تشهد مصر مشهداً جديداً من مشاهد التفريط في أصول الدولة لصالح أطراف خارجية، حيث تواصل الحكومة المصرية استكمال مخطط تهجير أهالي جزيرة الوراق على نهر النيل بداعي التطوير، بما يخدم مشاريع استثمارية ممولة من دولة الإمارات.

 هذه التحركات تأتي في ظل رفض شعبي واسع، وتصاعد اتهامات بالخيانة للنظام المصري بقيادة عبد الفتاح السيسي بسبب توريط البلاد في مشاريع تبيع أصولها الوطنية لمصالح خارجية.

بين التطوير والإخلاء القسري

أعلن رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، خلال اجتماع في العاصمة الإدارية الجديدة، أن الحكومة استحوذت على نحو 1024 فداناً من أصل 1295 فداناً من مساحة جزيرة الوراق، أي ما يعادل أكثر من 79% من إجمالي مساحة الجزيرة. وأوضح أن الهدف هو إنشاء “مجتمع عمراني حديث”، يشمل إقامة 94 برجاً سكنياً وتجارياً تضم آلاف الوحدات السكنية، في مشروع يُمول جزئياً من الإمارات.

لكن هذا المشروع، الذي تسوقه الحكومة على أنه تطور حضاري، يواجه انتقادات واسعة بسبب سياسات الإخلاء القسري التي تُمارس ضد سكان الجزيرة الأصليين، الذين يبلغ عددهم نحو 100 ألف نسمة. 

تعتمد هذه المجتمعات على الزراعة والصيد كمصدر رزق رئيسي، وهم الآن مهددون بفقدان أراضيهم ومنازلهم لصالح مشاريع استثمارية تخدم فئة النخبة وتقصي السكان الأصليين.

دور الإمارات.. طموحات اقتصادية أم استعمار اقتصادي؟

الإمارات تلعب دوراً محورياً في مشروع جزيرة الوراق، إذ تسعى لتمويل جزء كبير من المشروع وتحويل الجزيرة إلى مركز استثماري وسكني فاخر يخدم الطبقة الغنية. يُعد هذا التحرك جزءاً من استراتيجية إماراتية أوسع تهدف إلى السيطرة على الأصول الاقتصادية في مصر، بما يشمل شراء الأراضي والموانئ والمنشآت الحيوية.

الإمارات لا تكتفي بدعم المشروع مالياً، بل يبدو أنها تضغط على النظام المصري لتنفيذه بسرعة، حيث تصاعدت وتيرة الاخلاءات القسرية والاشتباكات بين قوات الأمن والأهالي في الآونة الأخيرة. 

بالنسبة للإمارات، تمثل جزيرة الوراق موقعاً استراتيجياً للاستثمار العقاري الفاخر، نظراً لموقعها الجغرافي الذي يتقاطع مع ثلاث محافظات كبرى: القاهرة، الجيزة، والقليوبية.

ما الذي تسعى إليه الإمارات من شراء الأصول المصرية؟

الإمارات تتبع استراتيجية واضحة للسيطرة على أصول مصرية حيوية، من خلال:

  1. الاستحواذ على الأراضي والعقارات: كما هو الحال في جزيرة الوراق، تستهدف الإمارات المناطق ذات القيمة الاقتصادية العالية لتحويلها إلى مشاريع عقارية تخدم النخبة، على حساب المواطنين المحليين.
  2. السيطرة على الموانئ والمنشآت الحيوية: الإمارات تسعى منذ سنوات إلى تعزيز نفوذها في الموانئ المصرية، مثل ميناء العين السخنة، بما يتيح لها السيطرة على حركة التجارة البحرية في المنطقة.
  3. تعزيز النفوذ السياسي: من خلال استثماراتها الاقتصادية، تضمن الإمارات تأثيراً مباشراً على السياسات الداخلية في مصر، مما يُمكنها من تعزيز مصالحها الإقليمية.

هذه الاستراتيجية الإماراتية تُثير مخاوف واسعة، حيث يتم التعامل مع مصر وكأنها سوق مفتوحة للأطراف الخارجية، دون مراعاة للسيادة الوطنية أو حقوق المواطنين.

خيانة السيسي

يُتهم نظام عبد الفتاح السيسي بتفريطه المتعمد في أصول البلاد لصالح أطراف خارجية، وعلى رأسها الإمارات.

 فمنذ توليه السلطة، اعتمد السيسي على بيع الأصول الوطنية كمصدر للتمويل، في ظل أزمة اقتصادية خانقة. وتمثل جزيرة الوراق واحدة من أبرز هذه الأمثلة على هذه السياسات، حيث يجري تهجير السكان الأصليين وتسليم أراضيهم للمستثمرين الأجانب.

ما يزيد من حدة الاتهامات هو استخدام الحكومة للقوة المفرطة لإخلاء الجزيرة، بما في ذلك فرض حصار على المعديات التي تربط الجزيرة بالبر الرئيسي، واعتقال الأهالي الذين يحتجون على سياسات الإخلاء. هذه الإجراءات تكشف عن عجز النظام عن حماية حقوق المواطنين، وتركيزه بدلاً من ذلك على إرضاء المستثمرين الأجانب.

الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية لإخلاء جزيرة الوراق

  1. تهجير قسري للسكان: عمليات الإخلاء القسري تُفقد آلاف الأسر مصادر رزقهم، وتجبرهم على الانتقال إلى مناطق أقل حيوية، مما يؤدي إلى تدمير النسيج الاجتماعي للمجتمعات المحلية.
  2. إفقار الفلاحين والصيادين: سكان الجزيرة الذين يعتمدون على الزراعة والصيد يُواجهون فقدان أراضيهم ومصادر عيشهم، ما يدفعهم إلى الانضمام إلى صفوف الفقراء والعاطلين عن العمل.
  3. تفاقم الغضب الشعبي: مشاريع مثل جزيرة الوراق تُظهر بوضوح فجوة الثقة بين النظام والشعب، حيث يُنظر إليها كرمز للظلم الاجتماعي والاقتصادي.

استثمار أم استعمار؟

مشروع تطوير جزيرة الوراق يُثير تساؤلات جدية حول أولويات النظام المصري:

  • هل يهدف المشروع حقاً إلى تحسين مستوى المعيشة كما تدعي الحكومة؟
  • أم أنه مجرد وسيلة لتحقيق أرباح مالية سريعة على حساب حقوق المواطنين؟

الواضح أن المشروع يخدم في المقام الأول مصالح المستثمرين الأجانب، وعلى رأسهم الإماراتيين، الذين يسعون لتحويل الجزيرة إلى منطقة مغلقة للنخبة. هذا النهج يعكس نمطاً متكرراً في سياسات السيسي، حيث يتم تفضيل المصالح الخارجية على حساب المواطن المصري العادي.

من المسؤول؟

جزيرة الوراق أصبحت رمزاً للتفريط في أصول مصر، وعنواناً لخيانة النظام للشعب. الدور الإماراتي في المشروع يكشف عن طموحات تتجاوز الاستثمار إلى محاولة فرض نفوذ سياسي واقتصادي واسع في البلاد. ومع تصاعد الاحتجاجات الشعبية ضد سياسات الإخلاء القسري، يبقى السؤال: إلى متى يستمر السيسي في بيع مصر قطعة قطعة؟

المصريين يدفعون ثمن سياسات النظام الذي يخدم مصالح الأطراف الخارجية على حساب الوطن، وما يحدث في جزيرة الوراق هو مثال حي على كيفية تفريط الحكومات في حقوق شعوبها عندما تغيب الشفافية وتُستبدل الوطنية بالمصالح الضيقة.

اقرأ أيضا: بتحريض من الإمارات.. شرطة السيسي تعتدي على أهالي جزيرة الوراق لصالح مستثمري بن زايد