الربيع العربي

 

بعد نحو 10 سنوات من ثورات الربيع العربي، يحاول الباحثون والمراقبون والمحللون تناول المشهد الحالي للربيع العربي بالبحث والدراسة والتحليل، بغية إدراك واقع هذه الثورات، وكذلك محاولة لاستشراف مستقبلها.

ولما كان العاملُ الإقليميُّ أحدَ أكثر العوامل تأثيرًا في المشهد السياسي العربي، سواء في إنجاح الموجة الأولى من الثورات، أو في العمل على إفشالها بعد ذلك، فإنه لا بد من النظر إلى هذا الواقع الإقليمي لمحاولة فهمه وتفكيكه.

ولما كان المشهد الإقليمي المر ينقسم بشكل رئيس إلى محورين أساسيين؛ أولهما المحور المضاد للثورات، ويضم فيه كلًا من مصر والسعودية والإمارات والبحرين، أما ثانيهما فالمحور الذي من الممكن تسميته بالحاضن للثورات العربية أو المتوافق مع القوى الفاعلة فيها والمتصالح مع مخرجاتها، وهو يتكون من تركيا وقطر بشكل رئيس.

الربيع العربي

نحاول خلال هذا التقرير استقراء واقع المحور الإقليمي المناهض لثورات الربيع العربي، لنستخرج منه جزءًا مهمًا من خريطة المشهد الإقليمي الحالي. وسيكون الاستقراء معتمدًا على أساس من النظر إلى المشاريع الإقليمية الرئيسة لهذا المحور، وإلى أين وصلت هذه المشاريع.

فشل في الملف الليبي..

فحين النظر إلى المحور الأول المضاد للثورات، نجد أن هذه الدول دخلت بثقلها في عدد من المشاهد والملفات؛ أول هذه الملفات التي دلف إليها المحور هو المشهد الليبي، وكان موقفُ هذه الدول واضحًا في دعم انقلاب الجنرال مجرم الحرب خليفة حفتر وميليشياته ضد الحكومة الشرعية المعترف بها دوليًا، وعمل هذا المحور جاهدًا على إشعال فتيل الحرب وإنفاذ الحل العسكري، محاولًا فرض الأمر الواقع، ومتجاهلًا المسارات السياسية السلمية الديمقراطية.

إلا أن الواقع الذي آل إليه الحال الآن يثبت الفشل الذريع الذي حاق بخطط ومكر هؤلاء، فلم يستطع حفتر أن يحسم انقلابه عسكريًا، بل اضطر في النهاية إلى الجلوس على طاولة المفاوضات مع من كان يراهم بالأمس إرهابيين متطرفين.

كما أن المسار الحالي يقود في نهايته -إن استُكمل- إلى انتخابات ديمقراطية تنهي مرحلة الاحتراب الأهلي وتعطي حق اختيار السلطة للشعب، وهو ما مغاير بشكل كامل لما يريده المحور المضاد للثورات.

إضافة إلى ذلك، برز في هذا الملف تباين نسبي بين موقف كل من الإمارات ومصر، فكان الموقف الإماراتي أكثر راديكالية في تأييد المشير حفتر بغض النظر عن مآلات هذا التأييد، بينما كان الموقف المصري أقل راديكالية، وأكثر سعيًا إلى تهدئة التوتر العسكري، نظرًا لأن التوتر يضر في المقام الأول بالأمن القومي المصري، حيث ترتبط مصر مع ليبيا بنحو 1000 كم، وهو ما كان سببًا رئيسًا في  إبراز نوع من الاختلاف النسبي بين موقفي البلدين، وهو ما يساهم بلا شك في إضعاف قوة ومتانة هذا الحلف الإقليمي.

General Haftar.jpg

 

طعن في الظهر في الملف الليبي..

كذلك دلفت الدول المناهضة للثورات إلى ملف الحرب في اليمن، فقد أعلنت السعودية والإمارات عام 2015 تشكيل تحالف عسكري عربي لدعم الحكومة الشرعية في اليمن في مواجهة ميليشيات الحوثيين المدعومة إيرانيًا. 

وبعد نحو 6 سنوات من التدخل العسكري، لم يتمكن التحالف من تحقيق أي من أهدافه المعلنة، ولم يجن اليمنيون من تدخله إلا تعميق الأزمة وإشعال الحرب.

بل وأكثر من ذلك، انقسم التحالف على ذاته، وطعنت الإماراتُ السعوديةَ في ظهرها، وتركتها وحيدة في الميدان، فأعلنت الإماراتُ انسحابها من الحرب اليمنية.

بل وصل الأمر إلى درجة أن دعمت الإماراتُ -ولا تزال- قوات انفصالية موازيةً تحارب جيش الحكومة الشرعية المدعومة سعوديًا، وتدعو إلى انفصال الجنوب عن الشمال، وهو ما سبب أيضًا ثقبًا في العلاقات بين السعودية والإمارات، وهو بلا شك يساهم في إضعاف قوة ومتانة هذا الحلف الإقليمي.

المصالحة الخليجية..

كذلك فإن ملف الأزمة الخليجية يعد من أبرز الشواهد على واقع هذا المحور، فبعد حصار ومقاطعة وتشويه دام أكثر من 3 سنوات، رجعت دول الحصار بخفي حنين، ولم تستطع أن تفرض أيًا من شروطها الـ 13 على قطر، وفي النهاية، انتهى الحصار، واضطرت الدول إلى إعادة العلاقات الدبلوماسية مع قطر مرة أخرى دون أن تقدم لهم قطر شيئًا يذكر حتى الآن. وهو ما يدلل على تراجع قدرة المحور على فرض شروطه في المنطقة.

زاوية أخرى لا بد أن يُعار لها الانتباه، وهو التمايز في مواقف دول الحصار من المصالحة الخليجية، وهو ما بدا بشكل واضح في اختلاف التعاطي الإعلامي الرسمي وشبه الرسمي لكل دولة من دول مع المصالحة، فكانت السعودية هي من دفعت بشكل منفرد صوب المصالحة، في حين لم تكن ترغب كل من مصر والإمارات في إجرائها، إلا أنهما اضطرا في النهاية إلى القبول بالمصالحة لما رأوه من إصرار سعودي على إنفاذها ولو كانت وحدها، وهو ما دعاهم إلى القبول رغبة في عدم تصدع الحلف الإقليمي بشكل كامل.

المصالحة الخليجية ile ilgili görsel sonucu

 

مواقف أحادية..

في ذات السياق، من الممكن القول إن خلافًا مكتومًا عميقًا يتراكم بين بلدان هذا المحور، حيث يتعامل كل منهم بمنطق مصلحته الضيقة، وقد يتخذ مواقف أحادية بغض النظر عن موقف البلدان الأخرى، وكما ذكرنا عددًا من الأمثلة عالية، في ليبيا واليمن، من الممكن أيضًا أن نضيف عددًا من الأمثلة والشواهد الأخرى التي تقود إلى نفس النتيجة.

من أهم هذه الشواهد هو موقف الإمارات والسعودية في الاستثمار في سد النهضة الإثيوبي، رغم إضراره الشديد بالأمن القومي المائي للشعب المصري، كما دعمت الإمارات رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في حربه ضد خصومه المحليين، رغم أن ذلك ليس في مصلحة مصر كذلك.

Image result for آبي أحمد علي

شاهد آخر متمثل في المحاولة الإماراتية لإبراز أن مركز ثقل القرار العربي متركز في أبو ظبي، وليس في الرياض أو القاهرة كما كان قبل ذلك، وهو بالتأكيد ما لا يروق لكليهما.

كذلك فإن المسارعة الإماراتية للتطبيع مع الكيان الصهيوني يُفقد مصر جزءًا كبيرًا من أهميتها الإقليمية والدولية التي كانت تتمتع بها سابقًا، حيث استمرت مصر على مدار عقود كوسيط شبه وحيد بين العرب والكيان الصهيوني.

الخلاصة، أخفق محور الثورة المضادة في تحقيق رؤيته في غالب الملفات الإقليمية التي دلف إليها، وهو ما يشير إلى تراجع مقدرتها الفعلية على إنفاذ أجنداتها وفرض سياساتها في المنطقة.

من ناحية أخرى، هناك نوع من التعامل الأحادي في بعض المواقف التي تتخذها كل دولة من دول المحور على حدة، وهو ما يساهم في زرع بذور خلاف مكتوم عميق قد يساهم مستقبلًا في تفكك أو تحلل هذا المحور.

 

اقرأ المزيد: انطلقت بهدف “الدفاع عن الثورة”.. كيف حوّلت الإمارات فضائية “التحرير” إلى “تن”؟