أثارت قضية ملاحقة بن سلمان لمسئول الاستخبارات السعودي السابق سعد الجبري والمقيم في كندا جدلا واسعا، حيث أعادت إلي الواجهة حالة الصراع الخفي الدائر بين بن سلمان ورموز أخري داخل الأسرة الحاكمة وعلي رأسهم ولي العهد السابق محمد بن نايف.

ويمثل الجبري صندوقا أسودا لبن سلمان يسعي للتخلص منه بأية طريقة، حيث يعتبر الجبري من أبرز الوجوه المقربة من ولي العهد السعودي السابق محمد بن نايف، وقد عمل مستشارا أمنيا له لفترات طويلة خلال حقبة الملك السعودي السابق عبد الله بن عبد العزيز.

استدعاء بن سلمان 

وفي تطور لافت قالت وسائل إعلام أمريكية، الاثنين، إن محكمة في واشنطن أصدرت أمر استدعاء بحق ولي عهد السعودية محمد بن سلمان.

 وشمل قرار الاستدعاء أيضا 13 مسؤولا وموظفا سعوديا، اثنان منهم يقيمان في الولايات المتحدة.

 ويأتي هذا الاستدعاء بعد دعوى قدمها رجل الاستخبارات السابق سعد الجبري، يتهم من خلالها ابن سلمان ومرافقيه بمحاولة استدراجه واغتياله على طريقة قتل الصحفي جمال خاشقجي.

 وتقدم مسؤول الاستخبارات السعودية السابق، سعد الجبري، بدعوى قضائية في المحكمة الجزائية بواشنطن، ضد ولي العهد محمد بن سلمان، ومسؤولين آخرين بتهمة محاولة قتله.

 وبحسب وثيقة مسربة للدعوي، قدم الجبري تفاصيل الشكوى لمحكمة بمقاطعة كولومبيا الأمريكية، ضد ابن سلمان وكلا من مدير مكتبه بدر العساكر، والمستشار السابق بالديوان الملكي سعود القحطاني، وهو أحد المتورطين بجريمة اغتيال الصحفي جمال خاشقجي.

  ويحتوي ملف المحكمة على رسائل نصية، يقول الجبري إن ولي العهد السعودي أرسلها إليه في سبتمبر 2017، وسأله ابن سلمان: “أين يجب أن نرسل الطائرة لجلبك؟”.

وبعد فترة وجيزة، وفقا للدعوى القضائية، هدد ابن سلمان باستخدام “جميع الوسائل المتاحة”، للوصول إلى الجبري، بما في ذلك “الإجراءات التي من شأنها أن تضر بك”، وفق ما ورد بالوثيقة.

كما شملت الدعوى نائب مدير الاستخبارات السابق أحمد عسيري، وخالد إبراهيم الغانم، ومشعل فهد، وبندر الحقباني، وإبراهيم الحميد، وسعود الراجحي، ومحمد الحمد، وبجاد الحربي.

ووفق تقرير نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، فإن الدعوى هي الأولى التي يتهم فيها مسؤول سعودي كبير سابق علنا ابن سلمان، الحاكم الفعلي للمملكة، بتنفيذ حملة واسعة النطاق وعنيفة في بعض الأحيان، لإسكات الأصوات الناقدة.

 محاولة اغتيال

ويتهم الجبري في دعواه، محمد بن سلمان شخصيا بإرسالة مجموعة من فرقة الاغتيالات المعروفة باسم “النمر” والمكونة من 50 شخصا إلى كندا، بهدف تصفيته، على غرار ما حدث مع خاشقجي، وذلك بعد زرع برنامج تجسس على هاتفه لملاحقته.

 وذكرت صحيفة “ذا ستار” الكندية، أن فرقة الاغتيال فشلت في تخطي مطار تورنتو بيرسون الكندي، وأن اغتياله بالهدف الأول يأتي نظرا للأسرار التي بحوزة الجبري حول أنشطة ابن سلمان، وتلقيه الدعم من البيت الأبيض.

 وبحسب الصحيفة الكندية، فإن مسؤولي أمن المطار سألوا أعضاء فرقة “النمر” عمّا إن كانوا يعرفون بعضهم عند وصولهم بتأشيرات سياحية، لكنهم نفوا ذلك، إلا أنه وبالبحث في صورهم تبين أنه توجد صور مشتركة، ليتم منعهم من الدخول.

 ويقول الجبري إن عملاء سريين أرسلهم ابن سلمان إلى الولايات المتحدة، تعقبوا تحركاته خلال إقامته في بوسطن الأمريكية بـ2017.

 وتقول صحف كندية إن الجبري سجّل فيديوهات مهمة ستُنشر في حال تم اغتياله بالفعل.

 وبحسب الدعوى فإن عملاء في مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي، حذروا نجل الجبري مطلع 2018 من وجود تهديدات حقيقية تطال أسرتهم.

 ويرى الجبري أن اختطاف نجليه من قبل السلطات السعودية منذ عدة شهور، هو دليل على تعسف سياسة ابن سلمان تجاه معارضيه، واحتجاز أبنائهم كرهائن دون أي مسوغ قانوني.

  وكانت صحيفة “غلوب آن ميل” الكندية، قالت إن الجبري تلقى تهديدا جديدا في مقر إقامته، بعد تقديمه الدعوى القضائية.

 وأوضحت أن أجهزة الأمن الكندية تبلغت بمحاولة اعتداء جديد على سعد الجبري المقيم بمكان متكتم عليه بمنطقة تورونتو، لافتة إلى أنه جرى تشديد الحراسة بعد تلقيه التهديد الجديد.

ولفتت الصحيفة إلى أن مصدر معلوماتها شخص مطلع على القضية، لكنه لم يعطِ تفاصيل إضافية حول التهديد الأخير المزعوم، الذي وجهه عملاء سعوديون، لافتة إلى وصول عناصر من شرطة الخيالة الملكية الكندية مسلحين بشكل جيد إلى مكان إقامة الجبري لحراسته، إضافة إلى حراس شخصيين.

 صراع القصر

وأظهرت قضية ضابط المخابرات سعد الجبري حالة الصراع القائمة داخل قصر بن سلمان بين الأجنحة المتصارعة علي الحكم، حيث قال رئيس حركة “الإصلاح” المعارضة، سعد الفقيه، إن ابن سلمان يسعى إلى تدمير رموز الأسرة الحاكمة الذين قد يهددون وجوده، وفي مقدمتهم عمّه أحمد بن عبد العزيز، ومحمد بن نايف.

ولفت الفقيه، إلى أن محمد بن سلمان وبرغم صمت ابن نايف، إلا أنه يراه حتى الآن مصدر خطر عليه، مضيفا أن وجود الجبري في الخارج (كندا) يزيد من مخاوف ولي العهد.

وقال الفقيه إن سعد الجبري لديه وثائق هامة من شأنها إدانة ابن سلمان بقضايا فساد، لا سيما في الفترة التي سبقت صعوده إلى أعلى هرم السلطة، حيث كان يستفيد بشكل غير شرعي من الأموال المخصصة للدولة، كبقية الأمراء، بحسب قوله.

وأوضح الفقيه أن ما لدى الجبري من معلومات شفوية قد يكون خطيرا أيضا، باعتبار أنه يعد شخصية موثوقة لدى أجهزة الاستخبارات في الولايات المتحدة، وبريطانيا، وغيرها، بحكم علاقاته الوطيدة والممتدة معهم.

وأشار الفقيه إلى أن خشية ابن سلمان تأتي أيضا لكون الجبري ضابط الاتصال بين الاستخبارات السعودية ونظيراتها في أوروبا والولايات المتحدة لسنوات طويلة، إضافة إلى كون المسؤول السعودي السابق لا يزال يملك قنوات اتصال في أجهزة الدولة بالمملكة.

 ولفت إلى أن الجبري لا يعد معارضا، ولم يشأ الدخول في صراع مع ابن سلمان، إلا أن إقدام الأخير على اعتقال نجليه دفعه للخروج من عزلته، والرد على ولي العهد، مستدركا: “هو أحد الموالين للنظام وابن نايف تحديدا، ومشكلته مع ابن سلمان فقط، ولذا في حال أفرج عن نجليه قد يعود إلى صمته”.

 وأكد الفقيه صحة المعلومات الواردة على لسان مسؤولين سعوديين في تقرير “وول ستريت جورنال” بشأن مزاعم الفساد ضد الجبري، مضيفا أن المسؤولين في الداخلية، والحرس الوطني، وأجهزة الدولة الأمنية، “متورطون قطعا بالفساد”.

 الفقيه أوضح أن حملة ابن سلمان ضد الجبري تشير إلى حقيقة تورطه بقضايا فساد يخشى أن تظهر للعلن، متابعا: “القضية هي أن السارقين اختلفوا فيما بينهم”.

 فيما قال المعارض السعودي حسين القحطاني إن “الجبري أحد رجالات الدولة السعودية، وهو موال لتيار ابن نايف ضد ابن سلمان”.

 وأضاف: “نرفض اعتقال الأبرياء، أيا كان صلة المجرم بهم، لكن الجبري لا يجب أن يتعامل معه كمظلوم، فهو أداة بطش سابقة للنظام”.

 وتابع بأن “محاولة تبرئته، أو الدفاع عنه تشفيا أو عداوة لابن سلمان يعتبر ظُلما لضحايا الداخلية وأهاليهم ممن مورست عليهم أسوأ طرق التعذيب، ومنهم من فقد حياته”.

اقرأ أيضًا:  واشنطن بوست: محاولة اغتيال الجبري تشير إلى فصل جديد من مسلسل غدر بن سلمان