العدسة

“عرب نيوز تعين بن فلانجان لإدارة مكتب لندن”.. هكذا أعلنت الصحيفة المملوكة للمجموعة السعودية للأبحاث والتسويق، تعيين الصحفي البريطاني بمنصبه الجديد، في 31 يوليو 2017 بعد 16 عاما من عمله محررا في بلاط “اللوبي السعودي” بالإعلام الغربي.

وجاءت ترقية “فلانجان” كمقابل لجهوده المثمرة في دعم اللوبي، ليكون أول رئيس مكتب لـ “عرب نيوز” في لندن، بمهمة واضحة حددها خطاب التكليف من المؤسسة، وهي “تغطية أخبار المملكة المتحدة وأوروبا من وجهة نظر عربية، مع تركيز خاص على السياسة والبيزنس والاسىتثمار، وسيخدم كمركز رقمي للصحيفة.

أما وجهة النظر العربية المقصودة في الخطاب فهي السعودية تحديدا، وأما عالم البيزنس والاستثمار فهو بوابة “فلانجان” التاريخية لدعم اللوبي السعودي غربيا، استنادا إلى حالة “إصلاح” اقتصادي لا تنتهي، ستسفر عن تطورات اجتماعية إيجابية، حسبما بشر قراءه مرارا، منذ أن كان مساعد محرر في صحيفة “الأوبزرفر” ذائعة الصيت.

بدأ “فلانجان” مشواره الوظيفي في الصحيفة المملوكة لشركة “جارديان ميديا جروب”، وهي الشركة المالكة لصحيفة الجارديان أيضا، حيث تخصص في مجالات البيزنس والعقارات والتمويل الشخصي رغم تخصصه أصلا في دراسة الأدب الإنجليزي بجامعة شيفيلد البريطانية.

 

انتقل مساعد المحرر إلى أقدم صحيفة في العالم (صنداي تايمز) وطوال هذه الفترة تنامت علاقته بمصالح اللوبي السعودي، حتى بات أحد أبرز المبشرين بعهد الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب، وفوائده بالنسبة للسعودية تحديدا.

 

الصحفي “بن فلانجان”

عراب “العهد الترامبي”

ففي 31 مايو 2015 كان “بن فلانجان” أول من بشروا بالعهد الجديد في تقرير نشره بعنوان: “شعبية ترامب تتزايد داخل المملكة السعودية”، مستندا إلى استطلاع رأي لمؤسسة  يوجوف (YouGov).

وجاء هذا التبشير رغم انحياز السعودية حينها لدعم حملة المرشحة الديمقراطية للرئاسة الأمريكية، هيلاري كلينتون، حيث ضخت مئات الملايين من الدولارات لصالح مؤسسة كلينتون الخيرية، في سياق وجهة نظر مفادها أن تاريخ مواقف ترامب المتطرفة يحمل موقفا عدائيا للمملكة.

غير أن “فلانجان” كان من القلائل الذين قرؤوا مستقبل العلاقة بين السعودية وإدارة ترامب، فمنذ عام 2015 وهو ينشر تقارير عن فائدة كل من الطرفين للآخر، ولذا يمكن القول بأنه أحد أسباب إقناع العقل المدبر في كلا الجهتين لتطوير العلاقة بينهما إلى المستوى الذي وصلت إليه حاليا، خاصة بعد زيارة ترامب الأخيرة للرياض، وتوقيع اتفاقيات لتوريد السلاح إلى المملكة بقيمة تتجاوز الـ 100 مليار من إجمالي صفقات بـ 500 مليار دولار.

وقد خصص “فلانجان” تقريرا للزيارة التاريخية في 27 مايو 2017بعنوان:“زيارة ترامب تعزز الرأي العام الأمريكي بشأن المملكة السعودية”، استند فيه إلى مسح حديث يصل إلى نتيجة مفادها أن زيارة ترامب للرياض أحدثت زيادة إيجابية معتبرة في نظرة الرأي العام الأمريكي للعلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية.

وأشار إلى أن36% فقط من الأمريكيين كانوا يعتقدون أن السعودية “حليف” أو “صديق” للولايات المتحدة، قبل ثلاثة أسابيع من الزيارة، بحسب الاستطلاع المشترك بين الإيكونوميست، ويوجوف.

واستدرك: “بيد أن النسخة الأحدث من الاستطلاع الذي تم  في الفترة بين 20-23 مايو 2017 كشفت صعود النسبة إلى 44%”.

من هنا جاء اختيار مؤسسة “عرب نيوز” للرجل مديرا لمكتب لندن،  فهي جزء من مجموعة تتناول الشأن السعودي والمنطقة لمدة تتجاوز 40 عاما، وهو أحد عرابي “العهد الترامبي” إلى جانب كونه أحد أبرز وجوه لوبي الإعلام السعودي، التي تتميز بالقدرة على توجيه السياسة السعودية وليس تبريرها فقط.

 

Image result for ‫ترامب‬‎

الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”

قيادة “اللوبي السعودي”

المدخل الاقتصادي ظل مرتكز “بن فلانجان” الأول في تبرير أهمية العلاقة المتينة مع السعودية للعقل الغربي عموما، والأمريكي خصوصا، وهو المدخل الذي يقف وراء استطلاع “إيكونوميست – يوجوف” بعد توقيع صفقة السلاح الكبرى.

في هذا السياق، وتحديدا في 22 ديسمبر 2016 (بعد شهر واحد من فوز ترامب بانتخابات الرئاسة) دافع تقرير أورده الصحفي البريطاني عن سياسات التقشف الصارمة التي اتسمت بها موازنة الحكومة السعودية، واصفا إياها بالإجراءات الضرورية.

وتطور تركيز “بن فلانجان” على ملف الاقتصاد السعودي بعد إعلان فريق الحكم الجديد في المملكة، بزعامة ولي العهد الحالي، الأمير محمد بن سلمان، عن مشروع “رؤية السعودية 2030” الذي يشمل إنشاء مشروعات استثمارية كبرى ذات طابع ترفيهي أو سياحي.

هذا النوع من المشاريع من شأنه تغيير وجه الحياة الاجتماعية في السعودية، وفرصة اقتصادية عظيمة للأمريكان والأوروبيين في الوقت ذاته، ولذا يجب مواجهة كل ما من شأنه عرقلة مسيرته، خاصة من جانب “المنافسين الإقليميين”، حسبما يرى الصحفي البريطاني.

يقصد “بن فلانجان” بالمنافسين إيران وقطر على وجه الخصوص، ومن هنا جاء محور اهتمامه مؤخرا بالملف القطري، حيث خصص سلسلة تقارير للهجوم على الدوحة وترديد المقولات السعودية بشأن دعمها للتطرف والإرهاب.

وفي التاسع من مايو 2017 نوه “بن فلانجان” في تقرير بصحيفة عرب نيوز إلى فبركة البعض صورة تجمع بين الملك سلمان والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في محاولة لإظهار أن قناة سعودية طمست شعر ميركل حتى لا تبدو أمام الرأي العام أنها لم ترتدي الحجاب خلال الزيارة.

وأضاف أن الصورة التي انتشرت بشكل هائل على مواقع التواصل الاجتماعي ما هي إلا مجرد فبركة بهدف السخرية وإلصاق تهمة التطرف بنظام حكم يتجه حثيثا إلى التحديث والعلمنة.

وأشار إلى أن تلك الواقعة ليست الأولى في استغلال زيارة مسؤولات غربيات إلى المملكة في فبركة شائعات، ضاربا المثل بزيارة زوجة الرئيس الأمريكي السابق، ميشيل أوباما، حيث انتشرت ادعاءات آنذاك (في يناير 2015) مفادها أن محطات التلفاز السعودية طمست صورة السيدة الأمريكية الأولى التي لم تقم بتغطية شعرها.

Image result for ‫محمد بن سلمان‬‎

“محمد بن سلمان”

مهاجمة قطر

ولتحويل الدفاع إلى هجوم، نشر “بن فلانجان” تقريرا في 13 يونيو 2017، هاجم فيه قناة الجزيرة مشككا في مصداقيتها على خلفية قرار السعودية والإمارات والبحرين ومصر بمقاطعتها.

وجاء في التقرير أن “الاتهامات الرئيسية ضد قطر بدعمها الجماعات الإرهابية والمتطرفة تتشابه مع الانتقادات الموجهة ضد شبكة الجزيرة”.

وأردف: “بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، اتهمت الجزيرة بأنها المتحدث الرسمي باسم زعيم تنظيم القاعدة آنذاك أسامة بن لادن، والآن تتحلى القناة بنفس الوقاحة في تعاطفها مع الجماعات الإرهابية”.

نظرة فاحصة لأرشيف تقارير الصحفي البريطاني تؤكد أن الحملة على الجزيرة جاءت متزامنة مع يوم إعلان المقاطعة من جانب الدول الأربعة، وتحديدا في الخامس من يونيو 2016، حيث نشر تقريرا بعنوان: “هل تعاطف الإعلام القطري مع داعش بالهجوم على مسلسل غرابيب سود؟” يندد فيه بما اعتبره هجوما من جانب “الجزيرة” على مسلسل “غرابيب سود” الذي كانت تعرضه شبكة “إم بي سي” السعودية.

وفي سياق الحملة المحمومة ضد قطر بعد إعلان المقاطعة، وظف “بن فلانجان” خبرته بالملف الاقتصادي في نشر تقارير تحتوي على معلومات مغلوطة بشأن الحالة المالية في الدوحة، وكأنها وصلت إلى حافة الانهيار.

وفي هذا الإطار، نشر الكاتب البريطاني تقريرا في28يونيو 2016 بعنوان: “أسواق الصرف العالمية والبنوك ترفض التعامل بالريال القطري وسط الأزمة“.

 

قناة الجزيرة 

 

دول الحصار على قطر

قراءة المستقبل!

لكن كيف قرأ “فلانجان” فنجان المستقبل ليكون أحد عوامل دعم اللوبي السعودي في معاركه التي لم تكن قد تشكلت بعد؟.

إجابة هذا السؤال يكشفه المكان الذي بدأ فيه الرجل مشواره المهني، وعلاقة المنتهى الذي آل إليه (عرب نيوز) بفرع “آل سلمان” داخل الأسرة الملكية السعودية.

فقد بدأت رحلة الصحفي البريطاني في أروقة دعم اللوبي السعودي من “دبي”، وتحديدا عام 2006، حيث مساعد محرر في شؤون الأعمال لدى صحيفة الناشيونال الإماراتية في أبو ظبي، التي تصدر باللغة الإنجليزية، ثم عمل فيما بعد محررا بالنسخة الإنجليزية لموقع قناة العربية السعودية.

أما منتهى الرجل (المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق المالكة لعرب نيوز) فيرتبط بصلات تاريخية وثيقة بعائلة الملك سلمان وولي عهده.

فمنذ 1989 وحتى وفاته في 2002 تولى الأمير أحمد بن سلمان رئاسة مجلس إدارة المجموعة، وفي 10 فبراير 2013، تم تعيين الأمير فيصل بن سلمان بن عبد العزيز رئيسا لها.

وبإضافة المبتدأ إلى المنتهى يمكن القول بأن “بن فلانجان” مثّل عرابا لعلاقة التحالف الاستراتيجي التي انعقدت لاحقا بين “بن سلمان” من جانب ونظيره في أبو ظبي “محمد بن زايد” من جانب آخر.