العدسة- ياسين وجدي:

لازالت لعنة “خاشقجي” تتلاعب بمصير الأمير القاتل، الذي بات أسيرا لأفعاله وأصبح محاصرا داخليا وخارجيا.

وفي أول جولة خارجية لولى العهد السعودي محمد بن سلمان بعد العزلة الإجبارية التي قضاها داخل المملكة منذ اتهامه بالوقوف خلف قتل الصحفي “جمال خاشقجي” في قنصلية بلاده بمدينة إسطنبول لم يستطع الذهاب بعيدا عن شركائه في حصار قطر قبل أن يتوجه إلى الأرجنتين للمشاركة في قمة العشرين.

العدسة بحث فيما وراء هذه الجولة والتي بدا بحسب مراقبين أنها قد تكون الفرصة الأخيرة ، وجولة الوداع لمثلث الشر، ولن تقدم جديدا بعدما فشلت منذ انطلاق الأزمة في تقديم شيء ، وفي ظل تحرك دولي لأصدقاء “خاشقجي” وتركيا ومساعي توقيف “بن سلمان” والتحقيق الدولي.

مثلث الشر !

كانت مصافحة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لولي عهد أبوظبي محمد بن زايد في المطار، الأولى منذ فترة تباعد غير معتادة بين الحليفين اللصيقين ، والتي فسرت في وقتها بأنه انفصال مؤقت ، عززها زيارة  محمد بن زايد للسعودية قبل نحو أسبوعين  ولقاءه الملك سلمان بن عبد العزيز، دون لقاء علني بينه وبين ولي العهد السعودي.

 

تأتي هذه الجولة بحسب الإعلام السعودي الرسمي  بناء على توجيه من الملك سلمان بن عبد العزيز ، وذلك للمرة الأولى التي ينص فيها على مثل هذه الديباجات وبأهداف واضحة هي ” تعزيز علاقات المملكة إقليمياً ودولياً، واستمراراً للتعاون والتواصل مع الدول الشقيقة في المجالات كافة”.

بدأها بن سلمان بزيارة الإمارات ورد عليها “بن زايد” باستقبال حافل حيث أطلقت المدفعية 21 طلقة ترحيب، مع تغريدات له حول أن الشراكة بين الإمارات والسعودية ستتوطد، مضيفا أن بلاده ستظل سندا للسعودية.

ويصنف بعض المراقبين هذا التغير على توابع زيارة رموز الحركة المسيحية الإنجيلية المعروفين بأبناء “إسرائيل” للإمارات ثم للسعودية مؤخرا ، وما تبعه من تصريحات للرئيس الأمريكي دونالد ترامب ، حول مساندته للسعودية وولي عهدها حتى وإن تورط في مقتل “خاشقجي ، والذي يبدو بحسب مراقبين ، كضوء أخضر لتحرك “بن سلمان” مجددا في المنطقة والخروج من العزلة الإجبارية التي فرضت عليه دوليا بعد الجريمة الأكبر في الشرق الاوسط مؤخرا، ولذلك كانت “الإمارات ” هي المحطة الأولى في ضوء التنسيق الناجح بينهما مع رموز الحركة المسيحية الإنجيلية.

وفي هذا الإطار ، تأتي زيارة محمد بن سلمان لمصر والبحرين مع الإمارات ، لإجراء محادثات بشأن تطورات الوضع في اليمن، وسبل مواجهة الإرهاب، وملف إيران، ومسار عملية السلام في الشرق الأوسط ، وهي القضايا التي يتطالب مسار الأحداث الحصول فيها على توافق مسبق يذهب للتطابق ، بحسب مراقبين مواليين للسعودية ، يحمله ولي العهد السعودي إلى قمة العشرين في الأرجنتين لإعلان مواقف تغطي على الهجوم المرتقب ضده في ظل العقوبات والقرارات الدولية التي بدأت تتولى ضده في انتظار الاستجابة لمطالب التحقيق الدولي في مقتل “خاشقجي”.

ويبدو أنها الفرصة الأخيرة أو الجولة الأخيرة بحسب أوصاف بعض المتابعين للشأن السعودي في ظل الإصرار الداخلي على مواجهة جموح ولي العهد السعودي ، والعزم الدولى على عدم تصعيده لقمة الهرم الملكي في السعودية ، وهو ما ظهر في الفترة الماضية من تصدر للعاهل السعودي ورجوع الأمير أحمد بن عبد العزيز للرياض وسط ضمانات دولية، بالتزامن مع مطالبات في الأسرة المالكة بتصحيح المشهد الملكي حفاظا على ملك آل سعود.

إحباط المخطط

في المشهد المقابل ، ملاحقات قانونية ومظاهر رفض شعبي ودولي ، ثلاثية ، تحاصر مخطط غرف مثلث الشر في مصر والإمارات والبحرين التي يسيطر عليها القلق والخوف من المستقبل والجدل حول ما جرى ، أو ما سيجرى في ظل تهديدات بتوقيف الحليف الصغير في قمة العشرين في الأرجنتين.

 

#زيارة_المنشار_عار “، تصدر واجهة الاحتجاج في مصر ، حيث أعلن نشطاء عن رفضهم للزيارة ، عبر حملة تصدرها هذا الوسم في ظل حظر التظاهر ، وقال الحقوقي جمال عيد : كمواطن مصري أرفض زيارة محمد بن سلمان تماما، لأنه قاتل ومجرم، ولو كان الأمر بيدي لطردته من مصر، لكني كمواطن أكتفي باطلاق هذا الهاشتاج وأدعو من يؤيد موقفي لاستخدامه”.

وفي تونس مهد الثورة ، والتي قاومت مؤامرات كثيرة لسلمان الابن ، من المقرر أن تنتظر “بن سلمان” فاعليات كثيرة هناك، تسقط كافة محاولاته لتحسين صورته والإفلات من الجرائم بحسب منظموه .

فعاليات حاشدة في انتظار “بن سلمان” أمام القصر الجمهوري بقرطاج ، يسبقها هذه الساعات تنديد واسع من أحزاب المعارضة ، ورسالة لاذعة من نقابة الصحفيين إلى الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي ترفض الزيارة ، مع دعوى قضائية مستعجلة لدى القضاء التونسي لمنع الزيارة .

الحراك الدولي لازال حيا ، حيث رفضت تركيا طريقة ترامب في التعامل مع القضية ، واتهمته بغض الطرف عنها لكن  ألمانيا، التي قررت وقف بيع الأسلحة للسعودية طالبت الأخيرة بالتعاون الكامل مع تركيا في التحقيقات ، وذهبت فلندا للإعلان عن حظر إصدار أي تراخيص جديدة لبيع الأسلحة للسعودية والإمارات، وهو ما موقف كل من الدنمارك والنرويج.

وفي الولايات المتحدة لازالت الملاحقة مستمرة خاصة مع صعود الديمقراطيين ، حيث جرى الكشف عن اعتزام لجنة الاستخبارات التابعة للمجلس التحقيق مع الرئيس دونالد ترامب، بسبب علاقاته مع السعودية ودفاعه عن ولي عهدها الأمير محمد بن سلمان، على خلفية قضية مقتل الصحافي جمال خاشقجي.

التوقيف يلاحقه!

الملاحقة القانونية خيار مطروح قد يحول دون وصول “بن سلمان” لقمة العشرين وإيصال رسالته التي يعتبرها البعض تضليلة وفق مجريات الأمور منذ مقتل “خاشقجي”، خاصة في ظل الاتهامات الموثقة ضده في حرب اليمن ، والقرائن المتزايدة في تورطه في قتل “خاشقجي”.

 

وبموجب مبدأ الولاية القضائية العالمية، الذي يسمح للنيابة العامة في أي بلد بطلب اعتقال الأفراد المشتبه في ارتكابهم جرائم خطيرة مثل الإبادة الجماعية، أو التعذيب، أو الإعدام خارج نطاق القضاء، بغضِّ النظر عن مكان ارتكاب الجرائم، خاصة أن “بن سلمان” ليس رئيسا أو ملكا ، قد تحول إجراءات دبلوماسية في تفعيل الملاحقة ضده.

سارة ليا ويتسن مديرة قسم الشرق الأوسط بمنظمة هيومان رايتس ووتش أكدت أن حضور محمد بن سلمان لقمة العشرين يضره من الناحية القانونية ، في حال رفع شكاوى ضده لأنه ليس رئيس دولة، وبالتالي فهو لا يستفيد من أي حصانة.

يأتي هذا بينما بات التحقيق الدولي في مقتل الصحفي السعودي البارز جمال خاشقجي ، مطلبا عالميا ، يحتمل تفعيله بصورة كبيرة في الفترة المقبلة عبر الأمم المتحدة  على غرار ما جرى عقب اغتيال بينزير بوتو رئيسة وزراء باكستان السابقة أو عبر الهيئات الأممية ، وقد سبق خبراء الأمم المتحدة في المفوضية السامية لحقوق الإنسان في 9 أكتوبر الماضي في الدعوة إلي تحقيق دولي مستقل وعاجل في هذه القضية بالتوازي مع مطالبات منظمتي “هيومن رايتس ووتش” والعفو الدولية، بإجراء تحقيق أممي مستقل، وسط موافقة تركية.