منصور عطية
“المنظمة العربية البريطانية لحقوق الإنسان” كيان جديد شهدت العاصمة البريطانية لندن تدشينه قبل أيام برعاية إماراتية، ليكون أحد أذرع القيادي الفتحاوي المفصول محمد دحلان مستشار ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد.
وبحسب معلومات حصل عليها (العدسة) من مصادر موثوقة، فإنَّ الأكاديمي “على راشد النعيمي” المقرب من ولي عهد أبو ظبي هو المموِّل للمؤسسة اللقيطة، بمبلغ مبدئي وصل إلى مليون و200 ألف جنيه إسترليني.
وعلى الرغم من عدم وضوح الغاية من تدشين المنظمة الحقوقية، إلا أنَّ تأسيسها وارتباطها بدحلان وابن زايد والتوليفة التي تشكلت منها قيادات المنظمة توحِي غالبًا بالدور المنوط بها في تلميع صورة الإمارات، وخدمة مصالحها والترويج لسياساتها.
اللافت أنَّ الإعلان عن تأسيس المنظمة يأتي بعد أقل من شهر على إطلاق موقع إلكتروني باللغة الإنجليزية يرأسه “النعيمي” بهدف معلن وهو “إبراز الجانب الإنساني للإمارات”، في سعي متجدِّد لأبو ظبي يمضي قدمًا في سياسة إنشاء وتوظيف الكيانات لخدمة سياساتها وتحقيق أغراضها.
البيان التأسيسي.. أول القصيدة
التوجُّه اليساري للمنظمة الجديدة، كغالبية العاملين في مجال حقوق الإنسان من العرب، يتضح بشدة في بعض المفاهيم التي تضمنها بيانها التأسيسي، فمن بين الظروف التي دَعَت لإنشاء المنظمة، وفق البيان التأسيسي، “تصاعد تيارات اليمين القومي الجديد في أوروبا، على حساب الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية والعمالية”.
وتضع المنظمة أولى أهدافها، في رصد ومتابعة حقوق الإنسان الخاصة بالمواطن العربي في المملكة المتحدة (بريطانيا)، على اعتبار أنَّ أعضاء لجنتها التنفيذية المختارة باختلاف جنسياتهم يقيمون فيها، لكن في الوقت ذاته تعنى بأوضاع حقوق الإنسان في العالم العربي وتسعى للتعاون مع منظمات غير حكومية في بلدانه لإصدار “المؤشر السنوي لحقوق الإنسان في البلدان العربية”.
وأطلق البيان على مؤسِّسي المنظمة وصف “مجموعة من المثقفين الديمقراطيين العرب في المملكة المتحدة”، ولمحاولة إضفاء استقلالية على عملها رغم التبعية التي اتّضحت وستتبين خلال السطور التالية لدولة الإمارات ودحلان، أكّدت المنظمة في بيانها أنها “ليست فرعًا ولا واجهة لدولة أو حزب أو جماعة..”.
وربما تحاول المنظمة، أن تنجو بنفسها من سلسلة الفضائح التي مُنِيت بها مؤسسات ومنظمات مشابهة موَّلتها الإمارات وافتضح أمرها فيما بعد، ووصلت الأمور إلى حدّ الملاحقات القضائية.
ويبدو موقف المنظمة من ثورات الربيع العربي واضحًا لا لبس فيها؛ حيث اكتفت بالإشارة إلى أنها مجرد “حركات احتجاجية شعبية”، كما رأت أنَّ تلك الحركات كانت سببًا مباشرًا في تهديد بقايا الدول العربية واستنزاف مواردها بعد أن تحوّلت إلى حروب أهلية تدميرية، ليس بسبب بطش الأنظمة الحاكمة وحلفائها من القوى الإقليمية والدولية لكن بسبب “صعود قوى الإرهاب والتطرف والغلو على ظهر الحركات الاحتجاجية..”، بحسب رؤية المنظمة في بيانها التأسيسي.
توليفة لا يربطها إلا دحلان
ولعلَّ أعوان دحلان في بريطانيا كُثُر إلى حد لم يعجز معه عن تشكيل توليفة لا يجمعها إلا التبعية له سواء من الناحية السياسية أو الإعلامية، لكنها تبقى وجوهًا جديدة تقتحم العمل الحقوقي للمرة الأولى.
وانتخب الموتمر الذي حضره نخبة مهمة من القانونيين والأكاديميين والإعلاميين؛ وفق بيان التأسيس، لجنة تنفيذية من 11 عضوًا، هم: الدكتور نهاد خنفر، الدكتورة سعاد الجزائري، مجدي موسى، فيروز حسني، محسن حسني، أميرة المهذبي، جديا عثمان، بهاء العوام، علي الهندي، الدكتور محمد فنيش، محمد مشارقة.
وبطبيعة الحال وكون بعض هؤلاء يظهرون للمرة الأولى في العمل العام، فإنَّ عملية التفتيش وراء تاريخهم وخلفياتهم الفكرية والسياسية بدت مضنية إلى حد كبير، لكن الحقيقة تتضح بالكشف عن سير بعضهم.
ربما تكون الشخصية الأكثر ثراءً وسط هؤلاء هو الدكتور “نهاد خنفر” الأكاديمي الفلسطيني الذي ينحدر وفق صفحته الرسمية على فيسبوك من مدينة نابلس بالضفة الغربية المحتلة، الأستاذ في القانون له العديد من المقالات والمداخلات التليفزيونية التي تخص القضية الفلسطينية ومحاضرات مصورة في التمويل الإسلامي.
المثير في شخصية الرجل انتماؤه السياسي، وهو ما يكشف عنه خبر نشرته وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية “وفا“ بتاريخ 3 فبراير 2013، تحت عنوان “فتح بإقليم بريطانيا تعقد مؤتمرها الدوري وتنتخب قيادة جديدة”، وكان لافتًا أن اسم “خنفر” ورد بصفته نائبًا لرئيس المؤتمر بالانتخاب.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل ثمة جانب آخر على قدر كبير من الأهمية في حياة خنفر؛ حيث تبين بالبحث أنه يدرس القانون في الجامعة العالمية للعلوم الإسلامية في بريطانيا، التي أسّس كلية الشريعة فيها رجل الدين الشيعي العراقي الراحل “محمد علي الشهرستاني” في لندن عام 1988.
وكان لافتًا أيضًا خلال عملية البحث مشاركة خنفر مؤخرًا في مناقشة أحد الأبحاث بالجامعة تحت إشراف رئيس الجامعة الذي وصفه المنشور الرسمي على فيسبوك بأنه “سماحة العلامة الدكتور السيد فاضل الميلاني”، كما تحتفي مواقع شيعية بنشر مقالاته.
شخصية أخرى ضمن أعضاء اللجنة التنفيذية للمنظمة الحقوقية الجديدة تكشف طبيعة العلاقة بينها وبين دحلان بصفته مستشارًا أمنيًا وسياسيًا لابن زايد.
“محمد مشارقة” كاتب ومحلل سياسي فلسطيني مقيم في لندن، ويحل ضيفًا دائمًا على العديد من الفضائيات التي تبثّ من هناك، متناولًا الشأن الفلسطيني وما يخصّ القضية، لكن فضائية “الغد” المملوكة لدحلان والتي سيأتي ذكرها تفصيليًا فيما بعد هي وجهته المفضلة.
ويفخر الرجل بالإعلان عن انتمائه السياسي لحركة فتح عبر صفحته على فيسبوك، الأمر الذي يثير علامات الاستفهام حول طبيعة علاقته بدحلان.
بعيدًا قليلًا عن السياسة، فإن الإعلام كان الرابط الجديد بين المنظمة ودحلان ودولة الإمارات، وذلك عبر اثنين من أعضاء لجنتها التنفيذية.
“جديا” أو “جدية عثمان”، إعلامية وسيدة أعمال سودانية أثارت الجدل مؤخرًا بعد خلعها الحجاب وانتقالها من الخرطوم للاستقرار في لندن، من بين الوجوه البارزة في المنظمة.
تنقلت “جديا” بين فضائيات عدة كتليفزيون البحرين قبل انتقالها للندن، وكمراسلة لها من العاصمة البريطانية، أبرزها: الغد، MBC، وفضائية “الجديد” اللبنانية.
ويأتي اسم “بهاء العوام” من بين الوجوه الإعلامية الشابة اللافتة في اللجنة التنفيذية للمنظمة، فالصحفي السوري يعمل مراسلًا لفضائية الغد بلندن، وكاتب مقالات في صحف ومواقع عربية.
ومن بين أعضاء اللجنة الذين لم يتسنَّ التأكد من شخصياتهم الحقيقية وارتباطها بالمنظمة من عدمه وحقيقة علاقتهم بدحلان “محسن حسني” الإعلامي المصري المقيم في لندن ويعمل مراسلًا لصحيفة “المصري اليوم” هناك، و”محمد الفنيش” الكاتب والمحلل السياسي المغربي.
اللافت في تلك التوليفة أنَّه لا رابط بينها سوى دحلان بصفته مستشارًا لابن زايد، سواء من خلال العلاقة الشخصية أو الانتماء السياسي لحركة فتح، أو من خلال المجال الإعلامي والارتباط بفضائية الغد التي يملكها.
تلك الفضائية التي أطلقتها دولة الإمارات في 2013، وضمت بحسب تقارير إعلامية، وجوهًا إعلامية وسياسية بارزة مثل قائد شرطة دبي الفريق ضاحي خلفان، والفريق أحمد شفيق المرشح الرئاسي المصري السابق، بالإضافة إلى دحلان.
ويتشارك في تمويل القناة الإخبارية، وفق التقارير، سياسيون إماراتيون بالإضافة الى أربعة مستثمرين خليجيين آخرين ومستثمر مصري، أما المديريون الذين تم تعيينهم في القناة، فهم مقربون من دحلان المقيم في أبو ظبي”.
النعيمي رأس الحربة بموقع جديد
التزامن بين الإعلان عن تأسيس المنظمة، وما سبقها من إطلاق الإمارات موقع إلكتروني جديد باللغة الإنجليزية من لندن أيضًا، أثار الجدل بشأن الرابط الحقيقي بينما، خاصة أن اسم “النعيمي” قاسم مشترك بينهما.
ففي أبريل الماضي، انطلق من لندن بنسخته الإنجليزية موقع “7D NEWS” برئاسة تحرير “علي النعيمي” قريب الصلة بولي عهد أبو ظبي، وفق هدف معلن وهو اعتباره “منصة إعلامية إماراتية وعلامة إخبارية جديدة في فضاء الإعلام تحمل رسالة الإمارات القائمة على التسامح إلى العالم..”، وفق ما نشرته وكالة أنباء الإمارات الرسمية “وام”.
ولم يكن الأكاديمي المقرَّب من ابن زايد “عبدالخالق عبدالله” بعيدًا عن الصورة؛ حيث ارتبط الموقع باسمه إعلانًا بحضوره حفل تدشين الموقع، وتسريبًا بشأن علاقته الإدارية والتوجيهية المباشرة به.
النعيمي، شخصية محورية في فريق ولي عهد أبوظبي الذي عينه عضوًا في اللجنة التنفيذية التابعة للمجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي في يونيو 2017، ويدير جامعة الإمارات.
وأسّس النعيمي مع اندلاع الأزمة الخليجية “المركز الدولي للتمييز لمكافحة التطرف العنيف– هداية”، وهو مركز دشن بهدف العمل على ربط قطر بالإرهاب، والسعي لدى المحافل الدولية لتقديم تقارير وإفادات، تدفع باتجاه وصم قطر بدولة راعية للإرهاب.
ويبدو أنَّ الدافع الحقيقي وراء إنشاء الموقع، هو الفشل الذي مُنِيت به مساعي النعيمي خلال الفترة الماضية من أجل تحسين صورة بلاده وستر عوارتها المتزايدة خاصة في المجال الحقوقي، فضلًا عن التغلغل والتأثير في أوساط الكيانات الدولية، عبر منظمات غير حكومية، تهدف في المقام الأول والأخير إلى الترويج لسياسات أبو ظبي وتشويه صورة دولة قطر، خاصة بعد الأزمة الخليجية.
أحدث تلك المساعي كشفها المجهر الأوروبي لقضايا الشرق الأوسط، في يناير الماضي؛ حيث قال إنّ أروقة البرلمان الأوروبي والمفوضية الأوروبية في بروكسل وستراسبورج، تشهد تواجدًا نشطًا لأفراد يتحركون باسم منظمات غير حكومية، تعمل بشكل حثيث على استمالة مساعدين لأعضاء في البرلمان الأوروبي، وبعض العاملين في المفوضية الأوروبية، لحثهم على الانخراط بشكل أكبر في تصدير مواقف لصالح الإمارات والسعودية، ومناهضة لدولة قطر.
تقرير المجهر كشف أنّ النعيمي دأب على الحضور بشكل متواتر إلى أروقة المؤسسات الأوروبية، ويبرز من بين الأسماء شخص يدعى “رمضان أبوجزر”، وهو شخصية جدلية عُرفت خلال الأعوام الماضية بلعب دور كبير في تشكيل “الشبكة الدولية للحقوق والتنمية”، وهي شبكة وهمية اتهمت بتبييض الأموال، يرأسها فلسطيني آخر يدعى لؤي ديب.
ويعتبر أبوجزر أحد العناصر المحسوبة على حليف الإمارات القيادي الفتحاوي المفصول محمد دحلان، وكان سعى خلال الأشهر الماضية- بعد اندلاع الأزمة الخليجية- إلى عقد ندوات والتنسيق لبعض الوفود المصرية والإماراتية لأجل اللقاء بمسؤولين أوروبيين، أو أعضاء في البرلمان الأوروبي.
في هذا السياق يبقى اسم الفلسطيني “لؤي ديب” مساعد دحلان هو الأكثر ارتباطًا بالأزمات والفضائح، والذي كان آخرها ما كشفته تقارير إعلامية في نوفمبر الماضي، من إنفاقه 10 ملايين كرونة نرويجية في لعب القمار، سحبها من حساب مكتب الشبكة الدولية للحقوق والتنمية التي يرأسها.
اضف تعليقا