أحمد حسين

أزمات اقتصادية متتالية أودت ببورصة دبي إلى خسارة تاريخية، لم تستطع مدينة المنتجعات الفخمة بأبراجها المتطاولة أن تخفيها، ليصبح عام 2018 كابوسا على الإماراتيين، ربما يفيقوا على ما هو أسوأ منه في 2019.

في المقابل تصدرت بورصة قطر قوائم الرابحين خلال العام نفسه، الأمر الذي يثير تساؤلات عدة حول هذه المفارقة، فكيف لم تنجح الأولى في تجاوز أزمتها، بينما هزمت الثانية حصارا اقتصاديا محكما تجوز العام والنصف؟.

15 مليار دولار خسائر

اختتمت بورصة دبي عام 2018 بأسوأ خسارة سنوية لها منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008، وكانت في الوقت نفسه الخاسر الأكبر بين أسواق الأسهم العربية.

ومع انتهاء تداولات السنة اليوم الاثنين، يكون مؤشر بورصة دبي قد انخفض بنسبة 25% على مدى العام بأكمله، وهو أكبر انخفاض له منذ خسارته الفادحة في عام 2008 حين هبط بنسبة 72%.

وتكبدت الأسهم المتداولة خسائر فادحة وصلت إلى 54.3 مليار درهم (14.8 مليار دولار) خلال العام.

وتحدث المحللون الماليون عن علامات تباطؤ في اقتصاد إمارة دبي المتنوع، ولا سيما في القطاعين العقاري والسياحي اللذين كانا عبئا ثقيلا على البورصة في 2018، وأرجعوا خسائر البورصة إلى تراجع حاد في مبيعات العقارات وأسعارها بسبب المعروض الفائض والطلب الضعيف.

وخلال الربع الثالث فقط من عام 2018 هبطت أسعار المساكن في دبي بنسبة 7.4% وفقا لبيانات مصرف الإمارات المركزي، وتشير تقديرات المصرف إلى أن وتيرة النمو الاقتصادي في دبي تباطأت على الأرجح إلى 2.3% في 2018، من 2.8% في العام السابق.

ومن أبرز الأسهم الخاسرة في دبي أسهم شركة إعمار العقارية التي خسرت نصف قيمتها تقريبا على مدى عام.

دبي.. أسوأ سوق!

وكالة “بلومبيرغ” الاقتصادية الأمريكية كشفت أن بورصة دبي هي أسوأ الأسواق أداء بالنسبة للمستثمرين الأجانب في عام 2018.

وقالت الوكالة، في تقرير لها، إن المستثمرين الأجانب بسوق دبي المالية باعوا ما قيمته 853 مليون درهم (232 مليون دولار) من الأسهم، بنهاية الأسبوع الثاني من ديسمبر الماضي.

واعتبرت أن ذلك مؤشر على أن العديد من المستثمرين الأجانب ربما لا يرغبون في الاحتفاظ بالأسهم مع بداية العام المقبل.

وأكدت الوكالة أن هذا أكبر رقم منذ بدء تقديم البيانات  المالية في مطلع العام الحالي، حيث إن هذه الأرقام لا تشمل المستثمرين من دول الخليج والعالم العربي.

وأشارت “بلومبيرغ” إلى أن المستثمرين يهربون من سوق دبي المالية، بعد أن تراجع حجم التعاملات إلى مستوى عام 2013، وجاء ذلك تحت ضغط أسهم شركات التطوير العقاري والشركات العقارية.

وحتى نهاية نوفمبر فقدت شركات “دريك آند سكل إنترناشيونال”، و”ماركا،” و”دي إكس بي إنترتينمنتس”، و”أملاك للتمويل”، 47% على الأقل من أسهمها.

ووفق “بلومبيرغ” فإن الخسائر الدنيا لتلك الشركات زادت إلى 51.57%، أي أكثر من ضعف متوسط مؤشر البورصة المحلي الرئيسي، الذي يتجه نحو أسوأ أداء خلال عقد.

وتتراجع أسعار العقارات في الإمارات على أساس ربع سنوي منذ بداية 2017، بحسب تقرير نشرته وكالة “رويترز” مطلع الشهر الحالي، بسبب تدهور ميزان العرض والطلب.

وبحسب مراقبين ووسطاء، فربما يكون تباطؤ السوق العقارية في دبي، عامل الضغط الرئيسي على سوق الأسهم الذي هوى لأدنى مستوياته منذ سبتمبر 2013، أي الأقل منذ قرابة خمس سنوات وأربعة أشهر.

ويجبر تباطؤ القطاع العقاري في دبي شركات الإنشاءات والمقاولات على خفض الوظائف وتجميد خطط التوسع، إلى جانب عدم نجاح بعض الشركات في إعادة هيكلة أوضاعها المالية مؤخرا مع تفاقم خسائرها.

وتظهر البيانات تراجع غالبية الأسهم العقارية المدرجة في دبي بنحو حاد خلال العام الحالي، وفي مقدمتها إعمار العقارية منخفضة بنسبة 39%، كما تراجعت أرابتك بنسبة 17.6%، وداماك بنسبة 53% .

وتهيمن شركات العقارات على الأسهم المدرجة في بورصة دبي، وتشكل 30% من قيمتها السوقية البالغة نحو 340 مليار درهم (92.5 مليار دولار)، مقابل 394 مليار درهم (107.3 مليار دولار) نهاية العام الماضي.

الإمبراطورية الاقتصادية تنهار

لكن هذا التهاوي غير المسبوق لبورصة دبي، سبقه بعدة أشهر ملامح أزمة اقتصادية حادة، حيث بادرت العديد من المحلات ومراكز التسوّق والفنادق إلى إغلاق أبوابها، فيما شهدت معدلات التضخم انخفاضا مستمرا.

ويتوقع خبراء الإقتصاد أن يستمر التضخم في التراجع، وهو ما قد ينعكس سلبا على معدلات النمو وتنافسية الاقتصاد المحلي وقدرته على جذب مزيد من الاستثمارات، علاوة على الإقبال على الطلب وتراجع الأسعار.

هذا الانهيار الحاد في سوق دبي الإقتصادي، تجلى بوضوح في عدة عوامل أثرت سلبا على اقتصاد الإمارة الغنية، بحسب تقارير اقتصادية.

تقرير الثروة العالمية الذي صدر مؤخرا عن مؤسسة “كابجيميني” الفرنسية، كشف تراجع ثروة الأثرياء في الإمارات، الذين يملكون مالا يقل عن مليون دولار مخصصة للاستثمار بخلاف منازلهم الرئيسية ومقتنيات مثل المجموعات الفنية والسيارات، لنحو 190.2 مليار دولار خلال العام 2017، بتراجع بلغ نحو 5 مليارات دولار عن العام 2016.

كما شهدت سوق الذهب بدبي للمرة الأولى منذ 35 عاما، تدهورا كبيرا، حيث تراجع الإقبال على شراء واستئجار المتاجر المخصصة لبيع وشراء الذهب.

وشهد القطاع العقاري، في الربع الأول من 2018، انخفاضا، حيث تدهور حجم الاستثمارات في العقارات والمباني التجارية بنسبة كبيرة، فعقارات دبي التي كانت تباع بـ 626 دولار (2300 درهم ) للقدم المربع أصبحت تباع بأقل من 163 دولار ( 600 درهم) للقدم المربع.

وقد صحب هذا التراجع في الطلب، بموجة تخلص من العقارات من غالبية المستثمرين مما تسبب بهبوط حاد في قطاع العقارات المباعة في دبي، أحد أعمدة اقتصاد الإمارة.

كما شهدت أسعار إيجار العقارات انخفاضا ملحوظا، بحسب تقرير لوكالة “ستاندرد آند بورز” العالمية للتصنيف، الذي كشف أن إيجارات المساكن انخفضت في دبي بنسبة 10 إلى 15 %، وسط توقعات بثبات النسبة خلال العامين الحالي والمقبل.

وبحسب تقرير بدائرة الأراضي والأملاك في دبي، بلغت قيمة الصفقات العقارية للنصف الأول من العام 2018 نحو 111 مليار درهم، متراجعة بنسبة 16% مقارنة بنحو 132 مليار درهم، خلال النصف الأول من 2017.

وبحسب التقرير، فقد أرجع خبراء أسباب الأزمة إلى السياسة الاقتصادية الداخلية للدولة التي تتمثل في عدة أمور أبرزها: فرض ضريبتي القيمة المضافة والضريبة الانتقائية على عدد من السلع والخدمات، وتطبيقها على بيع وتأجير الوحدات العقارية التجارية، ما أدى إلى ارتفاع أسعار الكثير من السلع والخدمات في مجال الاتصالات والتعليم والمطاعم، كما أثر بصورة ملحوظة وسريعة على حجم التضخم، وهو ما أكده تقرير لمركز دبي للإحصاء.

وتواجه “أبراج كابيتال”، وهي أكبر شركة استثمار مباشر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، اتهامات بإساءة استخدام أموال مستثمرين في صندوق للرعاية الصحية، حيث تنظر المحاكم الإماراتية في قضية شيك بدون تغطية كافية كتبه مؤسس الشركة ومسؤول تنفيذي زميل قيمته نحو 48 مليون دولار، (177 مليون درهم).

وأظهر تقرير نشرته شبكة “بلومبيرغ” الأمريكية أن شركة “أبراج القابضة” الإماراتية كانت تعمل وفق نموذج أعمال “غير معتاد” يعتمد على الاقتراض قصير الأجل، وأن هناك بيانات مالية أساسية للشركة مفقودة أو غير موجودة أصلا.

ووفقا لهذا التقرير فإن الشركة الإماراتية لجأت إلى الاقتراض مرارا لسد فجوة في السيولة بين تكاليف التشغيل والرسوم التي تتقاضها من عملائها لإدارة استثماراتهم، فيما  سجلت خسارة قدرها 188 مليون دولار في نهاية مارس الماضي بعدما استخدمت بعض أموال المستثمرين لإدارة عملياتها. وتبلغ ديون الشركة في الوقت الراهن حوالي 1.1 مليار دولار.

وكشفت مصادر إعلامية أن تدني المؤشرات الاقتصادية بدبي قد امتد ليشمل شركات الطيران، أيضا، حيث أظهرت بيانات، مؤخرا مواجهة بين شركة طيران الاتحاد، التي تعتبر واحدة من أكبر شركات الطيران في الخليج وثاني أكبر شركة في الإمارات بعد طيران الإمارات، لخسائر بلغت 3.4 مليار دولار خلال عامي 2016 و2017، وفقا لميزانياتها المنشورة.

كما أعلنت خطوط فيرجن أتلانتيك الجوية، التي تعمل على تشغيل رحلات جوية بين بريطانيا والإمارات منذ عام 2006، عن نيتها إيقاف الرحلات الجوية بين دبي ولندن، اعتباراً من نهاية مارس 2019، مُرجعة أسباب ذلك إلى مجموعة من العوامل الخارجية التي جعلت الأمر غير مجد اقتصاديا.

وفي مايو الماضي، أعلنت خطوط رويال بروناي الجوية هي الأخرى عن توقف الرحلات بين دبي ولندن.

قطر تهزم الحصار

وفي مقابل ما لحق بورصة دبي من خسائر موجعة، جاءت بورصة قطر في مقدمة الأسواق الخليجية والعربية الرابحة في 2018، إذ ارتفع مؤشرها بنسبة 21%، رغم الحصار السياسي والاقتصادي المفروض عليها من قبل السعودية والإمارات والبحرين ومصر منذ يونيو 2017.

ولم يأت الأداء الإيجابي لبورصة قطر من فراغ، وإنما كان نتيجة لعدد من المحفزات والعوامل الداخلية، أهمها قوة الاقتصاد القطري والنمو المتسارع الذي يحققه، وذلك بشهادة المنظمات الدولية ومؤسسات التصنيف الائتماني، التي أكدت أن قطر قادرة على تحقيق معدلات نمو متسارعة حتى ولو استمر الحصار لسنوات أخرى.

وفي هذه الفترة من العام، وفترة الحصار المستمرة شهدت البورصة نقلات نوعية بفضل الإجراءات والأدوات التي تم تطبيقها من بينها إدراج شركات جديدة وصناديق مؤشرات.

وكالة “بلومبيرغ”، أكدت في تقرير لها تفوق قطر على نظيراتها الخليجية على صعيد أداء أسواقها المالية رغم ظروف الحصار، في وقت تعثرت فيه تلك الأسواق.

وتقول الوكالة إنه وبرغم الحصار المفروض على قطر منذ الخامس من يوليو 2017 إلا أن أصولها المالية كانت الأفضل أداء هذا العام مقارنة بباقي دول الخليج الأخرى.

وأشار التقرير إلى أن قطر استطاعت تعويض آثار الحصار، حيث تراجعت مخاطر الائتمان، وأقبل المستثمرون الأجانب على الأسهم القطرية بوتيرة هي الأسرع منذ 2016 على الأقل.

وأظهرت بيانات الوكالة أن بورصة قطر استطاعت جذب 2.47 مليار دولار من الاستثمارات الخارجية مقابل 794 مليونا للسعودية و506 ملايين لأبو ظبي فقط، في حين شهدت دبي خروج 245 مليونا.

ورأى خبراء أن الأداء الجيد للسوق القطرية لعام 2018 يعود إلى ثلاثة عوامل أساسية، هي: عودة الثقة إلى المستثمرين، الأرباح القوية للشركات القطرية خاصة البنوك وشركات قطاع البتروكيماويات، ورفع نسب تملك الأجانب بالبورصة.