العدسة – ياسين وجدي:

صراعات بالوكالة باتت هي صاحبة القرار في لبنان ، لتشكيل حكومة تأخر موعد ولادتها الطبيعية 5 أشهر، اليوم فيهم بدهر على خبراء بات يرون مستقبل بيروت على شفا الانهيار

العدسة يستعرض تقدير موقف جديد لخبراء مركز كارينجي للدراسات في الشرق الأوسط حول تشكيل الحكومة اللبنانية المتعثر ، يرون فيه أن الصراع بين طهران وسوريا من جانب والولايات المتحدة الأمريكية من جانب آخر هو من سيحدد موعد اعلان الحكومة الذين يظنون أنه قد لا يتأخر كثيرا وليس كل الظن اثم كما يقول الكثيرون.

تشكيل اجباري !

مهى يحيَ | مديرة مركز كارنيغي للشرق الأوسط ترى في تقدير الموقف الذي وصل ” العدسة” أنه لن تتشكّل الحكومة إلا حين يعترف السياسيون اللبنانيون أن البلاد باتت على شفا الكارثة، وإلا حين تشعر الأطراف الإقليمية أنها حققت أقصى مراميها ومكاسبها في هذه المرحلة.

وأضافت أنه هذه الحقيقة تكشف النقاب عن أن ما أعاق تشكيل الحكومة حتى الآن هي المصالح المتباينة على نحو شاسع. فهناك أولاً، وأساساً، شدّ الحبال العنيف بين الطرفين السياسيين المسيحيين المتنافسين على الهيمنة المستقبلية على طائفتهما وعلى منصب الرئاسة اللبنانية، وهذا ينطبق على وجه الخصوص على تموضع جبران باسيل رئيس التيار الوطني الحر لخلافة والد زوجته الرئيس ميشال عون حين يغادر هذا الأخير الساحة السياسية، ومثل هذه المجابهة أسفرت عن تسميم أجواء الخطاب السياسي العام، وأحيت مشاعر وأحاسيس حقبة الحرب.

وأوضحت أنه ثمة عامل آخر هنا يساهم بدوره في مفاقمة حالة الاستقطاب، هو إعادة توكيد النفوذ السوري في سياسات البلاد، ففي الوقت نفسه الذي تزداد فيه ضغوط حزب الله وحلفاؤه على الحكومة لتطبيع العلاقات مع دمشق ، تتغير الموازين لصالح النظام السوري.

وترى يحيي أن حزب الله يدفع حلفاءه اللبنانيين إلى أحد أمرين: إما العمل لقيام حكومة قصيرة الأجل، أو تأخير تشكيلها بهدف ضمان بروز قيادات أكثر إذعاناً لاحقاً، قد تقبل بإحياء الهيمنة السورية وتحويل لبنان إلى منفذ ومتنفّس تستطيع عبره سورية الانخراط مع العالم، وربما أيضاً تجنّب وطأة العقوبات الدولية، وهذا يعني أن حلفاء النظام السوري يعتبرون أن الوقت أزف لحصد ثمار استثمارهم في دعم نظام الأسد، فيما هم ينشطون لدرء الجهود الأميركية الهادفة إلى ضعضعة إيران.

وأشارت يحيي إلى أنه قد يبدو أن كل هذه الشواغل تصب في خانة تدوير الزوايا، لكن لم يعد بالإمكان في الواقع القفز فوق الحاجة الماسة إلى وضع لبنان مجدداً على الطريق الصحيح والسليم، إذ إن تدهور الثقة باقتصاد البلاد، وزيادة الضغوطات الاجتماعية – الاقتصادية، والتآكل الواضح في نسيج مؤسسات البلاد، يجعل من الأهمية بمكان أن تبادر القيادة السياسية إلى إغلاق صفحة التأخير بأقصى سرعة.

سياق اقليمي !

وقالت روزانا بومنصف  المحللة السياسية اللبنانية : لايمكن عزل الحديث عن تشكيل حكومة جديدة في لبنان عن السياق الإقليمي للبلاد، وثمة افتراض بأن إيران تسعى إلى تشكيل حكومة في كل من العراق ولبنان، قبل أن يسري مفعول العقوبات الأميركية في 4 نوفمبر الرامية إلى الحدّ من صادرات طهران النفطية”.

وأضافت أنه مع ذلك، لايمكن لأحد أن يُنكر أن عرقلة تشكيل حكومة لبنانية أو عراقية قد تكون أداة مساومة للتخفيف من حدّة هذه العقوبات، حتى لو لم يكن حليف إيران، حزب الله، في مقدمة الأطراف المُعرقلة لتشكيل الحكومة في بيروت، وعلاوةً على ذلك، لايجب أن ننسى أن العرقلة ناجمة أيضاً عن صراع مستمر بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية حول التمثيل المسيحي داخل المجلس.

وأشارت إلى أنه في الوقت نفسه، تحاول الدول العربية الضغط في اتجاه تشكيل سريع للحكومة، والوقوف في وجه أي حكومة غير متوازنة من شأنها أن تصبّ في خانة حزب الله وتسهّل محاولات تقويض اتفاق الطائف، ولذلك جاء تفاؤل رئيس الوزراء المكلّف سعد الحريري الأخير بشأن عملية التشكيل، بمثابة نفي لجميع المزاعم القائلة بأن السعودية تعرقل هذه العملية.

شفير الانهيار !

سامي نادر مدير معهد المشرق للشؤون الاستراتيجية، وخبير اقتصادي ومحاضر في جامعة القديس يوسف في بيروت يرى من جانبه أن تشكيل الحكومة لن يستغرق وقتاً طويلاً بعد.

وأوضح أن المشهد كان خلال الأشهر الخمسة الماضية، على النحو التالي: أراد حزب الله وحلفاؤه، الذين فازوا في الانتخابات البرلمانية، تسليم سعد الحريري منصب رئيس الحكومة، لكن بشروطهم الخاصة، وبعبارة أخرى، لم يكونوا مستعدّين للتنازل عما يعتبرونه نصيبهم العادل داخل الحكومة.

وأضاف أن الأمور تبدو مختلفة الآن: إذ إن حزب الله يحتاج إلى حكومة وحدة وطنية يرأسها الحريري، لتحصينه ضدّ الضغوطات الدولية المتنامية، فمواجهة إيران هي عنوان اللعبة في واشنطن، وقد انضمت إليها مؤخراً الدول الأوروبية عبر فرض عقوبات على طهران.

وأشار إلى أنه علاوةً على ذلك، ستزداد العقوبات الاقتصادية على حزب الله، وبالتالي سترتفع احتمالات توجيه ضربة عسكرية إسرائيلية جديدة، وإضافة إلى ذلك، قد يدرك أصحاب المصلحة في لبنان .

وأوضح نادر أن اقتصاد البلاد على شفير الانهيار، وبالتالي من شأن أي تأخير إضافي أن يكون خطيراً، والواقع أن حزب الله قد يتجه لإقناع حلفائه بضرورة التوصّل إلى حلّ وسط.

المربع الأول !

من جانبها ترجح حنين غدّار  الخبيرة في زمالة فريدمان في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى في العاصمة الأميركية أنه يبدو أن عملية تشكيل الحكومة اللبنانية عادت إلى المربع الأول، بعد أن أعلن رئيس الوزراء سعد الحريري الأسبوع الماضي أن الحكومة قد تتشكّل في غضون أسبوع أو عشرة أيام.

 

وأوضحت أنه على رغم أن الحريري شدّد على أن كل الأطراف قدّمت تنازلات، إلا أنه لايبدو أن هناك شيئاً من هذا القبيل من جانب الحزبين المسيحيين الرئيسيين اللذين يعرقلان مسيرة التشكيل، وفي الوقت نفسه، كان حزب الله يلقي بلائمة التأخير على عاتق “التدخلات الأجنبية”، ملمحاً بذلك إلى موقف الولايات المتحدة الرافض لتسلّم الحزب أي وزارة خدمات أساسية، خاصة وزارة الصحة.

وتشير حنين غدّار  إلى أن السؤال الرئيس الآن هو: هل ستقوم الحكومة بمعالجة الأزمات الاقتصادية والسياسية في البلاد؟ والجواب هو: لا بالتأكيد تقريبا، إذ الأمر هنا يحتاج إلى تنفيذ عمليتين أساستين إثنتين لمساعدة لبنان على التعافي من أزماته هما: إصلاح مؤسسات الدولة من خلال آليات محاسبة حازمة، واحتواء هيمنة إيران على لبنان .

وحذرت الخبيرة في زمالة فريدمان في معهد واشنطن من أنه اذا تواصل طهران الهيمنة على قرارات البلاد السياسية والأمنية؛ وتواصل الفساد حرمان المؤسسات من الموارد، سيبقى لبنان معزولاً سياسياً واقتصادياً وستمضي مسيرة التفسخ والتحلل قدما.

وأكدت أن العديدون في لبنان يعتقدون أن المجتمع الدولي سيتدخّل لمساعدة البلاد، لأن استقراره يبدو أولوية أكثر من مسائل الفساد أو حتى من نفوذ حزب الله المتنامي، كما يعتقد آخرون أن قضية اللاجئين السوريين ستحفز الحكومات الأوروبية على تقديم المساعدات لانتشال لبنان من حالة اللااستقرار التي قد تنجم عن سوء سلوك المؤسسات والسياسيين.

وأوضحت أن الحقيقة أن استقرار لبنان قد لاتبقى له الأولوية بسبب التحولات السياسية في الولايات المتحدة وبلدان أخرى، وأيضاً بسبب تزايد وتائر التركيز على إيران وأتباعها في المنطقة.