بعد عام واحد فقط من الإعلان عن تقارب العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، أغلق الحاكم الفعلي للمملكة العربية السعودية الحديث عن التطبيع لأجل غير مسمى بعد وصول الحرب على غزة لنقطة حرجة تهدد بنشر الحرب في جميع أركان المنطقة.
جاءت النبرة الأكثر صرامة من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في نفس اليوم الذي انفجرت فيه أجهزة اتصال لاسلكية كانت مفخخة وقتلت أعضاء من حزب الله اللبناني، مما أثار مرة أخرى مخاوف من حرب أوسع نطاقًا في المنطقة، وهو أمر أعلنت السعودية رفضه وعدم تأييده بأي شكل.
وعلى الرغم من عدم إعلان إسرائيل رسميًا مسؤوليتها عن الحادث، فإن جميع أصابع الاتهام تُشير إليها بسبب السياق الأوسع للهجوم الذي يؤكد أن إسرائيل وحزب الله ليسا على وفاق، خاصة بعد تقديم الدعم من الجماعة اللبنانية لحركة حماس خلال الحرب الجارية.
أوضح السعوديون في السابق أنهم يريدون مسارًا إلى إقامة دولة فلسطينية، لكن الأمير محمد أخبر مجلس الشورى الاستشاري صراحة يوم الأربعاء أن “الدولة الفلسطينية المستقلة” شرط أساسي للتطبيع، وقال “نؤكد أن المملكة لن تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل بدونها”.
وفقًا لمستشار الحكومة السعودية علي الشهابي، كان الموقف السعودي واضحًا دائمًا، حتى لو “ألمح البعض إلى أنه مرن”، وقال الشهابي إن الأمير محمد أراد “إزالة أي غموض” بتعليقاته الأخيرة ليؤكد أن ملف التطبيع أُغلق إلى أجل غير مسمى طالما تستمر إسرائيل في سياساتها ونهجهها الحالي.
تصريحات ولي العهد السعودي كذبت الرسائل المتفائلة الصادرة عن الولايات المتحدة، بعد أن قال وزير الخارجية أنتوني بلينكن هذا الشهر إن التطبيع بين الجانبين السعودي والإسرائيلي ممكن قبل مغادرة الرئيس جو بايدن منصبه في يناير/كانون الثاني المقبل.
بعد أيام من اندلاع الحرب في غزة في 7 أكتوبر، علقت المملكة العربية السعودية المحادثات مع الولايات المتحدة بشأن صفقة واسعة النطاق تضمنت التطبيع مع إسرائيل وحزمة أمنية للمملكة، ثم عاد الحديث عن الصفقة للظهور مرة أخرى على استحياء ثم تزايدت كثافة المفاوضات، وقبل أسابيع، قال الأمير محمد لقناة فوكس نيوز التلفزيونية الأمريكية إن “كل يوم نقترب” من التطبيع، رغم أنه أضاف: “بالنسبة لنا، القضية الفلسطينية مهمة للغاية. نحن بحاجة إلى حل هذا الجزء”.
بعد هذه التصريحات عبر الأمير محمد عن مخاوفه من إبرام صفقة التطبيع بسبب شبح تعرضه للاغتيال مثل أنور السادات، وفي وقت سابق من هذا الأسبوع أعلن صراحة إغلاق ملف المفاوضات طالما لا تتضمن الصفقة إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة.
لا يعترف سوى عدد قليل من الدول العربية بإسرائيل، بما في ذلك جارة السعودية والمنتجة للنفط الإمارات العربية المتحدة، بعد اتفاقيات أبراهام التي توسطت فيها الولايات المتحدة في عام 2020.
رفض شعبي
لقد دفعت الولايات المتحدة بفكرة التطبيع السعودي الإسرائيلي، على أمل إعطاء حافز لرئيس الوزراء الإسرائيلي اليميني بنيامين نتنياهو – الذي يرفض الدولة الفلسطينية – لوقف الحرب والحصول على حليف عربي قوي، حارس أقدس موقعين في الإسلام.
لكن بعد ما يقرب من عام من الحرب في غزة، أصبحت العلاقات مع إسرائيل ببساطة غير واردة بالنسبة للجمهور السعودي، كما يقول المحللون.
قالت رابحة سيف علام من مركز القاهرة للدراسات الاستراتيجية: “لقد أدى عنف الحرب والفظائع المرتكبة ضد الفلسطينيين إلى قتل إمكانية قبول التطبيع من قبل الرأي العام في المملكة العربية السعودية”.
وفقًا لآنا جاكوبس من مركز أبحاث مجموعة الأزمات الدولية، “تجاوزت إسرائيل جميع الخطوط الحمراء وتحاول بدء حرب متعددة الجبهات، مما سيزيد من زعزعة استقرار الشرق الأوسط”.
وبعد أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، أسفر الهجوم العسكري الانتقامي الإسرائيلي عن مقتل ما لا يقل عن 41272 شخصًا في غزة، غالبيتهم من المدنيين، وفقًا للأرقام التي قدمتها وزارة الصحة في غزة، وقد اعترفت الأمم المتحدة بالأرقام باعتبارها موثوقة.
“الضغط على إسرائيل“
فتحت المملكة العربية السعودية في البداية محادثات بشأن التطبيع في محاولة للمساعدة في تهدئة المنطقة المضطربة بينما تسعى إلى تحويل اقتصادها المعتمد على النفط إلى التجارة والأعمال والسياحة، لكن رابحة علام قالت إن “انتشار الصراع قد يؤثر على مشاريع التنمية وقدرة المملكة العربية السعودية على جذب الاستثمار”، وبالتالي وجدت المملكة أن التطبيع لن يكون الحل الأمثل لوقف إسرائيل.
وقالت جاكوبس إن الأمير محمد يحاول الآن “زيادة الضغط على إسرائيل والولايات المتحدة لتحقيق وقف إطلاق النار في غزة”، وتابعت “كما يريد “منع حرب إقليمية أوسع نطاقا من شأنها أن تضع الولايات المتحدة وإسرائيل على جانب واحد وإيران وحلفائها على الجانب الآخر” مضيفة: “هذا سيناريو رهيب للرياض وجميع دول الخليج، التي قد تقع في مرمى النيران المتبادلة”.
بالنسبة لجاكوبس، فإن “المملكة العربية السعودية تشير، على الأقل علنًا، إلى أن التطبيع مع إسرائيل غير وارد في الوقت الحالي”، “ولكن كيف يمكن للمملكة العربية السعودية حشد العالمين العربي والإسلامي وممارسة الضغط على إسرائيل والولايات المتحدة؟ هذا هو السؤال الذي يجب أن نطرحه”.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا