العدسة – معتز أشرف

تدور عجلة الانتخابات البلدية في تونس بالتزامن مع عجلة مؤامرة إماراتية حاقدة على ثورة الياسمين لإجهاض مسار الثورة الديمقراطي ودعم المناهضين لها في هذا السباق، وبات كل فريق ينظر في ساعة الصفر جيدًا، ويعد لها العدة وخرائط العمل، حتى أصبح السؤال: من يحسم السباق في تونس؟ هل ثورة الياسمين أم عصابة الديكتاتور الإماراتي محمد بن زايد في بلاد بوعزيزي؟ وهو ما نحاول الإجابة عنه في هذا التقرير..

مناصفة وترقب

بإغلاق باب الترشح للانتخابات البلدية للعام 2018 -المزمع عقدها في 6 مايو القادم، بعد أن تم تأجيلها مرات عدة- يكون 57 ألف شخص، نصفهم من النساء تقريبا، باتوا في إطار السباق، حيث أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، أن 2173 قائمة قُدمت لشغل 350 بلدية، وجاءت القوائم كما يلي: 177 قائمة للائتلاف، و1099 للأحزاب، و897 قائمة مستقلة، حيث تمكن فقط كل من الحزب الحاكم “نداء تونس”، وحزب النهضة “الإسلامي”، من تقديم قوائم تضمنت جميع البلديات، فيما شملت قوائم باقي الأحزاب ثلث عدد البلديات أو أقل.

وكان حزب النهضة قد وسّع قائمته للأشخاص المستقلين، الذين يشكلون نصف قوائم الحزب تقريبا، ومن بين هؤلاء، وظف الحزب المرشح اليهودي سيمون سلامة على القائمة التي يمثلها في المدينة الساحلية “المنستير”، وينص القانون بوجه خاص على أن تكون القوائم متناصفة بين النساء والرجال، في كل قائمة، وعلى رأس قوائم كل حزب أو ائتلاف، وغالبية المرشحين، (29660 أو 52%)، تقل أعمارهم عن 36 سنة، وهو شرط آخر ينص عليه القانون، ومن المقرر أن تستمر الحملة الانتخابية بين 14 أبريل المقبل، حتى الرابع من مايو.

فارسا الرهان!

ويرى مراقبون أن المنافسة تنحصر بين فرسي الرهان في جولة اختيار برلمان 2014، ورغم الفارق الكبير بين عملي البرلمان والبلديات، إلا أن القناعة الراسخة لدى المراقبين بأن الاقتراع المقبل سيكون “كلاكيت ثاني مرة” لنظيره السابق قبل ثلاث سنوات، وسيكشف عن مشهد مكرر ينتزع فيها الثنائي الحزبي “نداء تونس”، وحركة “النهضة” دور البطولة مرة أخرى.

حركة النهضة ارتأت المشاركة في الاقتراع ضمن قوائم تمثّل الحزب، لكنها مفتوحة على الشخصيات والكفاءات الوطنيّة المستقلة من نساء وشباب ومثقّفين وفنانين وذوي احتياجات خاصة، وترى أن “هذه الانتخابات غير يسيرة بالمرة، وأنّها تتطلب استعدادات حثيثة حتى يكون الجميع في الموعد”، وبالنسبة لها، أما حركة نداء تونس، فقد اختارت خوض غمار المنافسة بقوائم حزبية منفتحة على الكفاءات القريبة من توجهات الحزب، فيما اختارت الجبهة الشعبية المعارضة (يسار) الانطلاق في الاستعداد للانتخابات وفق 3 صيغ؛ الأولى تتمثل في قوائم خاصة بها، وأخرى مفتوحة تشارك فيها الجبهة في إطار مدني سياسي واسع، بينما تشمل الثالثة قوائم مستقلّة، ولتعزيز فرص فوزها، اختارت أحزاب أخرى على غرار “الجمهوري” (وسط) التحالف مع أحزاب وشخصيات مستقلة.

وقاحة الإمارات!

الانتخابات البلدية المقبلة تشكل اختبارًا بالغ الأهمية، بحسب المراقبين التونسيين لحجم الشعبية التي يتمتع بها التيار الإسلامي ممثلاً بحركة “النهضة” في الشارع، ومن هنا جاءت الخطة التي تحمل الرقم (478/2017)، ووضعت في يوليو 2017، من قبل عملاء الإمارات في تونس، وتحمل نقاطًا تسعًا ترتكز على استقطاب عدد هام من أعضاء مجلس نواب مع إعطائهم منحًا شهرية لشراء ذممهم وضمائرهم، بالتوازي مع استمالة 19 نائبًا من حركة النهضة ذاتها، من أجل افتعال المشاكل والخلافات الداخلية، بما يضعف الحركة من الداخل، والعمل على اختراق لحركة النهضة على المستوى المركزي بما يضمن إثارة المشاكل والصدامات بين أعضاء مجلس الشورى، وأعضاء المكتب التنفيذي وأعضاء المكتب المحيط بالشيخ راشد الغنوشي، عن طريق تمويل العديد من أعضاء هذه المؤسسات الحزبية للتصادم في العديد من الملفات على غرار الملف المالي”.

ووفق تقارير متواترة، فقد رصد مراقبون العديد من التدخلات في الانتخابات التونسية المرتقبة، منها ما رصد مؤخرا في تحدٍّ صريح من دولة الإمارات لقرار الحكومة التونسيّة بمنع أيّ اتصال بين البعثات الدبلوماسية والمسؤولين الحكوميين إلاّ بالرجوع لوزارة الخارجية التونسية والتنسيق معها، ووزّعت سفارة الإمارات مساعدات عينية على عدد من الولايات التونسية، ويرى مراقبون أنها ليست هذه المرّة الأولى التي تتوّرط فيها دولة الإمارات في التدخّل في الشأن السياسي بتونس، حيث اتّهمت بتمويل حملات انتخابية لأطراف سياسية معيّنة كما ثبت توّرطها في دعم هذه الأطراف بسيارات باهظة و تمويلات على أشكال مختلفة، وهو ما ألقى بتأثيراته، وبات الجدل دائرا في الأوساط التونسية عن كون أنّ اتصال سفارة الإمارات المباشر بالولاة والمواطنين، وتوزيع مساعدات، يأتي في وقت تستعد فيه البلاد للانتخابات البلدية، يثير تساؤلات حول نوايا الإمارات لخدمة طرف سياسي معيّن، خاصّة بعد ثبوت طلب بعض السياسيين لأموال من سفارتها.

وكشفت وثيقة نشرت مؤخرا على الإنترنت بعنوان “الإستراتيجية الإماراتية المقترحة تجاه تونس” منسوبة إلى مركز الإمارات للسياسات، كشفت عن “خطة إماراتية” لحصر الإسلام السياسي في الزاوية، وبسط نفوذ الإمارات في تونس، وتحتوي الوثيقة على سبع صفحات، وبالرغم من صياغتها المقتضبة، قدمت معرفة دقيقة بتطورات المشهد السياسي في تونس، أما الهدف منها فيكشف عن رغبة في التدخل بشؤون البلاد سعيا إلى إضعاف نفوذ حركة النهضة وتهميش دور قطر، مقابل إيجاد أطراف موالية للإمارات، وأجابت الوثيقة عن ثلاثة أسئلة مفصلية تتعلق بمآل الأوضاع في تونس، والسياسات المقترحة لدولة الإمارات لتعزيز نفوذها، وتحديد القوى السياسية والاجتماعية الفاعلة في تونس، التي يمكن الاعتماد عليها لخلط الأوراق والإمساك بخيوط اللعبة السياسية.

وبحسب مضمونها، تراهن الوثيقة على تشكيل كتلة سياسية موالية لدولة الإمارات عن طريق دعم شخصيات سياسية وأحزاب ومنظمات ووسائل إعلام معارضة للإسلام السياسي، وذلك بالاستفادة من هشاشة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها البلاد بعد الثورة.

كما كشف موقع “موند أفريك” الفرنسي، عن تحركات إماراتية “مشبوهة” في تونس، شملت زرع جواسيس، ودعم مؤسسات وأشخاص بعينهم، لزعزعة استقرار البلاد، وتنفيذ انقلاب على نظام الحكم الحالي.

وبحسب مصادر أمنية جزائرية، نقل عنها الكاتب الفرنسي “نيكولا بو” في مقال له، يوم “الاثنين” 26 فبراير، فإن الإماراتيين يدفعون بحلفائهم في تونس إلى تشكيل تحالفات سياسية للإطاحة بالأغلبية الحاكمة، في إشارة إلي حركة النهضة، الامتداد الفكري لجماعة الإخوان المسلمين.

من ينتصر؟

وبات السؤال في ظل الاستعداد الإماراتي المتصاعد لإحباط الثورة في تونس، هو: من ينتصر؟ ومن يحسم السباق الانتخابي؟ والإجابة نرصدها في طرف المواجهة، حيث عول الرئيس التونسي السابق، ورئيس حزب “حراك تونس الإرادة”، “المنصف المرزوقي” علي الشعب، للتصدي للإمارات التي اتهمها بمحاولة إفشال الثورة في تونس، كما حدث وأفشلت ثورة مصر، ودعا الشعب إلى اليقظة لـ”حماية المسار الديمقراطي”.

حركة النهضة التونسية من جانبها، ترى مسار المواجهة في ” ضرورة التزام جميع الأطراف باستقرار العمل الحكومي وتهيئة مناخ إيجابي للانتخابات البلدية”.

وأكدت الحركة في اجتماع رفيع المستوى قبل أيام، الحاجة الملحة إلى الحوار في ملفات وقضايا الإصلاحات الكبرى، كمدخل ضروري لمعالجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي تمر بها البلاد، و ضرورة التزام جميع الأطراف باستقرار العمل الحكومي والنأي به عن كل ما من شأنه تعطيل دواليب الدولة أو التشويش على المفاوضات الجارية مع المؤسسات المالية الدولية، لاسيما والبلاد على مشارف عملية خروج للسوق المالية لتعبئة الموارد اللازمة لسد العجز في الميزانية، فيما جددت الدعوة إلى تهيئة مناخ إيجابي للانتخابات البلدية باعتبارها محطة تاريخية لترسيخ الانتقال الديمقراطي واستكمال البناء المؤسساتي، ودفع التنمية، وتقريب السلطة من المواطن، مع دعوة جميع الأطراف السياسية إلى الالتزام بنتائج انتخابات 2014 أساسا للحكم حتى قيام انتخابات أخرى، وتعزيزها بحوار وطني بَنَّاء يحافظ على عرى الوحدة الوطنية، ودعوة مجلس نواب الشعب وكتله إلى مزيد التوافق من أجل انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية، فيما أكدت ضرورة تثبيت المكتسبات الثورية مؤسساتٍ وثقافةً، وفي مقدمتها الدستور، وتوالي الانتخابات، والتداول السلمي على السلطة، واحترام الإرادة الشعبية، وإرساء ثقافة التعايش والتوافق.