ضاقت بهم أوطانهم“.. هكذا يمكن وصف حالة المعارضة في بعض البلدان العربية وخاصة الأنظمة الحاكمة التي لا تقبل النقد أو أي شكل من أشكال المعارضة، لتلجأ بعض الشخصيات إلى تشكيل كيانات خارج أوطانهم هربا من البطش المتوقع.

ولم يكن تشكيل تكتلات لمعارضة بعض الأنظمة العربية ظاهرة جديدة، ولكن دخلت في حالة من الزخم على خلفية الأزمات التي تشهدها المنطقة خلال السنوات القليلة الماضية.

وبدأت المعارضة السعودية بالخارج في عملية ترتيب الصفوف للدخول في مرحلة من رفض سياسات الأسرة الحاكمة في المملكة خلال الفترة المقبلة، خاصة مع وجود عدة تحولات جديدة، ربما دفعت إلى اتخاذ خطوات فعلية.

 مؤتمر أيرلندا

وجدت المعارضة السعودية بالخارج أنه لا مفر من تشكيل كيان يجمع كل الشخصيات الرافضة لسياسات “آل سعود”، خاصة بعد تحكم ولي العهد محمد بن سلمان في مقاليد الدولة تماما، بعد الإطاحة بولي العهد السابق محمد بن نايف.

وعقدت شخصيات من المعارضة أول مؤتمر لها في أيرلندا الجمعة الماضية، في خطوة سيكون لها أصداء دولية وداخلية بالسعودية خلال الفترة المقبلة، خاصة في ظل حالة ترقب كبير لما يمكن أن تتخذه هذه الجبهة الجديدة من خطوات.

“مواطنون بلا قيود”.. هذا هو اسم التكتل الجديد للمعارضة السعودية بالخارج، مع اختيار مدينة “دبلن” في أيرلندا لتدشين هذه الجبهة، خاصة وأن هذه المدينة تشهد تواجد لعدد من منظمات حقوق الإنسان الفاعلة على المستوى الدولي، مثل منظمة الخدمة الدولية لحقوق الإنسان “آيشر”، ومنظمة “المدافعون على الخط الأمامي” وهى منظمة معنية بحماية المدافعين عن حقوق الإنسان.

واعتبرت الأكاديمية السعودية مضاوي الرشيد، أن مبادرة “مواطنون بلا قيود”، مهمة ولكنها تكتسب أهمية مضاعفة لكونها منبرا للأصوات التي لا تستطيع التعبير عن نفسها في الداخل السعودي.

ودعت الرشيد، كل السعوديين في الداخل إلى التفاعل الإيجابي مع المبادرة، مؤكدة على أن الحركة تسعى للتواصل مع الداخل لتسليط الضوء على المشاكل التي يعاني منها الشعب السعودي.

وتُدرس الأكاديمية السعودية علم الإنثربولوجيا الديني في قسم اللاهوت والدراسات الدينية بجامعة لندن. وحفيدة آخر حاكم من أسرة الرشيد الحاكمة في حائل قبل سيطرة أسرة عبد العزيز آل سعود على الحكم في المملكة.

 الصعود المفاجئ

ويرتبط التصعيد المفاجئ من قبل المعارضة السعودية في الخارج بهذه الصورة، بعدة تحولات داخل المملكة خلال الفترة الماضية، خاصة مع سياسات محمد بن سلمان.

وتأتي أول هذه التحولات هو شن حملات اعتقال لعدد من الدعاة ورجال الدين والنشطاء والأكاديميين خلال الأيام الماضية، بما خلف حالة من الغضب الشديد داخل وخارج المملكة، خاصة وأن المعتقلين شخصيات دينية بارزة.

وتتمثل أهمية هذه الجبهة المعارضة في مواجهة توقعات بتوسع حملة الاعتقالات خلال الفترة المقبلة لتشمل أي معارض لسياسات محمد بن سلمان، والذي بدأ مرحلة جديدة من القمع داخل السعودية.

أما ثاني التحولات، فكانت صدور أمر ملكي بإنشاء جهاز باسم “رئاسة أمن الدولة”، يعني بكل ما يتعلق بأمن الدولة ويرتبط برئيس مجلس الوزراء مباشرة.

وشمل الأمر الملكي ضم المديرية العامة للمباحث وقوات الأمن الخاصة وقوات الطوارئ الخاصة وطيران الأمن لرئاسة أمن الدولة.

وهذا يعني أن هذا الجهاز هو محاولة لتكميم الأفواه إذ يفرض سيطرة تامة على كل الأجهزة الأمنية، في محاولة لتكرار التجربة المصرية في جهاز الأمن الوطني –حاليا-.

ثالثًا فإن هناك حالة من الغضب بفعل استنزاف الاقتصاد السعودي بعد الدخول في حرب اليمن التي تتحمل تكلفتها السعودية بشكل أساسي بما كبد الخزينة مبالغ طائلة، دفعها إلى الاقتراض الخارجي لسد عجز الموازنة.

وواجهت المملكة انتقادات شديدة خلال الفترة الماضية في ملف حقوق الإنسان، سواء لما يتعلق بانتهاكات خلال العمليات العسكرية التي تقودها السعودية في اليمن، وأخيرا بعد حملة الاعتقالات.

وتحاول المعارضة إيجاد حالة زخم يمكن من خلالها الظهور بشكل قوي لضمان تحقيق تأثيرات إيجابية، واستغلال وجود حالة من الغضب الشعبي الداخلي لسياسات محمد بن سلمان.

وربط مراقبون بين هذا الظهور للمعارضة بالخارج والسعي لتنظيم صفوفها بمسألة تقديم قطر دعم لها، لترد الرشيد عبر حسابها على موقع “تويتر”، قائلة: “إن كان كل معارض للظلم في السعودية ممول من قطر توقعوا إفلاسها قريبا”، في إشارة إلى الدوحة.

وهذه العبارة لها دلالات كبيرة، خاصة وأنها تقصد وجود قاعدة كبيرة وعريضة من المعارضين لنظام الحكم في المملكة، لدرجة أن قطر لن تتمكن من تمويلهم.

 شكل المعارضة

وبعد ظهور أول جبهة معارضة في الخارج، يمكن تقسيم المعارضة السعودية إلى عدة فئات:

 أولاً: معارضة نظام الحكم

ويتمثل هذا النوع من المعارضة في بعض النخب والمثقفين السعوديين، وهؤلاء تأثروا ببعض الأفكار الغربية ويطلق عليهم “التيار الليبرالي”، ولا يسعون إلى تغيير نظام الحكم الملكي ولكن يستهدفون بعض التغيرات الاجتماعية ومواجهة سلطان رجال الدين وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ووجد “التيار الليبرالي” متنفسا في السعودية أخيرا مع تصدر محمد بن سلمان الحكم، خاصة بعد السماح للمرأة بقيادة السيارة، والحد من سلطات هيئة الأمر بالمعروف، في إطار محاولة إرضاء ولي العهد للدول الغربية، باعتباره شخصية عصرية.

 ثانيًا: الشيعة

ويمثل الشيعة في المنطقة الشرقية بالمملكة صداع دائم للأسرة الحاكمة، خاصة مع اتهامهم لنظام الحكم بالتهميش وعدم المساواة مع مختلف السعوديين نظرا لأن مذهبهم شيعي، وسط حملات اعتقالات طالت عدد منهم خلال مواجهات العوامية أخيرا، بعد محاولات هدم بعض المنطقة القديمة هناك بدعوى أنها تعتبر مأوى لبعض العناصر الخارجة عن القانون.

 ثالثًا: القرارات الأخيرة

وظهر شكل آخر من المعارضة داخل السعودية وخاصة بعد القرارات الأخيرة القمعية باعتقال عدد كبير من الدعاة والأكاديميين، بما خلف حالة غضب واسعة ضد سياسات محمد بن سلمان، والتي يتوقع أن تتسع رقعتها خلال الفترة المقبلة مع تزايد عملية الاعتقالات.

رابعًا: رفض العلمنة

تحت شعار “رفض العلمنة” يمكن تحديد شكل جديد من المعارضة لسياسات نظام الحكم، خاصة مع إقدام ولي العهد على اتخاذ بعض القرارات التي لا تتناسب مع طبيعة المجتمع السعودي المحافظ، وهذا يظهر بشكل أساسي عبر صفحات موقع “تويتر”.

مواجهة بن سلمان

مهمة المعارضة بالخارج بقدر ما تكون مقلقة لمحمد بن سلمان خوفا من تأثيرات سلبية على نظام حكمه الذي يؤسس له، مع تصاعد الحديث عن تنازل الملك سلمان بن عبد العزيز عن الحكم لنجله، ولكنها تواجه تحديات كبيرة لتحقيق نجاحات.

وبشكل مبدئي فإن الهدف الأساسي على المنظور القريب للمعارضة بالخارج تحسين فتح المجال أمام حرية الرأي والتعبير وتحسين أوضاع حقوق الإنسان، من دون الدخول لمسألة تغيير نظام الحكم.

ولكن يمكن تنبؤ تأثيرات للحراك المعارضة لنظام الحكم في السعودية، حال استمرار محمد بن سلمان في سياساته القمعية.

وتواجه المعارضة بالخارج تحديات أبرزها:

أولاً: لا مجال بالداخل

ويصعب تحقيق نجاحات واسعة للمعارضة بالخارج وتأثيرات حقيقية فاعلة، في ظل عدم وجود امتدادات لها بالداخل بشكل منظم وممنهج يمكن البناء عليه في أي تحركات مناهضة لتردي أوضاع حقوق الإنسان وكبت الحريات.

وعمدت المملكة على التنكيل بأي معارض، وأبرز الأسماء المدون والناشط الحقوق رائف بدوي الذي حكم عليه بألف جلدة والسجن 10 سنوات، ثم إعدام نمر النمر وابن شقيقه علي النمر، والحكم على الناشط وليد أبو الخير بـ 15 عاما ومنعه من مغادرة البلاد.

ثانيًا: قبضة أمنية

ومنذ تمكن محمد بن سلمان من الحكم بمساعدة والده الملك سلمان، بدا أنه يسعى لفرض قبضة أمنية شديدة على أي مخالف لتوجهاته بصورة أكبر من السياسات التي دأبت المملكة على مواجهة أي معارض سعودي، بما يضاعف القيود على أي جهود لأي حراك داخلي من شخصيات معارضة.

ثالثًا: بداية فقط

ولا يتوقع وجود تأثيرات إيجابية لمبادرة المعارضة بالخارج خلال الفترة القريبة المقبلة، لأنها لا تمثل سوى بداية حقيقية لتشكيل أول كيان يضم المعارضين بالخارج، وهنا يكون هذا كله رهن بإمكانية اجتذاب معارضين آخرين بالخارج، فضلا عن انضمام شخصيات لها من الداخل يمكن أن تنقل مقر إقامتها للخارج.

رابعًا: حملات تشويه

ولا يخفى على أحد تعمد أنظمة الحكم في المنطقة العربية محاولة “شيطنة” أي معارضين لها من خلال شن حملات تشويه متعمدة لمنع أي تأثيرات لها على المواطنين بما يشكل تهديد لهذه الأنظمة على اختلافها.