العدسة – باسم الشجاعي
في خطوة مفاجئة تكسر عصا “اللّاساميّة” الغليظة، التي تسلطها إسرائيل والسّاسة الموالون للصّهيونيّين، على المتوجسين منهم خيفة، أقر مجلس الشيوخ البولندي، “الخميس” 1 فبراير، يرمي إلى الدفاع عن صورة وارسو بتجريمه استخدام عبارة “معسكرات الموت البولندية” في الحديث عن المعسكرات النازية، على الرغم من إبداء الولايات المتحدة “قلقها” إزاء التشريع الجديد.
إقرار القانون، الذي أغضب دولة الاحتلال الإسرائيلي، ما زال بحاجة لمصادقة الرئيس “اندريه دودا”، عليه كي يدخل حيز التنفيذ، ليس وليد اللحظة، فمنذ 2015، يسعى حزب القانون والعدالة “سياسة” تهدف إلى استنهاض الروح الوطنية.
وتسعى هذه السياسة إلى استذكار الأعمال البطولية ضد النازية والنظام الشيوعي والقوميين الأوكرانيين والجيش الأحمر، وإحياء ذكرى البولنديين الذين خاطروا بحياتهم لإنقاذ يهود.
وتعتبر السلطات الحاكمة في بولندا أن القانون يهدف إلى تفادي أن تنسب للبلاد جرائم ارتكبها النازيون.
ما هو القانون؟
ويفرض مشروع القانون عقوبة السجن لمدة ثلاث سنوات لمن يأتي على ذكر “معسكرات الموت البولندية”، لكنه لن يقيد أبحاث الحرب العالمية الثانية.
ويستهدف الإجراء المواطنين البولنديين والأجانب على حد سواء، ولذلك، فإن اليهود البولنديين الناجين من المحرقة، والذين يعيشون في فلسطين المحتلة وينشرون علنًا عن اتهام بلوندا بالمحرقة، قد يخضعون لإجراءات جنائية في بولندا، الأمر الذي قد يؤدي بهم إلى السجن.
ويمنع القانون استعمال أي عبارة تربط بولندا بالجرائم النازية التي ارتكبت ضد الإنسانية، مثل استعمال مصطلح “المحارق البولندية” أو “أفران الغاز في بولندا”، معتبرين أنه يجب على كل من يكتب أو يصرح عن هذه الفترة التأكيد على أن هذه الأماكن بنيت وأديرت من قبل النازيين بعد احتلالهم بولندا عام 1939.
ويشار إلى أن بولندا خسرت خلال فترة احتلالها من قبل ألمانيا النازية، في الحرب العالمية الثانية، ستة ملايين من أبنائها، من ضمنهم ثلاثة ملايين يهودي.
وقبل نشوب الحرب العالمية الثانية كانت بولندا موطن أكبر طائفة يهودية في أوروبا، إذ بلغ عدد اليهود فيها 3.2 مليون نسمة، وهاجمت ألمانيا النازية بولندا واحتلتها عام 1939، وبنت معسكرات اعتقال فيما بعد على الأراضي البولندية.
بصقة جديدة
إقرار القانون يعد بصقة جديدة في وجه “إسرائيل”، ومحاولة من بولندا لإعادة كتابة التاريخ وإنكار المحرقة، دون الالتفاف للانتقادات الدولية والصهيونية.
فقد اتهم رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو”، بولندا بالسعي لإنكار التاريخ من خلال هذا التشريع، وقال “نحن لا نتسامح مع تحوير الحقيقة وإعادة كتابة التاريخ أو إنكار الهولوكوست”.
كما قالت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية “هيذر نويرت”، إن هذا القانون ستكون له “تداعيات” على “مصالح بولندا وعلاقاتها الإستراتيجية، بما في ذلك مع الولايات المتحدة وإسرائيل”، مؤكدة أن الانقسامات المحتملة بين الحلفاء “لا تفيد إلا منافسينا”.
ودعت “نويرت”، “وارسو” إلى “أعادة النظر بالقانون على ضوء تداعياته المحتملة، إلا أن مجلس الشيوخ البولندي أقر القانون دون النظر إلى تلك التصريحات.
لماذا الغضب الإسرائيلي؟
“المحرقة النازية”، تمثيلية كبرى تحاول “إسرائيل” من خلالها تصوير ما حدث أنه استثنائي وفريد ولا يمكن أن يقارن بالمذابح التي راح ضحيتها آخرون من غير اليهود، بتهويل بعض جزئيات أحداثها، مثل تضخيم ما حدث لليهود، وكأنهم المتضرر الأوحد من هذه الجرائم، أو الأرقام الفلكية لضحايا اليهود، وجعل تهمة “العداء للسامية” سيفًا مسلطًا على رقبة كل من يفكر في توضيح الحقيقة فيها، مما يكشف حالة الغضب التي انتابتها بعد القانون.
وبسبب المحرقة، حصلت المنظمات اليهودية المدافعة عن ضحايا المحرقة النازيةJewish Claims Conference على 450 مليون مارك.
كما كانت ألمانيا الاتحادية، في الفترة ما بين 1960 و1970، ثاني أكبر مُصدر أسلحة للدولة العبرية، وهذه المساعدات ساعدت إسرائيل على الحفاظ على وجودها في فترة حساسة خلال الحربين الأولى والثانية في المنطقة.
ورقم الستة ملايين الذين راحوا جراء المحرقة، كان الهدف أن تحصل “إسرائيل”، على أكبر قدر ممكن من التعويضات، والحصول على الدعم الدبلوماسي الغربي تعاطفًا مع ضحايا “الهولوكوست” التي احتكرها الصهاينة، فكأن “الرايخ الثالث” لم يقتل سوى يهود، فتمَّ نسيان السلاف والغجر واليونان والشيوعيين والمسيحيين المتدينين، وأصبحت المحرقة حكرا على اليهود، مع أن “الغجر” شركاء اليهود في “الهولوكوست”.
وكشف الكثير من المؤرخين كيف تمت عملية التزييف للوثائق الخاصة بالمحرقة، فعلى سبيل المثال، ” استندت محكمة ”نورمبرج” التي أنشئت لمحـاكمة مجرمي الحرب من النازيين، على شهادة على شكل تقرير كتبته فتاة يهودية كانت من ضمن المعتقلات في المعسكرات الألمانية، وأصدرت كتابًا بعنوان: ”يوميات آن فرانك”، وتحدثت فيه عن غرف الغاز لحرق اليهود.
ويقول ”جارودي”: “إن مخطوطة الكتاب قد كتبت بقلم ”جاف” وهو قلم لم يكن معروفًا قبل عام 1951، في حـين أن هذه الفتاة ”آن فرانك ” قد ماتت عام 1945”.
اضف تعليقا