بينما ينشغل العالم بمجابهة فيروس كورونا ، لا يزال ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” يمارس هوايته المفضلة، في “مجابهة” معارضيه في الخارج، وذلك بالتزامن مع إجلاء الدول لرعاياها والطمأنة عليهم بشتى السبل، خوفا عليهم من الوباء الخطير، لكن يبدو أن وباء “التجسس” السعودي، أخطر عليهم من “كوفيد 19”.
كشفت مجلة “فورين بوليسي” الأميركية، في تقرير حديث لها، أن المملكة العربية السعودية بدأت منذ نوفمبر 2019، أي نحو 4 أشهر، حملة جديدة في التجسس على معارضيها، أو حتى مؤيديها الذين تخشى أن يفقدوا ولاءها لهم في الدول الغربية.
وتضمنت هذه الموجة التجسسية الجديدة، إرسال كبرى شركات الاتصالات السعودية، نحو 2.3 مليون طلبٍ شهريا، إلى شركات الهواتف الأميركية، للحصول على أذون مراقبة لعدد من المستخدمين السعوديين المقيمين بالولايات المتحدة، وطلبا لمعلومات بأماكن تواجدهم وتنقلهم وتحركاتهم.
ووفق المجلة، فإن حجم الطلبات يشير إلى أنه تم استغلال النظام لتتبع تحركات المواطنين، حيث كان يتم إرسال 13 طلبا في الساعة، وكان يتم استخدام البيانات لتحديد موقع مستخدم الهاتف المحمول داخل عدد قليل من مباني المدينة.
وأشارت “فورين بوليسي” إلى أن إرسال الطلبات تم من خلال نظام إشارات يسمى “SS7″، الذي يسمح لمشغلي الهاتف المحمول بمشاركة المعلومات لأغراض مشروعة مثل حساب رسوم التجوال الدولي.
تواطؤ حكومي
وهذه ليست الدلائل الاولى على عملية تجسس كبيرة تدار داخل أروقة الأجهزة الأمنية السعودية، ففي نهاية مارس الماضي، كشفت صحيفة “الجارديان” البريطانية أن السعودية استغلت خاصية تقنية تمثل نقطة ضعف في شبكة اتصالات الهاتف المحمول العالمية للتجسس على مواطنيها في الولايات المتحدة.
ونقلت الصحيفة، في تقرير، عن مخبرين تقنيين قولهم إن ملايين طلبات التتبع السرية أرسلت من المملكة العربية السعودية على مدى 4 أشهر لتحديد أماكن الهواتف التي تحتوي على خطوط محمول مسجلة في المملكة ومتواجدة على الأراضي الأمريكية، وأن تلك الطلبات بدأت بكثافة في نوفمبر 2019.
وبدا أن تلك الطلبات جاءت من أكبر 3 شركات للهواتف المحمولة في المملكة؛ زين وموبايلي وSTC، كما أشارت إلى احتمالية تواطؤ هذه الشركات مع النظام السعودي في برامج مراقبة تديرها الحكومة.
وهو ما أكدته بعد أسبوعٍ واحد فقط، “فورين بوليس” الأميركية في تقريرها الأخير.
وكان الباحث الكبير في مختبر سيتيزن لاب بجامعة تورونتو، “جون سكوت رايلتون”، قد قال إن “البيانات تُظهر أن عملاء أجانب يسيئون بشكل صارخ استغلال نقاط الضعف في شبكة الهاتف المحمول الأميركية لتعقب الأشخاص الذين يتنقلون في أنحاء البلاد”.
وتابع: “في هذه اللحظة من الأزمة، ينبغي لشركات الهاتف والهيئات التنظيمية ووزارة العدل أن تتقدم لمنع القوى الأجنبية من تعقبنا عبر هواتفنا”.
وليست هذه الفضيحة الأولى ولا الثانية حتى في ملف فضائح “بن سلمان”، وإنما مجرد حلقة في مسلسل طويل، لا يتورع عن مواصلته رغم ما يحيط به من الاتهامات الدولية، كان آخرها من “الأمم المتحدة” نفسها، وذلك عقب تقرير لصحيفة “لوفيجارو” الفرنسية، كشفت فيه تجسس “بن سلمان” شخصيا على “جيف بيزوس” مالك العملاقة العالمية “أمازون”.
بداية القصة
وتبدأ القصة حين نشرت صحيفة “الجارديان” البريطانية، تقريرا في 22 يناير الماضي، لمراسلتها في واشنطن “ستيفاني كيرشجايسنر” بعنوان “قرصنة هاتف جيف بيزوس بواسطة ولي العهد السعودي”.
واستندت المراسلة إلى مصادرها، في التأكيد على تعرض هاتف مؤسس أمازون “جيف بيزوس” للقرصنة عام 208 1بعدما تلقى رسالة على تطبيق واتس آب أرسلت من حساب شخصي لولي العهد السعودي، “محمد بن سلمان”.
ويوضح التقرير أن “الرسالة المشفرة التي أرسلت من رقم هاتف محمد بن سلمان يعتقد أنها كانت تحوي ملفا به فيروس، اخترق برمجة الهاتف المحمول لأغنى رجل في العالم حسب ما أشارت إليه التحليلات الرقمية للهاتف”.
وتنقل الصحفية عن مصدر، طالب بعدم كشف هويته، قوله “الرجلان كانا يتبادلان الدردشة الودية على واتس آب حتى مايو عام 2018 عندما تم إرسال هذه الرسالة إلى هاتف بيزوس”.
ويضيف التقرير أنه في خلال ساعات من تلقي الرسالة تم استخراج الكثير من البيانات من هاتف بيزوس مشيرا إلى أن “الكشف المفاجيء لتورط الملك المستقبلي للسعودية في استهداف الملياردير الأمريكي، ومؤسس أمازون، سوف يثير صدمات متعددة في وول ستريت، إلى وادي السيليكون”.
مشيرا إلى أن “هذا الأمر سيطرح المزيد من الأسئلة الصعبة على السعودية بخصوص كيفية قيام مجلة ناشيونال إنكوايرار بنشر معلومات خاصة وحساسة عن بيزوس بما فيها رسائل نصية من هاتفه النقال بعد 9 أشهر فقط من هذه الواقعة”.
ويلفت التقرير النظر إلى أن “ذلك قد يؤدي أيضا إلى المزيد من التدقيق بخصوص ما كان يفعله ولي العهد ودائرته المقربة، خلال الأشهر السابقة على اغتيال الصحفي “جمال خاشقجي” الذي كان يكتب مقالات في جريدة واشنطن بوست- التي يمتلكها بيزوس- الذي جرى اغتياله في أكتوبر بعد قرصنه هاتف بيزوس بخمسة أشهر”.
وبعد التقرير بيومين، نشرت الصحيفة تقريرا آخر، في 24 يناير، يقول إن مسؤولي الاستخبارات الأميريكية حثوا نظراءهم البريطانيين على مراقبة “خديجة جنكير”، خطيبة الصحفي الذي اغتيل في قنصلية بلاده بإسطنبول “جمال خاشقجي”، عن كثب، بعد علمها بخطة السعودية التجسس عليها في المملكة المتحدة، العام الماضي.
وأوضحت أن وكالات استخباراتية أميركية تعتقد أن المملكة العربية السعودية سعت للتجسس على “خديجة جنكيز”.
وأتى ذلك التقرير، بالتزامن مع دعوة وجهها محققو الأمم المتحدة لإجراء تحقيق شامل في الادعاءات الجديدة بأن الرئيس التنفيذي لشركة “أمازون” ومالك صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية “جيف بيزوس”، تعرض للتجسس من خلال اختراق هاتفه بعد تلقيه ملف فيديو من “بن سلمان” على حسابه في “واتس آب”، مما يشير إلى تورط ولي العهد “شخصيا” في عملية التجسس.
تجسس بطعم التطبيع
وفي فبراير الماضي، كشفت صحيفة “لوفيجارو” الفنرسية، أنه في يونيو 2017، التقى شخصان من أجهزة الاستخبارات السعودية بممثلين عن شركة NSO “الإسرائيلية” المعنية ببيع برامج للتجسس على الهواتف، وفي الشهر التالي اشترت السعودية برنامح Pegasus 3 من الشركة الإسرائيلية بقيمة 55 مليون دولار، لكن وسيطا أوروبيا لم يحصل على الـ5 % الموعود بها، تقدم بشكوى لدى الشرطة الإسرائيلية. ومع ذلك تمت الصفقة عن طريق شركة في “لوكسمبورج” تابعة للشركة الإسرائيلية.
وتطرح الصحيفة تساؤلا حول أنه هل من قبيل الصدفة أن تشن السعودية، بعد شرائها للبرنامج، حملةً استهدفت العشرات من داخل الأسرة الحاكمة وأثرياء المملكة؟ ثم معارضيها في الخارج، وعلى رأسهم الصحفي الذي اغتالته “جمال خاشقجي”؟
وأشارت “لوفيجارو” أنه في عام 2018 ، قام برنامج Pegasus 3، الذي اشترته السعودية من الشركة الإسرائيلية، بالتجسس على ما لا يقل عن اثنين من المعارضين السعوديين في الخارج، هما “يحيى عسيري” و”عمر عبد العزيز”.
وكان “عبدالعزيز” الذي يتابعه الآلاف عبر موقع “تويتر” مما يجعله ضمن قائمة “المؤثرين” السعوديين في عالم السوشيال ميديا، قد سرب تسجيلاً صوتياً مدته عشر ساعات لصحيفة واشنطن بوست يتضمن معلومات “تقشعر لها الأبدان” بحسب وصف الصحيفة عن محاولات السعودية المتزايدة لاستدراج المعارضة السعودية في الخارج من خلال إغرائهم بالمال والأمن في حالة عودتهم للسعودية.
واتهمت محكمة فيدرالية أميركية، في نوفمبر 2019، اثنين من موظفي شركة تويتر السابقين بالتجسس لصالح المملكة العربية السعودية والحصول على معلومات شخصية بصورة غير قانونية، وهما “أحمد المطيري” و”علي الزبارة”، وردت شركة “تويتر” نتفهم المخاطر الجمّة التي يواجهها العديد من مستخدمي تويتر لمشاركة مبادئهم مع العالم، وتحميل هؤلاء في السلطة المسؤولية. لدينا أدوات لحماية خصوصياتهم وقدرتهم على عملهم المهم..”، وتتضمن المعلومات المسروقة عناوين بريد إليكتروني وأرقام هاتف وعناوين انترنت لمعارضين سعوديين ومنتقدين للحكومة السعودية وغيرهم.
المبتعثون السعوديون لم يسلموا من تصرفات حكومة بلادهم، حيث كشف موقع “PBS NewsHour” الأميركي، في مارس 2019، أن السعودية تتجسس على طلابها الدراسين في الخارج، وخاصة في الولايات المتحدة الأميركية، حيث يراقَبون وتُعرف كل تحركاتهم، بحسب مقابلات أجراها الموقع مع ثمانية طلاب سعوديين حاليين وسابقين، تحدثوا فيها عن تجربتهم مع مراقبة الحكومة السعودية لهم.
وبيّن الموقع أن عمليات مراقبة الطلاب كان ينفذها في بعض الأحيان طلاب آخرون توفدهم الحكومة السعودية، وأن الطلاب الذين تشعر المملكة تجاههم بعدم الارتياح، يتلقون تهديدات مستمرة، وعمليات تجسس منظمة على شرائح الاتصال الخاصة بهم بالإضافة إلى مراقبة هواتفهم وتحركاتهم.
وعلى ما يبدو أن العالم كله بات شاهدا على إصرار “بن سلمان” في بث فيروساته عبر آلاف الأجهزة، ومن خلال شبكات تعمل بإشرافه شخصيا، حتى في أكثر أوقات العالم حساسية في العصر الحديث، إذ يواجه فيروس “كورونا” المستجد، فيبقى السؤال مطروح كما هو، مع تزايد إلحاحه: متى يتوقف “بن سلمان” أو متى “يتم إيقافه”؟
اقرأ أيضًا: كورونا يجبر السعودية على تمديد حظر التجوال
اضف تعليقا