منصور عطية

عكس وزير الخارجية الأمريكي الجديد مايك بومبيو توقعات الجميع بشأن تعاطيه مع ملف الأزمة الخليجية؛ حيث راهنوا على أن يكون مناقضًا لموقف سلفه ريكس تيلرسون الساعي لتهدئة التوتر وإنهاء أزمة حصار قطر بأسرع وقت ممكن.

بعبارات متشابهة أو أخرى تعبِّر عن نفس المعاني التي طرحها تيلرسون كان الإعلان الأول لبومبيو عن توجه وزارته نحو الأزمة، ليس هذا فحسب بل كان الإعلان من قلب العاصمة السعودية الرياض قائدة التحالف الرباعي العربي المحاصر للدوحة.

وقطعت كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها مع قطر في 5 يونيو الماضي، وفرضت حصارًا بريًا وجويًا وبحريًا على الدوحة، بعد اتهامها بتمويل الإرهاب، وتعزيز التعاون مع طهران واحتضان الشخصيات المعارضة من الدول الأربع.

كفى شجارًا صبيانيًا!

بومبيو شدّد على أهمية تحقيق الوحدة في الخليج، وقال في مؤتمر صحفي مع نظيره السعودي عادل الجبير في الرياض الأحد: إنّ الوحدة في الخليج مهمة، ونحتاج أن نحقق هذا الأمر.

صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية قالت إن الوزير طالب السعودية، في مستهل جولة في المنطقة، بإنهاء الحصار المفروض على قطر.

وأضافت الصحيفة في تقرير لها أنّه “وفيما تدرس السعودية حفر خندق على طول حدودها مع قطر، وإلقاء نفايات نووية بالقرب منها، وصل وزير الخارجية مايك بومبيو إلى الرياض، في أول رحلة خارجية له، حاملًا رسالة بسيطة مفادها: كفى”.

ونقلت الصحيفة عن مسؤول رفيع المستوى في الخارجية الأمريكية، أنّ “الصبر على ما تعتبره واشنطن “شجارًا صبيانيًا” داخل مجلس التعاون الخليجي بدأ ينفد”، مشيرة إلى أن بومبيو أبلغ نظيره السعودي، بأن “الخلاف يجب أن ينتهي”.

وذكّرت الصحيفة بأنّ سلف بومبيو، وزير الخارجية الأمريكي السابق ريكس تيلرسون، قضى مدة طويلة وهو يحاول التوسط لفضّ النزاع الخليجي، دون جدوى.

وأضافت: “السعوديون الذين يراقبون بحرص ديناميكيات القوة في واشنطن، يعرفون أن علاقة تيلرسون كانت متوترة مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وبالتالي تم تجاهله، لاسيما وأن ترامب انحاز لسعوديين في الأيام الأولى للنزاع”، بينما بومبيو أقرب إلى ترامب، وبالتالي سيعتبر “رقمًا أصعب”.

خيبة أمل للإمارات؟

يبدو أنَّ الرسالة الأولى التي أرادت الولايات المتحدة ممثلة في وزارة الخارجية، لدول الخليج بشكل عام، أنّ موقفها ثابت حيال الأزمة الخليجية رغم تغير الوزير.

موقف الوزير السابق “تيلرسون” عبر عنه أكثر من مرة في لقاءات وزيارات مكوكية التقى خلالها بنظرائه من طرفي الأزمة، ومن بين ما قال معبرًا عن هذا الموقف: “إن الحصار الذي تفرضه دول خليجية على قطر غير مقبول، نعتقد أنه من المهم بقاء مجلس التعاون الخليجي موحدًا”.

ليست الخارجية فقط، بل الرئيس الأمريكي ذاته جدد موقفه عبر بومبيو بضرورة إنهاء الحصار وحل الأزمة؛ فبحسب الصحيفة فإن “الحملة الساحرة” التي شنتها قطر على واشنطن خلال زهاء 11 شهرًا منذ بدء الحصار، وأنفقت عليها ملايين الدولارات، قد أتت بثمارها في وقت سابق من هذا الشهر، عندما عقد أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني اجتماعًا في البيت الأبيض مع ترامب عبّر خلاله الرئيس الأمريكي عن دعمه القوي للدوحة.

ورغم أنّ جميع دول الحصار تبدو آسفة لمثل هذا الموقف الأمريكي الذي يبدو أنه توحد ضد استمرار الأزمة، إلا أنّ خيبة أمل دولة الإمارات ليست كالباقين.

في مارس الماضي أعلنت هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” أنها حصلت على رسائل بريد إلكتروني مسرَّبة تكشف جهودًا إماراتية للإطاحة بوزير الخارجية الأمريكي السابق من منصبه بسبب رفضه لحصار قطر.

إحدى الرسائل تظهر، بحسب التقرير، أنّ واحدًا من أبرز جامعي التبرعات لحملة ترامب الرئاسية وهو رجل الأعمال اليهودي “إليوت برويدي”، التقى الرئيس الأمريكي في أكتوبر الماضي وحثّه على إقالة تيلرسون، وقد جرى هذا اللقاء عقب عودة برويدي من زيارة للإمارات العربية المتحدة، وفي رسالة أخرى يصف “برويدي”، وزير الخارجية الأمريكي “بالضعيف” ويقول إنّه يستحق “الصفع”.

وتكشف رسائل البريد الإلكتروني أن “برويدي” كان قد أعدّ مذكرة بشأن اجتماعه مع الرئيس ترمب، وأنّه حثّه على مواصلة الدعم الأمريكي للإمارات والسعودية ضد قطر، في النزاع بينهما منذ أزمة حصار قطر في يونيو الماضي.

سر الرغبة الأمريكية

وبطبيعة الحال فإنّ الرغبة الأمريكية في انتهاء الأزمة الخليجية ليست نابعة من نظرة ملائكية للأمور، لكنها تخضع لمصالح الولاءات المتحدة وما تقتضيها من مواءمات وتحركات سياسية.

التقرير السابق لصحيفة “نيويورك تايمز” أشار إلى أنّ واشنطن تنظر إلى مواجهة إيران وإحلال الاستقرار في العراق وسوريا، وهزيمة فلول داعش، وإخماد الحرب في اليمن، على أنها أولويات مُلِحّة، ولا يمكن معالجتها بشكل كامل دون استجابة عربية موحدة وأكثر قوة، وهذا ما لن يتأتى إلا بمجلس تعاون خليجي موحد.

كما تتماهى المصلحة الأمريكية مع ما أُثير خلال الأسابيع الماضية بشأن مشاركة قوات عربية وإسلامية في سوريا بديلة لتلك الأمريكية التي ينتظر أن تغادر البلاد قريبًا، أو حتى تمويلها لحين المغادرة.

وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، كشف أنَّ بلاده عرضت إرسال قوات من “التحالف الإسلامي” لمحاربة الإرهاب إلى سوريا.

وأوضح أنَّ السعودية عرضت على الولايات المتحدة الأمريكية إرسال قوات من التحالف الإسلامي ضد الإرهاب إلى سوريا، متابعًا: “نحن عرضنا في نقاشات مع الولايات المتحدة منذ بداية هذه السنة، فيما يتعلق بإرسال قوات إلى سوريا”.

ووفق تقارير إعلامية، طلبت الولايات المتحدة دعمًا عسكريًا من دول عربية، بينها مصر، لإحلال الاستقرار في سوريا.

صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، نقلت عن مصادر حكومية أنّه من المفترض وفقًا لهذه المطالب أن ترسل كل من السعودية وقطر والإمارات ومصر قوات إلى شمال شرقي سوريا لتحل محل الوحدات الأمريكية هناك عقب تحقيق انتصار على تنظيم الدولة “داعش”.

وأفادت الصحيفة بأنّ مستشار الأمن القومي الأمريكي “جون بولتون” تواصل مع دول خليجية ومصر من أجل المشاركة في هذه القوات وتقديم الدعم المالي لها، وتوقع مسؤولون في الإدارة الأمريكية أن تستجيب الدول العربية لطلب ترامب خصوصًا فيما يتعلق بالدعم المالي.

الحلب من خزائن دول الخليج العامرة يبقى خيارًا استراتيجيًا لترامب، عبّر عنه مؤخرًا؛ حيث كرر وصفه لدول في الشرق الأوسط بأنها “من الغنى بحيث تجهل حتى ما تصنعه بأموالها”، مجددًا عزمه على أن تدفع تلك الدول “ما عليها”.

وقال في خطاب ألقاه أمام أنصاره بولاية ميشيجان، الأحد، إنّ بلاده أنفقت 7 تريليونات دولار في الشرق الأوسط “هدرًا ولم تجنِ منها شيئًا”، وأضاف أنه طلب من دول المنطقة أن تدفع ما عليها، وقال “سنجعلهم ينفقون وينفقون”، مشيرًا إلى أنهم يتقلبون في المال بحيث يحتارون في كيفية إنفاقه.

وكان ترامب قال في تصريحات سابقة، إن بعض الدول في الشرق الأوسط “لن تصمد أسبوعًا دون الحماية الأمريكية”، وقال- في مؤتمر صحفي مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون الأسبوع الماضي- إنه يريد من هذه الدول- التي لم يسمها- ضخّ الأموال والجنود لدعم جهود بلاده في سوريا.