العدسة – ربى الطاهر
أصدرت منظمة الصحة العالمية إحصائية تقول إن ثلث النساء في العالم تعرضن لعنف جسدي أو جنسي، ورغم كل حملات التوعية والتشريعات الأممية، فإن هذه الظاهرة لا زالت تسجل أرقاما مفزعة.
ولكن برغم انتشارها على مستويات عالمية فإن للعالم العربي منها نصيب الأسد؛ فقد كشفت كذلك منظمة الصحة العالمية أن 35% من النساء في الدول العربية قد تعرضن للعنف في حياتهن، وتدل المؤشرات على زيادة هذه الأعداد مؤخرا، ولعل هذه الزيادة تعود إلى حالة عدم الاستقرار التي تعيشها المنطقة العربية، سواء كان ذلك على المستوى الأمني أو السياسي أو حتى الاقتصادي.
وقد تكشف بعض الإحصائيات المحلية تزايد أعداد النساء اللاتي يتعرضن للعنف في بعض الدول، ومنها الأردن التي شهدت 26 جريمة شرف، منذ بداية 2016 ، بينما لقيت 12 امرأة مصرعها في لبنان نتيجة تعرضها لعنف أسري، بينما أوضحت آخر إحصائيات “الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاءات”، أن ثلث النساء المصريات يتعرضن للعنف بشكل متكرر، في حين يسجل سنويا أكثر من 200 ألف حالة اغتصاب.
وبعد تسجيل كل هذه الحالات ورصدها، عبر إحصائيات دولية منذ سنوات عدة، إلا أن مواجهة مثل هذه الظاهرة في بلد مثل المغرب، قد استهلك الكثير من النقاشات والجدل الذي استمر 15 عامًا، حتى يقر البرلمان المغربي في يوم 14 فبراير من هذا العام بحتمية مواجهة هذه الظاهرة، من خلال المصادقة بالأغلبية على مشروع قانون محاربة العنف ضد المرأة.
وجاءت هذه الخطوة تباعا لما أقره البرلمان التونسي من قانون يتصدى لظاهرة العنف ضد المرأة في يوليو السابق،
وقد نص تعريف العنف ضد المرأة في هذا القانون الجديد على أنه: “كل فعل مادي أو معنوي أو امتناع أساسه التمييز بسبب الجنس، يترتب عليه ضرر جسدي أو نفسي أو جنسي أو اقتصادي للمرأة”.
انتقادات الحقوقيات
وقد اعتبرت وزيرة المرأة وشؤون الأسرة المغربية، بسيمة الحقاوي، أن إصدار هذا القانون يعد من الإنجازات العظيمة، غير أنه لم يجد قبولا في أوساط الجمعيات التي تعمل لمواجهة العنف ضد المرأة في المغرب، وتعرض لانتقادات كثيرة، ومنها ما عبرت عنه فاطمة المغناوي، مديرة مركز النجدة الخاص بمساعدة النساء ضحايا العنف بالمغرب، بأن القانون لم يأت بنص صريح على ما نصت عليه المعايير الدولية في مواجهه العنف ضد المرأة، كما لم يفصل المرأة في دفاعه عنها ككيان مستقل، ولكنه شملها ضمن حماية النظام العام وحماية الأسرة والأخلاق بشكل عام، ورأت كذلك أن القانون قد جمع بين المرأة والطفل، وبين الأصل والفرع، وهو ما لم تسع إليه الجمعيات النسائية التي كانت تهدف إلى قانون يتعامل مع المرأة على أساس النوع بشكل خاص، ويمكنها من الحماية الفعلية من العنف.
وتضيف أن القانون لم يتطرق لأنواع محددة من العنف الذي يمارس بشكل واسع ضد المرأة، وأغفلها عن عمد، مثل الاغتصاب الزوجي أو إجبار الزوجة على ممارسات شاذة أثناء العلاقة الزوجية” حسب تعبيرها.
وتطرقت كذلك إلى أنواع العنف الشائعة في المجتمع المغربي، والتي تحدث داخل نطاق الأسرة من ضرب الزوجة، أو تهديدها الدائم بالطرد من بيت الزوجية، إن لم يكن طردًا بالفعل، بالإضافة إلى التحرش الجنسي، وعلى نفس الدرجة من الأهمية العنف الاقتصادي والذي ذكرت أن له العديد من الأشكال التي تتعرض لها المرأة، مثل الاستيلاء على ممتلكاتها أو ميراثها، وكذلك ما يخصها من أموال ومنها الراتب، أو بشكل آخر من خلال عدم الانفاق عليها.
وأجملت انتقادها لهذا القانون بأنه لم يعط للمرأة كامل الأحقية في مواجهة حقيقية ضد كل الأشكال التي تتعرض لها، واعتبرت أن الطريق لازال طويلا للمزيد من المطالبات التي تحقق إرضاءً فعليًّا لما تواجهه المرأة في المجتمعات العربية تحديدًا، خاصة في ظل الثقافة السائدة التي لا ترى في بعض ما يحدث عنفا، فتغيير القوانين أمر ليس بصعوبة تغيير الثقافات والعقليات، حيث يتعايش المجتمع العربي مع مسألة التمييز ضد المرأة على أنها أمر طبيعي، يتخطى الأمر في بعض المجتمعات إلى النظرة الدونية إضافة إلى التسامح مع مرتكبي العنف ضد المرأة، وحمايته من أن يتعرض للعقاب، وهو الأمر الذي يشجع الآخرين على ارتكاب المزيد من أفعال تعنيف المرأة.
إلا أن هذه الانتقادات لم تمنع الوزيرة بسيمة الحقاوي من الاحتفاء بإقرار هذا القانون، ونشرت على صفحتها الخاصة بموقع فيسبوك: “إن هذا القانون، مولودنا اليوم، كان حمله ثمينا ومكلفا، ووضعه عسيرا (…)، إن لمشروع هذا القانون قصة بدأت منذ حوالي 15 سنة، حيث جاءت الفكرة ولم تجد السياق والمناخ المناسب لاستنباتها والدفع بها، إلى أن نضجت الشروط والتقت الإرادات”.
بينما اتخذت فيدرالية رابطة حقوق النساء موقفا متوسطا في النظر لإصدار هذا القانون، وقالت إن هذا القانون برغم إيجابيته إلا أنه أغفل جوانب مهمة في نطاق التعريف بالعنف ضد المرأة على أساس أنه نوع من أنواع التمييز ضدها وينتهك حقوقها، ولذا فهو لم يرتق لأن يكون قانونا مستقلا، ويظل قاصرا عن حماية المرأة بشكل جدي.
في حين أضافت الناشطة في الدفاع عن حقوق المرأة، ورئيسة جمعية “أيادي حرة”، ليلى إميلي، أن النساء الناشطات والحقوقيات في المغرب يقررن بإيجابية هذه الخطوة، مع التحفظ على النص، حيث إنه يحتاج إلى المزيد من تجويد الصياغة أكثر مما هو عليه.
وطالبت النساء المغربيات وجمعيات المجتمع المدني والقطاعات النسائية والأحزاب بالمزيد من الإيجابية، فقد تمكَّنَّ بعد شوط طويل من النضال من استخراج هذا النص، وما عليهن الآن هو المطالبة بآليات تفعيله.
وكانت إحدى الإحصائيات التي أوردتها المندوبة السامية للتخطيط في المغرب، قد أوضحت أن نسبة تتجاوز الـ 40 % من النساء المغربيات، واللاتي يعشن في مناطق حضرية وتتراوح أعمارهن ما بين 18 و64 سنة، قد تعرضن لعنف وفي أحسن الأحوال لمرة واحدة على الأقل.
وللاجئات أيضًا نصيبٌ
كما قد أضيفت مؤخرا إلى المشاكل التي تعاني منها المرأة مشكلة جديدة تتعلق بالنساء اللاجئات اللاتي يتعرضن لأنواع جديدة من الضغوط، حيث انتقالهن من مجتمعاتهن بما تحتويه من ثقافات خاصة بهن إلى مجتمعات أخرى جديدة، بثقافة جديدة ومشاكل جديدة، ولا تتوفر فيها نفس درجات الحماية الاجتماعية اللاتي كن يتمتعن بها داخل مجتمعاتهن، ولعل ما أوضح تلك المشكلة الجديدة هو ذلك العدد الكبير من النساء العربيات اللاجئات بعد تعرض دول عربية لظروف سياسية أجبرتهن على النزوح منها كسوريا واليمن.
في حين قد أقدمت “رابطة نساء سوريات” في مصر على خطوة عملية لتقوية المرأة على المستويين النفسي والبدني، من خلال تقديم دورات تدريبية لتعليمهن وسائل وطرق الدفاع عن النفس، وصرحت لطيفة فتحي، رئيسة مبادرة “مجتمع واعٍ وأكثر حماية وأمانًا”، بأن تسليح النساء اللاجئات بتعليمهن سبل الدفاع عن النفس أصبح ضرورة ملحة، ولذلك كان لابد من البدء في تنظيم دورات تدريبية لهن، وخاصة في ظل ما يتعرضن له بشكل يومي من تحرش لفظي وجسدي، إلى جانب تعرضهن للسرقة.
وبرغم نجاح هذه المبادرة التي لاقت رواجًا كبيرًا في صفوف الفتيات اللاجئات، سواء كن سوريات أو يمنيات أو سودانيات، لمواجهة هذا التحرش والعنف الذي يتعرضن له، فإن هذه الخطوة ما هي إلا مبادرة فردية – ومع كامل تقديرهن لما بذل بها من مجهود- ولكنهن يرين أنها لا تغني عن المطالبات بإصدار قوانين صارمة لمواجهة العنف ضد المرأة، مع السير في خط متوازٍ لتغيير الثقافة العربية التي تعتبر المرأة دائما في منزلةٍ أقل، وتبرر العنف تجاهها بشتى السبل.
اضف تعليقا