لما يقرب من عقد من الزمان ظل منبوذاً يكافح من أجل الحصول على اجتماع في الخارج مع أي مسؤول غربي، كما ظل يعاني من وحدة كبيرة في قصره، لم يحيط به سوى عدد قليل من المساعدين الموثوق بهم، هكذا كان حال بشار الأسد الذي تمسك بمكانه على رأس السلطة في دولة مفككة.
خلال الرحلات المنتظمة إلى سوريا، رتب فلاديمير بوتين اجتماعات في القواعد الروسية، مما أجبر الأسد على الذهاب خلفه في المناسبات. وضعه أيضاً سمح لإيران بأن تفرض إرادتها بسهولة مع إملاء شروطها العسكرية بحرية، في تهميش واضح للزعيم السوري.
لكن مع انحسار ضجيج الحرب والتمرد وإعادة ضبط المنطقة المتعبة من 10 سنوات من الدمار، ظهرت سياسة جديدة في الغرب: الأسد المنبوذ أصبح مطلوباً للتعاون.
الخصوم الذين عارضوه على مدار السنوات الماضية، ينظرون إليه الآن على أنه مفتاح لإعادة الاستقرار للمنطقة، في تجاهل واضح لكم الخسائر التي تسبب بها الأسد ونظامه الوحشي، والتي أودت بحياة نصف مليون شخص، وهجرت ملايين آخرين.
على مدى الأشهر الـ 12 الماضية، أرسلت الإمارات والسعودية مسؤولين إلى العاصمة السورية للقاء رؤساء المخابرات هناك، كما قدمت مصر وقطر مبادرات لإعادة التعاون، في نفس الوقت ناشد الأردن الولايات المتحدة العالم للمساعدة في إعادة اندماج سوريا في المجتمع الدولي.
في وقت سابق من هذا الشهر، وفي محاولة لحل أزمة الطاقة في لبنان، أعلنت السفارة الأمريكية في بيروت عن خطة لإرسال الغاز الطبيعي المصري عبر الأردن وسوريا، منح الاقتراح الأسد مصلحة مباشرة في إيجاد حل للبنان – وهو تحول في الأحداث يقول الكثير في العاصمة اللبنانية إنه سيجر البلاد مرة أخرى إلى الوصاية السورية.
تعليقاً على ذلك، قال دبلوماسي أوروبي: “على الأقل، تم دمج الأزمتين الاقتصاديتين [في لبنان وسوريا]… هل تفهم الولايات المتحدة حقًا ما فعلته هنا؟ كل هذه السنوات من الحديث عن بناء الدولة، وبعد ذلك في النهاية، تعيد الفوضى إلى بشار الذي لعب دورًا رئيسيًا في تدمير كلا البلدين “.
كان الأسد سريعاً بشكل غير معهود في الموافقة على الصفقة، التي من شأنها أن تمنح سوريا جزءًا من الغاز المصري لاحتياجاتها الخاصة، كما فعلت عندما تم تفريغ ناقلة وقود إيراني متجهة إلى لبنان في منتصف سبتمبر/أيلول في مينائها.
من جانبها، قالت ميرنا خليفة، الباحثة المقيمة في بيروت: “كان ينبغي للوزراء اللبنانيين أن ينهضوا ويغادروا…لكن المتسولين لا يملكون القرار أو حرية الاختيار… لقد اضطررنا للذهاب للتسول من بشار مرة أخرى “.
أثناء زيارته لواشنطن في أغسطس/آب، حث العاهل الأردني الملك عبد الله، أعضاء الكونغرس على ضرورة إعادة إشراك الأسد في المشهد السياسي.
يبدو أن الخطة تهدف إلى استعادة دور الأردن كوسيط في ظل إدارة بايدن – وتفريغ العبء المالي الذي يتحمله الأردن بسبب وجود أعداد ضخمة من السوريين الذين لا يزالون على الأراضي الأردنية، وكثير منهم من اللاجئين.
مالك العبدة، مراقب سوري مقرب من المعارضة السورية قال في تصريحات صحفية: “ما يسعى النظام جاهدا لتحقيقه هو إنهاء العقوبات الأمريكية والأوروبية واستعادة العلاقات الدبلوماسية مع الدول العربية والغرب… إن سياسات الملك عبد الله الأخيرة تقول: دعونا نعطيها للأسد مقابل تغيير سلوكي محدود”.
هناك ديناميكية أخرى ساعدت في إغراء الأسد بالعودة إلى الحظيرة الدولية: صعود وريث المملكة العربية السعودية للعرش، محمد بن سلمان، والتجديد الذي يحاول القيام به في المملكة – بعيدًا عن النظام الديني الصارم، لتتحول السعودية إلى دولة بوليسية عربية، أشبه بالدول التي كان يحكمها صدام حسين ومعمر القذافي.
يقول أحد مساعدين الأسد إنه يشعر بالجرأة بسبب الاهتمام الجديد، “لقد أرسل السعوديون رئيس مخابراتهم إليه، والإماراتيون كذلك يريدون التعامل معه.. والآن الأمريكيون والأردنيون… كان يصر على أنه لن يتنازل عن سوريا على الإطلاق، وأن على جميع الأمريكيين المغادرة. حتى أنه كان يطالب بأن يكون له رأي في المكان الذي ينسحبون إليه “.
من جانبه، حذر توبي كادمان، محامي بريطاني يعمل في محاكمات جرائم الحرب، من إعادة الارتباط بالأسد، وإشراكه في المجتمع الدولي.
قال “هذا ليس نظاما يجب أن نفكر في إعادة العلاقات الدبلوماسية معه… التقارب الأخير بين الإمارات والسعودية والأردن وقطر أمر يجب أن نتعامل معه بقدر كبير من القلق”، مضيفاً “لا يمكن أن يكون هناك سلام أو استقرار أو مصالحة بدون عملية تهدف إلى العدالة والمساءلة. لقد خذلنا الشعب السوري خلال العقد الماضي… يجب آلا نتخلى عنهم”.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا