في العهد الحالي، عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، والذي تولى السلطة في مصر بعد انقلاب 2013، تقلصت مساحة حرية الصحافة، بل حرية الرأي والتعبير بشكل عام، والتي لم تكن كبيرة خلال الأنظمة السابقة، إلا أنه على الأقل كانت مصر تتمتع بقدر من نزاهة الإعلام، أما الآن، وفي عهد السيسي، شددت الجهات الحكومية قبضتها على كافة وسائل الإعلام الرئيسية، ليواجه الصحفيون من كافة الانتماءات والقوميات تضييقات واسعة، وتهديدات تمس سلامتهم وحرية عملهم، كالاعتقالات والعنف البدني والترحيل.
حول هذا الموضوع، أجرت مجلة “السياسات العالمية” (وورلد بولتيكس ريفيو- World Politics Review) حواراً صحفياً في القاهرة مع مراسل صحيفة وول ستريت جورنال في الشرق الأوسط جاريد مالسين، والذي تحدث عن الحملة القمعية الشرسة التي يشنها السيسي على وسائل الإعلام المختلفة في مصر، والتضييقات التي يلاقيها الصحفيون المصريون والأجانب.
نص الحوار:
المجلة: ما هي التهديدات الرئيسية التي تواجه الصحفيين في مصر؟ وكيف تختلف تلك التهديدات من الصحفيين المصريين إلى الصحفيين الأجانب؟
مالسين: ببساطة، لا توجد حرية للصحافة في مصر. المسألة تبدأ من الجهات المالكة لوسائل الإعلام، وبدراسة الواقع الإعلامي في مصر، نجد أنه وعلى مدار السنوات الخمس أو الست الماضية، أصبحت وسائل الإعلام في مصر خاضعة لسيطرة الدولة.
الدولة المصرية بكافة أجهزتها، بما فيها جهاز المخابرات والأجهزة الأمنية الأخرى، سيطرت بصورة مباشرة وغير مباشرة على معظم الصحف والمحطات التليفزيونية والإذاعية، ما يعني أن الدولة يمكن أن تفرض رقابة مباشرة وغير مباشرة على ما يُقال في وسائل الإعلام.
علاوة على ذلك، هناك خطر دائم يحدق بالجميع يسمى الاعتقال إذا تم تجاوز الخطوط الموضوعة من قبل الحكومة.
حدث هذا مع العديد من الصحفيين المصريين، وليس فقط الصحفيون، بل أيضاً الكُتاب والفنانين، وأي شخص يظهر أو يكتب أو يقدم أي محتوى في وسائل الإعلام المختلفة.
ليتم محاكمتك بعد ذلك على عدد من الجرائم الفضفاضة، كإهانة القضاء وإهانة الرئيس، وجميعها تهم منصوص عليها في قوانين قمعية، كقانون مكافحة الإرهاب الذي يقيد وسائل الإعلام، وقانون جديد صُمم للتضييق على وسائل التواصل الاجتماعي، لتصبح البيئة “الإعلامية” في مصر رهن الاعتقال.
المجلة: هل هناك حالات بعينها لصحفيين أو أشخاص أصحاب حضور إعلامي تعرضوا للملاحقة أو التضييق خلال العام أو العامين الأخيرين؟
مالسين: حالة محمود أبو زيد، الشهير بـ “شوكان” تعد من أبرز الحالات على ذلك، والذي تم إطلاق سراحه قبل شهرين، بعد اعتقال دام أكثر من خمس سنوات.
شوكان هو مصور صحفي مصري، ألقي القبض عليه أثناء قيامه بتغطية أحداث الفض، والتي قتلت فيها قوات الأمن حوالي 1000 شخصاً في يوم واحد، خلال احتجاجات أنصار الرئيس الأسبق محمد مرسي بعد الانقلاب، ليتم إلقاء شوكان في السجن بعد محاكمته مع مجموعة من المتظاهرين الآخرين.
الآن شوكان حُر طليق، إلا أنه ما حدث له يصور لأي مدى يمكن لهذا النظام أن يتوغل في ملاحقة الصحفيين.
المجلة: هل تم اعتقال وسجن صحفيين آخرين أثناء تغطيتهم لتلك الاحتجاجات؟
مالسين: نعم… تلك الفترة كانت واحدة من أسوأ وأحلك الفترات. كان ذلك في صيف وخريف 2013، لا أتذكر رقماً دقيقاً حول الضحايا من الصحفيين، إلا أنه تم اعتقال عدد كبير، كما قُتل بعض الصحفيين أيضاً، كالمصور البريطاني مايك دين، مصور سكاي نيوز، والذي قتل في أغسطس/آب 2013 أثناء الفض.
تجدر الإشارة إلى أن النظام السابق- أثناء حكم جماعة الإخوان المسلمين، قام فتح الأبواب أمام الصحفيين للوصول إلى نقاط حساسة فيما يتعلق بحرية التعبير، حتى وإن قام بسجن ومحاكمة بعضهم، إلا أن الوضع الآن ساء للغاية، حتى أنه وبحسب لجنة حماية الصحفيين الدولية، فإن ترتيب مصر من حيث الصحفيين المعتقلين يأتي في المرتبة الثالثة عالمياً بعد تركيا والصين.
المجلة: كيف تغير المشهد الإعلامي تحت حكم السيسي؟
مالسين: في عهد السيسي، تقلص هامش حرية التعبير بصورة كبيرة حتى كاد يختفي، فما كان يمكن التصريح به علنياً أصبح من المحظورات.
لا يجود أي مجال للنقاش الحر حول أي شيء، ليس فقط حول القضايا السياسية الحساسة، بل حتى حول القضايا الاجتماعية اليومية، كالرعاية الصحية والتعليم.
النقاشات حول تلك المواضيع أصبحت تتقلص شيئاً فشيئاً في الصحف المصرية والتليفزيون، وتحولت جميع الأبواق إلى صوت وحيد بل أوحد ينطق بما تريده الحكومة وحسب.
الأغرب من ذلك، أننا نرى بعض الإعلاميون البارزون والمعروف عنهم ولائهم الشديد للنظام وقد غابوا عن الساحة بين ليلة وضحاها، ربما ابتعدوا عن الخط المرسوم لهم من قبل النظام.
مثال على ذلك، إعلامية بارزة وذات شهرة عالية تُدعى لميس الحديدي، معروف عنها تأييدها للنظام قلباً وقالباً، رغم ذلك، توقفت فجأة عن الظهور على شاشة التلفزيون، في واقعة لافتة للانتباه، وحتى الآن لا أحد يعرف السبب الحقيقي وراء حجب ظهورها.
المجلة: هل ينتبه المصريون لهذا الشيء، من حيث كيفية تأثيره على حياتهم اليومية على الأقل؟ يقومون بمشاهدة الأخبار وقراءة الصحف، ألم يلاحظوا أن النغمة تغيرت؟ نتساءل عن شعورهم حيال ذلك.
مالسين: هذا سؤال جيد. من خلال بعض النقاشات مع الصحفيين المصريين، وبمتابعة نقاشات المصريين الذين يعملون في وسائل الإعلام المصرية بشكل عام، نجد أنه على دراية تامة بالمساحات الضيقة المفروضة لحرية التعبير، بل لم يعد هناك أي منافذ إعلامية مستقلة سوى منفذ أو اثنين، ويتعرضون لكم هائل من الضغوطات والتضييقات.
إضافة إلى ذلك، يوجد رقابة صارمة على شبكة الانترنت، فهناك أكثر من 500 موقع الكتروني تم حظرهم، بما فيهم موقع “مدى مصر”، وهو منفذ إعلامي مستقل، كما تم حضر موقع جريدة “ديلي نيوز مصر”، وهي صحيفة مستقلة تصدر بالإنجليزية.
بالعودة لسؤالك، أظن أن الناس يعرفون مثلاً أن “النظام الغذائي” الذي تتحدث عنه وسائل الإعلام مختلف عن ما يلاقونه على أرض الواقع، وربما الصورة التي تصلني أنا أقل دقة حيث أن أغلب نقاشاتي تتم مع صحفيين وإعلاميين.
إنها بديهيات، فالناس يعرفون أن واقع الاقتصاد المصري وأوضاع حقوق الإنسان في التليفزيون ووسائل الإعلام المختلفة لا تحاكي واقعهم الحقيقي في الشارع.
المجلة: هل عدم تركيز إدارة ترامب على قضايا مثل حرية الصحافة وحقوق الإنسان شجع السيسي للتصرف دون رقيب في سياساته القمعية؟ أم أن هذه هي سمة النظام المصري الرئيسية دون أن يكون لواشنطن تأثير على ذلك؟
مالسين: بالطبع هناك تأثير وإن كان غير مباشراً.
أود أن أشير إلى أنه شيء له دلالة حين يعبر رئيس الولايات المتحدة عن إعجابه بالحكومات القمعية التي تقوم بالتضييق على الصحفيين وتنتهك حقوق الإنسان.
كان السيسي في زيارة لواشنطن في أبريل/نيسان الماضي، ذهب إلى البيت الأبيض والتقى بترامب، كان ذلك قبل أسبوع من إجراء الاستفتاء حول التعديلات الدستورية الأخيرة، والتي ستسمح للسيسي بالبقاء في منصبه وتعزز سلطاته، وستزيد من إحكام قبضته على السلطة القضائية، بالإضافة إلى زيادة سلطات الجيش داخل الدولة.
حين سُئل ترامب عن ذلك أجاب فيما معناه أنه يعتقد أن السيسي يقوم بعمل رائع.
المجلة: أنا متأكد إذا كان ذلك الاجتماع قد تم بعد الاستفتاء، فإن ترامب كان سيهنئ السيسي بفوزه الرائع.
مالسين: أتفق معك.. لكن ما مدى أهمية ذلك أو تأثيره على حسابات الحكومة المصرية؟ على سبيل المثال، ولأكثر من عام، اتبعت إدارة أوباما نهجاً مضاداً للسياسات المصرية، ما تسبب في حدوث أزمة كبيرة في العلاقات مع مصر، ومع هذا، لم تغير الحكومة المصرية من سلوكها ولا سياساتها، على الرغم من إعلان الولايات المتحدة آنذاك بصورة أو بأخرى عدم موافقتها على ما تقوم به الحكومة المصرية.
المجلة: ما هي التدابير التي تتخذها -أنت شخصياً والجريدة التي تعمل بها- لضمان حمايتك وضمان العمل في مناخ وبيئة آمنة هنا في مصر؟
مالسين: نتحدث دائماً حول هذا الموضوع أنا وزملائي المحررين وبقية فريق العمل في وول ستريت وجورنال وداو جونز. لا يمكنني إخبارك بما نقوم به تحديداً لحماية أنفسنا، لكن نحاول قدر الإمكان الحفاظ على أمان منافذنا الرقمية.
لا أقوم بإجراء أي حوار في الشارع مع المواطنين، وذلك للريبة التي تنتابهم حيال قيام أي صحفي أجنبي بإجراء أي حوار أو تغطية، كما أنه في حال الاصطدام بالشرطة فإن العواقب لا تكون محمودة أبداً.
إذا كان علي إجراء مقابلة شخصية مع شخص ما، أحاول دائماً القيام بذلك في مكتبه أو منزله.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا