العدسة – جلال إدريس
“اتحررتم ياتوانسة.. الشعب التونسي حر .. يا توانسة ياللي عذبوكم.. ياتوانسة ياللي قهروكم.. بن علي هرب..المجرم هرب… المجد للشهداء.. المجد للشعب التونسي”
سبع سنوات كاملة مرت على تلك الكلمات المؤثرة التي ظل المواطن التونسي والمحامي والناشط الحقوقي والسجين السابق، عبد الناصر لعويني، يصرخ بها في شوارع تونس، بعد رحيل الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، بعد نجاح ثورة الياسمين في يناير 2011، لتظل تلك الكلمات خالدة في وجدان وذاكرة الشعب التونسي إلى أبد الآبدين.
كلمات المحامي التونسي أبكت كل من سمعها وأثارت مشاعر جياشة أذابت الخوف من قلوب التونسيين، ليعيد النشطاء نشرها في كل عام يمر على ثورة تونس التي كانت الشرارة التي أشعلت الثورات في باقي دول الربيع العربي.
ومع انبهار كثير من نشطاء وسياسي العالم العربي، بالتجربة التونسية، وبالمسار الذي اتخذته الثورة التونسية هناك، فاجأ الشعب التونسي العالم أجمع باشتعال شرارة ثورية أخرى، في الذكرى السابعة لثورتهم، ينادي فيها المتظاهرون بمطالب مشابهة بالتي نادوا بها حين أسقطوا “بن علي” وأجبروه على الرحيل من بلادهم، ليبقى أسئلة قائمة ومطروحة:
“هل لاتزال تونس هي النموذج الأفضل في نماذج ثورات الربيع العربي؟ وهل ما حققته الثورة من نجاحات يرضي شعبها وثوراها وشهداءها؟ وما الفرق بين ما آلت إليه تونس، وما آلت إليه بلدانا عربية أخرى اشتعلت فيه الثورة كـ”مصر وليبيا وسوريا واليمن؟!”
إنجازات ومكاسب
مع مرور سبع سنوات على الثورة التونسية يمكن القول إن الثورة لم تحقق كافة أهدافها بعد، لكنها نجحت في تحقيق البعض منها، فعلى سبيل “ملف الحريات” ارتفع هذا الملف بشكل كبير في تونس الخضراء، ولم تعد السلطة الأمنية هي السائدة على كل السلطات في البلاد، بالرغم من أن ذلك لا يمنع من وجود بعض التجاوزات.
ووفقا لمراقبين فإن تونس أنجزت عدداً من المكاسب السياسية، بينها صياغة دستور جديد (في 2014)، ورفع سقف الحريات، وتطور المشاركة السياسية والانخراط في الشأن العام، فضلاً عن حريات إعلامية لافتة”
كما أن الثورة التونسية نجحت كذلك فكرة التداول السلمي للسلطة في البلاد، من خلال الانتخابات التشريعية والرئاسية (2014)، علاوة على ظهور فكرة التوافق، باعتبارها فكرة مهمة لمجتمع يعاني الهشاشة”.
نجحت تونس أيضا في تحييد المؤسسة العسكرية، التي اختارات منذ اليوم الأول عدم الدخول في معترك الحياة السياسية، فانشغل الجيش التونسي بالعمليات الأمنية والعسكرية وتأمين الحدود، في حين انشغل السياسيون بمعاركهم السياسية الطبيعية.
أيضا فإن “تونس” قد شهدت تحسنا تدريجيا في وضعها الأمني، لكن هذا الوضع تدنى، عقب هجمات احتدت وتيرتها، خاصة في 2015، استهدفت معالم سياحية ومواقع أمنية، وأدت إلى مقتل سائحين ورجال أمن ومدنيين، غير أنها بدأت في الاستفاقة مرة أخرى وعادت للتحسن التدريجي من جديد.
إخفاقات ومصاعب
كل تلك الإنجازات التي نجحت الثورة التونسية في تحقيقها لم تخفِ المتاعب والإخفاقات الاقتصادية التي فشلت الثورة التونسية في التغلب عليها، حيث يرى كثيرا من المراقبين أن البلاد التي شقت طريقها نحو تكريس مبادئ الديمقراطية والحرية، فشلت في تحقيق العدالة الاجتماعية، وتحسين الوضع الاقتصادي الذي يزداد تأزما يوما بعد آخر.
ويرى مراقبون أن الثورة التي انتصرت في التخلص من دولة اللصوص والبوليس، انتقلت إلى دولة رأسمالية مكتملة الملامح، في ظل حريات سياسية، لكن مقابل فوضى اقتصادية.
وبحسب تقارير عدة، فإن مؤشرات عديدة تشير إلى أن الوضع في تونس يزداد صعوبة، بينها انكماش الاقتصاد إلى أقل من 1%، في حين فاقت نسب البطالة 15%، وتباطأ نمو الاستثمارات الأجنبية بفعل التوترات الأمنية، منذ الثورة التي أطاحت بالرئيس الأسبق زين العابدين بن علي (1987-2011).
ووفقا لوزير المالية التونسي الأسبق، حسين الدّيماسي، فإن “كل المؤشرات تظهر أن الوضع الاقتصاد ساء مقارنة بالسنوات الأولى للثورة عندما كانت تونس تسجل معدلات نمو بين 4 و5% بين عامي 2010 و2011”.
وأضاف الدّيماسي – بحسب العربي الجديد – أن “جل السياسات الاقتصادية كانت خاطئة طيلة سبع سنوات، والشعب يدفع ضريبة تلك السياسيات، موضحاً أن “ميزانية الدولة انساقت إلى زيادات في الأجور، ما نتج عنه ارتفاع في نسب التّداين والتضخم المالي، وهذا ما جرنا اليوم إلى انحدار الدينار التونسي مقارنة بالعملات الأجنبية”.
ونظرا للإخفاقات الاقتصادية الواضحة في تونس، تشهد العديد من المدن التونسية بين الحين والآخر احتجاجات ومسيرات غضب ترفع خلالها لافتات تطالب بالشغل والحرية والكرامة وهي نفس الشعارات التي تم رفعها خلال الثورة التي أطاحت ببن علي، حيث يشتكي المواطنون من زيادة الضرائب وارتفاع الأسعار وانهيار قيمة الدينار، الذي أدّى بدوره إلى غلاء فاحش، وأوجد قلقا لدى الفئات محدودة الدّخل.
تحديات ومخاوف
ورغم النجاحات التي حققتها تونس خلال السنوات السبع التي عقبت نهاية نظام بن علي خاصة على المستوى السياسي، فإن السلطات تواجه في المقابل انتقادات كثيرة نتيجة ضعف الإنجازات على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، كما أن هناك مخاوف وتحديات كبيرة لاتزال تواجه تونس الخضراء، وربما هي السبب في اندلاع موجة الغضب والتظاهر في الشارع التونسي بين الحين والآخر.
ومن أبرز المخاوف التي تواجه “تونس” هو أن تفشل في مواجهة الأزمات الاقتصادية، وتلبية احتياجات المواطنين العاجلة، الأمر الذي قد يؤدي إلى كفر الناس بالثورة، وبالتالي تصل الأمور في تونس إلى حد الفوضى، وهو ما أنذرت به الاحتجاجات الأخيرة في تونس.
أيضا فإن هناك تخوفا كبيرا على الثورة التونسية، من التدخلات الخارجية خصوصا، التدخلات والمؤامرات التي تحيكها دولة الإمارات لتونس، والتي تضح معالمها كل يوم، من خلال تسريبات تخرج للعلن، تكشف عن الدور السيئ الذي لا تزال الإمارات تحاول لعبه في تونس.
وتسعى الإمارات من خلال الوثائق المسربة على تشكيل كتلة سياسية موالية لها في تونس، عن طريق دعم شخصيات سياسية ونواب وأحزاب ومنظمات ووسائل إعلام معارضة للإسلام السياسي، وذلك بالاستفادة من هشاشة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها البلاد بعد الثورة، ليكون لها دور ونفوذ قوي على غرار الذي تلعبه “أبو ظبي” في بلدان عربية أخرى قامت فيها ثورات.
التخوف الأخير يتعلق بمزاعم محاربة الإرهاب، حيث يخشى التونسيون أن يستغل هذا الزعم من قبل السلطات التونسية، في عودة القبضة الأمنية، أو التضييق على تيارات سياسية بعينها بحجة محاربة الإرهاب وغير ذلك، وهو التخوف الذي تتصدى لها التيارات السياسية بالمرصاد.
لكن .. لاتزال الإجابة: تونس
وبعيدا عن كل ماسبق، وكل المكاسب والإخفاقات والتحديات التي تواجه الثورة التونسية، فإن مراقبين يؤكدون أنه وبرغم كل شيء، تبقى ثورة الثورة الأنجح في ثورات الربيع العربي، وشعبها يعد في وضع أفضل من باقي شعوب الثورات العربية.
فلو تفحصنا واقع وبلدان ثورات الربيع العربية، دولة دولة، لوجدانها في حالة لاتحسد عليه، فعلى سبيل المثال، عانت الثورة المصرية، من انقضاض الثورة المضادة عليها، وتقريبا قضت على كل ما أسفرت عنه الثورة من إنجازات.
فالانقلاب العسكري الذي شهدته مصر في الثالث من يوليو 2013، أنهى أول تجربة انتخابات ديموقراطية في مصر بعد ثورة يناير 2011، بشكل مأوسوي، حيث سجن “محمد مرسي” أول رئيس مدني منتخب بعد الثورة، عقب الانقلاب العسكري عليه، وازدات القبضة الأمنية في مصر، وأصبحت الأحكام القضائية بمثابة السيف المسلط على رقاب ثوار ونشطاء يناير، إما بالسجن وإما بالإعدامات.
وعلى مستوى الحريات، غابت الحريات تماما من مصر، وأصبح لا يعلو سوى صوت “الحرب على الإرهاب” تلك الحرب التي يتهم النظام نفسها باصطنعاها، بعد مظاهرات الثلاثين من يونيو وانقلاب يوليو 2013.
وعلى المستوى الاقتصادي تعاني مصر من تردي اقتصادي أصعب بكثير مما تعانيه تونس، وغلاء فاحش في الأسعار خصوصا بعد القرارات الصعبة التي اتخذتها حكومات ما بعد الانقلاب العسكري، بيد أن المواطن المصري عاجز عن التعبير عن غضبة من ارتفاع الأسعار والأوضاع الاقتصادية بسبب القبضة الأمنية المفروضة عليه.
وعلى مستوى الوضع الأمني، فقد أصبح الإرهاب، يضرب في سماء القاهرة تماما كما يضرب في سماء سيناء، وسط فشل من الدولة في مواجته، واستغلال كبير له في قمع الحريات وتكميم الأفواه.
“اليمن وليبيا” ليسا أفضل حالا من “مصر” حيث تعاني الدولتان الانقسام والتشرذم بعد ثورات الربيع العربي، ورغم مقتل كلا من “القذافي وصالح” وهما الرئيسان اللذين قامت عليهما الثورات في هاذين البلدين، إلا أن “كلا من ليبيا واليمن” تعانيان حاليا من انقسام وأشبه بالحرب الأهلية، فضلا عن اعتداءات وحروب خارجية، وتدهور حاد في اقتصاد الدولتين، وانهيار شبه كامل على كافة الأصعدة والمستويات.
وأخيرا فإن الوضع في “سوريا” لا يخفى على كل مبصر، فلازالت سوريا تعاني ويلات الحرب منذ 7 سنوات، ولازال نظام بشار الأسد، يعاقب شعبها بوابل من البراميل المتفجرة والقاذفات، ما أدى لسقوط عشرات الآف من الشهداء من الرجال والنساء والأطفال، وتشريد ملايين المواطنين السوريين كلاجئين في الدول الأوربية والعربية، وتفتت كامل للبلاد، وانقسامها واشتعال الحرب الطائفية فيها، خصوصا مع تزايد التدخلات الخارجية فيها من كل من “إيران وحزب الله وروسيا والسعودية وأمريكا” وبلاد أخرى.
وبعد هذا العرض المفصل لواقع بلدان الربيع العربي، بعد 7 سنوات من عمر الثورة التونسية، يمكن القول وبقول وضوح أن “تونس” لازالت هي الأنجح في تلك التجربة على الإطلاق، وأن الإجابة تظل على حالة “تونس” هي الأولى.
اضف تعليقا