العدسة – موسى العتيبي

من شرم الشيخ عاد إلى القاهرة بصحبة زوجته، ليتوجه مباشرة إلى زيارة للفنانة “شادية” في مستشفى الجلاء العسكري للاطمئنان على حالتها الصحية، ولتأكيد أن الدولة تقدر المرأة وتقدر الفن في آن واحد.

هكذا يحاول “عبد الفتاح السيسي” تقديم نفسه دائما كرجل يحب المرأة ويقدرها، ويحترمها، للحد الذي يطالب فيه الشباب بأن يضعوا أيديهم خلف ظهورهم وهم يتحدثون مع النساء.

وبتتبع دقيق لأغلب خطابات السيسي، يبدو واضحا أن السيسي لا يترك مناسبة، إلا ويتحدث فيها عن حبه وتقديره للمرأة، في حالة غير مفهومة لكثير من المراقبين، هل ما يقدم عليه هو احترام وحب حقيقي للمرأة، أم هو استغلال حقيقي لها، ولعب على وتر الاهتمام بها في مجتمع يتهمه البعض بالذكورية.

ربما يكون الجواب الواضح لهذا السؤال، هو مواقف السيسي ونظامه، ومدى تطابق تصريحاته بشأن احترام المرأة مع أفعاله وتصرفات أجهزته الأمنية.

في كل الحالات ستكون المقارنة صادمة للغاية، وسيتم الاستعانة بالمثل الشعبي الشهير “أسمع كلامك أصدقك أشوف أمورك أستعجب”، وذلك نظرا للتناقض الواضح بين احترام السيسي المزعوم للمرأة وبين المعاناة غير المحدودة التي باتت تلاقيها في عصره.

دموع الإيزيدية

لنبدأ بواقعة دموع السيسي التي شهدها مؤتمر الشباب الدولي  الأخير بشرم الشيخ،  حيث بدا السيسي متأثرا بشكل كبير، وظهر وهو يبكي على الهواء مباشرة خلال كلمة الناشطة العراقية “الإيزيدية” لمياء حجي بشار، التي كانت تتحدث في كلمتها عن الانتهاكات الوحشية التي تعرضت لها على يد أفراد من تنظيم “داعش”، حين سقطت أسيرة وبيعت في سوق النخاسة في سوريا، وفقا لقولها.

السيسي بكى وبدا متأثرا، ووقف احتراما للفتاة، وظل يصفق لها لعدة ثواني، كل ذلك ووسائل الإعلام تسجل وتصور، لتخرج الصحف المصرية في اليوم التالي تتحدث عن الرئيس الإنسان الذي تذرف دموعه على انتهاكات ارتكبت ضد فتاة.

اختفاء سمية

لكن، وفي زاوية أخرى بعيدة عن وسائل الإعلام المصرية، تواجه فتيات مصريات، ولسن إيزيديات، انتهاكات صارخة على يد أفراد الأمن المصري، وليس على يد “داعش”، والانتهاكات تقع  في قلب القاهرة وباقي المحافظات، وليس في شمال سوريا أو العراق.

“سمية ماهر حزيمة”  هي فتاة مصرية تعمل كيمائية بمعمل تحاليل بمحافظة القليوبية، مثلها مثل الفتاة “الإيزيدية” التي ذرف السيسي عليها الدموع، تحب الحياة وتطمح أن تعيش بحرية وكرامة، لكن سمية تعرضت للاختفاء القسري على يد قوات الأمن المصري، ومن حينها لا يعرف أهلها ولا زوجها عنها شيئا منذ 22 يوما.

البلاغات للنائب العام، والشكاوى لمجلس حقوق الإنسان، والاستغاثات الإنسانية المتكررة، لم تعد تجدي نفعا وكأن الأرض انشقت وابتلعتها، رغم أن من قام باعتقالها قوات أمن مصرية، لكنهم اصطحبوها لمكان مجهول.

سمية ليست الحالة الوحيدة التي تتعرض لانتهاكات حقوقية في مصر، لكن وفقا لإحصائية حديثة للتنسيقية المصرية للحقوق والحريات، فإن السجون المصرية تشهد حاليا اعتقال ٥٢ سيدة وفتاة، على خلفية قضايا سياسية، منهن ١٣ محكوم عليهن، و٢٥ محبوسة احتياطيا، و١٤ فتاة مختفية  قسريا.

المعتقلات والمختفيات قسريا يتعرضن لانتهاكات صارخة، وفقا لعشرات التقارير الحقوقية المصرية والدولية  التي تؤكد ذلك.

احترام المرأة وتفتيش “الأندر” !

وبالعودة إلى مؤتمر شرم الشيخ الدولي وحديث السيسي عن المرأة، يلحظ أن السيسي خاطب الشباب في أكثر من مرة لاحترام المرأة قائلا “خلوا بالكم من كل شابة وسيدة وامرأة وانحنوا أمامها، والكلام اللي بقوله مش كلام معسول علشان أرضي بيه الناس، انتبهوا يا مصريين”؟.

وفي مرة أخرى خاطب السيسي الشباب قائلا “خلوا بالكم يا شباب، المفروض الراجل يحط إيده ورا ظهره وهو بيكلم الست عشان ما تخافش، مش يزعّق ويشتم، وكده الرجالة هيزعلوا منى واحنا داخلين على انتخابات”.

ومن شرم الشيخ نعود إلى القاهرة، وبالتحديد إلى مجمع سجون طرة، حيث كشفت خديجة الشاطر، نجلة القيادي بجماعة الإخوان المسلمين خيرت الشاطر، عن تصرف أقل ما يوصف به أنه مهين، تقوم به الأجهزة الأمنية مع بنات وزوجات المعتقلين.

خديجة الشاطرة روت الأربعاء الماضي، أن المفتشات الأمنيات بسجون طرة، طلبن من بعض الفتيات “خلع ملابسهن الداخلية” لتفتيش الفوط الصحية والتأكد من خلوها من أي رسائل أو شيء يصل إلى السجناء والمعتقلين.

“تفتيش الفوط الصحية والغيارات الداخلية للفتيات” هكذا قالت ابنة الشاطر، وأكد روايتها بعض الحقوقين بينهم الناشط الحقوقي أحمد مفرح، وهو الأمر الذي يعكس حالة الاحترام القصوى والشديدة التي تطبقها أجهزة السيسي الأمنية مع بنات المعارضين سياسيا لسلطته وفقا لمراقبين!.

مكاسب وهمية للمرأة

مكاسب سياسية دائما مايتفاخر بها “عبد الفتاح السيسي” للمرأة في عهده، من بينها تعيين أول محافظة في مصر، فضلا عن تعيين 4 سيدات في حقائب وزارية، لكن في المقابل أيضا يتجاهل السيسي واقع المرأة الذي بات صعبا في عهده إلى حد كبير.

مراقبون اتهموا السيسي بأنه يستخدم المرأة كستار سياسي للتغطية على كثير من تجاوزات نظامه، وأن واقع المرأة المصرية في عهده ازداد سوءا عما كان عليه في عهد “مبارك”، وأن أغلب تصريحاته بشأن المرأة ليست سوى من قِبَل الديكور السياسي التجميلي.

التقارير الدولية المتعلقة بشأن المرأة في مصر، ربما تكون كاشفة لجانب من التناقضات بين تصريحات السيسي، وبين تصرفاته وتصرفات نظامه.

فالمرأة التي يحتفي بها السيسي دائما، صنفت القاهرة في عهده بأنها أخطر مدن العالم على النساء، وفق استطلاع رأي أجرته  مؤسسة “طومسون رويترز” الشهر الماضي، وكشفت فيه عن أن المرأة في القاهرة باتت تعاني ترديا واضحا في كل شيء.

فمستويات التحرش الجنسي ارتفعت عن ذي قبل بنسب غير معقولة، وكذلك التردي في الخدمات الصحية والتأمينية المقدمة للمرأة، فضلا عن الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي باتت تمر بها ربة الأسرة في مصر، خلال سنوات السيسي الثلاث الماضية.

وبين الواقع المرير الذي تعيشه المرأة المصرية، وبين التصريحات الوردية للسيسي، يبقى شعار كثير من النساء في مصر “أسمع كلامك أصدقك .. أشوف أمورك أستعجب”.