العدسة – بسام الظاهر

مليارات هنا وهناك يبددها الأمير الشاب محمد بن سلمان، منذ تعيينه وليًّا لولي العهد بعد تنصيب والده سلمان بن عبد العزيز ملكًا للسعودية.

تصرفات الأمير الشاب ومنذ البداية تؤكد أنه كان يعرف من أين تؤكل الكتف، بالجمع بين أكثر من منصب في آن واحد؛ رئيس الديوان الملكي، ووزير الدفاع، ورئيس لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية.

وحاول السيطرة على كل الأمور المالية والاقتصادية بوضع يده على الأموال، لينفق منها ما يشاء في ظل عدم وجود رقابة حقيقية لهذا الإنفاق في ظل مجلس شورى بلا سلطات فعلية.

ولكن هناك جانب سلبي لإهدار مئات المليارات يتمثل في الأزمات الاقتصادية الداخلية وزيادة معدلات البطالة وعجز في الموازنة العامة للدولة.

ترسيخ حكمه

محمد بن سلمان استغل مليارات السعودية في ترسيخ دعائم حكمه بشكل كبير من خلال عملية إنفاق بلا حساب في عدة أوجه، وكأنه يخطط للصعود إلى سلم الحكم سريعًا.

بداية تبديد بن سلمان أموال السعودية كانت مع قرار الحرب في اليمن، وكان حينها لا يزال وليا لولي العهد ووزير الدفاع، هذه الخطوة كانت للوهلة الأولى لحماية حدود المملكة الجنوبية مع اليمن التي استولى عليها الحوثيون وقادوا انقلابا ضد الرئيس عبد ربه منصور هادي في 2014.

ولكن بن سلمان قرر توسيع دائرة الصراع في اليمن بتشكيل تحالف عربي لدعم الشرعية، وهى خطوة بدا من خلالها رغبته في تزعم دول المنطقة، ويؤسس لنفسه مكانة خاصة.

وظن وزير الدفاع السعودي حينها، أن الأمر لن يستغرق بضعة أشهر قبل الخروج بانتصار كبير يحقق له شعبية داخلية ويدعم تصدره المشهد في السعودية والمنطقة.

وصاحب هذه التحركات حملة تلميع شديدة لـ “بن سلمان” في وسائل الإعلام السعودية وعبر منصات التواصل الاجتماعي، باعتباره “مهندس عاصفة الحزم”، وهنا بدا أن هناك حملات للترويج له.

وصدرت الأخبار عن قيادة ولي ولي العهد لعمليات عاصفة الحزم، وبدرجة أقل حضورا من ولي العهد السابق محمد بن نايف، الذي وفقًا للتعامل الإعلامي يسبق الأول.

وبدا أن الأمير “المتهور” –كما وصفته صحف غربية- لا يبالي بصناعة ما ظن أنه مجد شخصي حتى لو على حساب أموال السعوديين؛ إذ تكلفت حرب اليمن ما يقترب من التيلريون ونصف دولار –بحسب تقديرات غربية-.

وهذا المبلغ الكبير يتضمن شراء الأسلحة من عدة دول وإيجار بوارج بحرية وأقمار صناعية بالساعة.

الفصل الثاني من إهدار المليارت لترسيخ دعائم حكم بن سلمان، عقد صفقات واتفاقات ثنائية مع أمريكا تجاوزت الـ 400 مليار دولار، خلال زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للمملكة في القمة العربية الإسلامية الأمريكية بالرياض.

وبدا من ضخامة المبلغ أن ثمة صفقة خفية تمت بين الطرفين، لم يمر شهران إلا وتبين أن الصفقة كانت من أجل تصعيد بن سلمان ليحل محل محمد بن نايف في ولاية العهد.

وأطاح الأمير الشاب بولي العهد من خلال أمر ملكي من والده الملك سلمان بن عبد العزيز في يوليو الماضي.

محمد بن سلمان

محمد بن سلمان

أزمة اقتصادية

حرب اليمن وإنفاق محمد بن سلمان بلا حساب، أثر سلبيا على الأوضاع الاقتصادية في المملكة بشكل كبير، ليتحول الرجل من “منقذ” المملكة من براثن إيران والحوثيين، إلى “نكبة” على السعوديين.

محمد بن سلمان الأمير “الخيِّر” والذي يبدد المليارات من أجل رسم صورة له في المنطقة وعلى المستوى الدولي، كان الخيِّر هذا شحيحًا على السعوديين، الذي لم يجدوا سوى “التقشف”.

تأثيرات حرب اليمن كبيرة للغاية على الاقتصاد السعودي، خاصة مع عدم قدرة بن سلمان على وقف آلة الحرب، فقرار شن الهجوم أسهل كثيرا من وقفه، وهو مبدأ مشهور في السياسة، وبالتالي استمرار استنزاف الاقتصاد السعودي، والمتضرر الأكبر بالتأكيد هم المواطنون من خلال عجز الموازنة.

وأعلنت وزارة المالية، أن العجز في الميزانية العامة بلغ في النصف الأول من العام الجاري 72.7 مليار ريال (19.4 مليار دولار) وأن الدين العام للمملكة ارتفع إلى 341 مليار ريال (90.9 مليار دولار).

ويقل هذا العجز بنسبة 51% عن العجز المسجل في النصف الأول من عام 2016، وهو ما يرجع بشكل رئيسي إلى تحسن أسعار النفط العالمية، إذن فإن المحرك الرئيسي للتراجع في العجز ليس سياسات إصلاحية ولا تراجع الإنفاق ولكن بسبب ارتفاع أسعار النفط، التي كانت متراجعة خلال السنوات القليلة الماضية.

واتجهت السعودية إلى إصدار عدد من الأوامر تقضي بخفض رواتب ومزايا الوزراء وأعضاء مجلس الشورى وخفض مكافآت الموظفين في القطاع الحكومي، ضمن الجهود الرامية لضبط الإنفاق بعد تراجع عائدات النفط، في إطار خطة “تقشف” عامة.

ولكن خطة التقشف لم تكن فاعلة بالقدر الكافي، وكشفت بيانات صادرة عن الهيئة العامة للإحصاء بالسعودية، أن عدد المتعطلين الأجانب في السعودية يشكل بنهاية الربع الثاني من العام الجاري نحو 8.3 بالمائة من إجمالي المتعطلين في السعودية والبالغ عددهم نحو 802 ألف متعطل، منهم نحو 736.3 ألف متعطل سعودي بنسبة 91.7 بالمائة.

وارتفع عدد المتعطلين الأجانب خلال الربع الثاني من العام الجاري، بنحو 13.2 ألف متعطل، بنسبة زيادة 24.8 بالمائة.

وربما لم يلتفت الأمير المتهور أن تأمين الجبهة الداخلية لمحاولة ترسيخ حكمه لا تكون عبر اعتقال أمراء ومسؤولين، ولكن توجيه الإنفاق الكبير على الأسلحة خاصة وأن المملكة هى الأولى عالميا.

وبدا أن بن سلمان “ضرب عصفورين بحجر واحد” الإطاحة بمعارضيه، فضلا عن الحصول على أموالهم لتعويض نزيف الاقتصاد السعودي.

ويتوقع أن يحصل ولي العهد على نحو 800 مليار دولار جراء حملة الاعتقالات الأخيرة، من خلال مصادرة الأموال والأصول لعدد كبير من الأمراء ورجال الأعمال في المملكة بعد حملة الاعتقالات، بحسب صحيفة “وول ستريت جورنال الأمريكية”.

وشرح تقرير الصحيفة الأمريكية أن حملة الاعتقالات طاولت أكثر من 60 من الأمراء والمسؤولين وغيرهم من السعوديين البارزين.

وقال البنك المركزي السعودي، إنه تم تجميد الحسابات المصرفية لهؤلاء، استجابة لطلب النائب العام في انتظار رفع دعاوى قضائية ضدهم.

صندوق النقد الدولي، كشف أن النمو الاقتصادي للسعودية توقف عن النمو بنسة تصل إلى صفر في المائة بسبب انخفاض عائدات النفط؛ إذ أشارت البيانات الأخيرة إلى نسبة تصل إلى صفر فاصلة واحد في المائة في النصف الأول من هذا العام، بعد ما كانت صفرا فاصلة أربعة في المائة.

الوليد بن طلال ومتعب بن عبدالله

الوليد بن طلال ومتعب بن عبدالله

مشروعات وهمية

وبدا أن محمد بن سلمان مفتون بالإمارات إلى أبعد حد ممكن، من خلال محاولة تكرار تجربة التوسع في الخصخصة، وتحويل السعودية لإمارات ثانية من حيث الشكل.

وأطلق ولي العهد مشروع “نيوم”، ليكون أول منطقة ممتدة بين 3 دول بتكلفة تتجاوز 500 مليار دولار يتم تمويلها بالشراكة بين صندوق الاستثمارات العامة ومستثمرين محليين وعالميين.

وتقع منطقة نيوم شمال غرب المملكة، على مساحة 26.500 كم2، وتطل من الشمال والغرب على البحر الأحمر وخليج العقبة بطول 468 كم، ويحيط بها من الشرق جبال بارتفاع 2.500 متر.

ولكن ماذا لو وفر بن سلمان هذه المليارات الكثيرة في تحسين الأوضاع المعيشية في السعودية؟، ثم أين كانت هذه المليارات خلال اتخاذ القرارات التقشفية؟.

كما لا يمكن إغفال تحليل لوكالة “بلومبرج” أن ارتفاع أسعار النفط خلال الفترة الماضية، سيؤدي إلى تراجع الطلب عن البترول واللجوء إلى مصادر أخرى للطاقة أقل تكلفة، وبالتالي فإن المملكة ستكون خاسرة على المدى البعيد، وسط تحركات بطيئة في مشروع تقليل الاعتماد على البترول كمصدر رئيسي في الدخول.