقا